الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«وارفا» ...شاهد على المأساة الصومالية

30 سبتمبر 2011 22:15
في تلك الأيام البعيدة كان "موليد وارفا" يجلس بالقرب من قناة للري أمام مخيم اللاجئين الذي كان يعيش فيه ويمثل كل عالمه، محدقاً في أكوام القمامة المتراكمة والمياه الراكدة المنتشرة في المكان. وفي ذلك اليوم الذي يتذكره "وارفا" جيداً كان الطفل الصومالي يتساءل عن سبب شقائه وحياته البائسة، وحتى عندما كبر ليرى مدرسة حقيقة تتوفر على مقاعد وسبورة راح يتذكر مدرسته المتداعية في المخيم، التي لم يكن فيها مقاعد وكان سقفها يقطر بالمياه عندما يتساقط المطر. ويسترجع "وارفا" تلك الأيام قائلاً: "أتذكر أني تساءلت لماذا هذه المدرسة التي لا تملك إلا اسمها وفكرت أنه عندما أكبر أريد تغيير هذا الواقع وبناء مدارس لأطفال المخيمات المحرومين". ويبدو أن أمنية الطفل الصغير بدأت في التحقق عندما أصبح اليوم يعمل كاختصاصي في الحالات الطارئة مع منظمة "اليونسيف"، التي تُعنى أساساً بالطفولة، كما ظل وفياً لبلاده التي هاجر منها حيث قرر العمل في الصومال، رغم كل المصاعب والظروف الأمنية الخطيرة التي تحيط بالبلد، فما أن اندلعت أزمة المجاعة في الصومال ونزحت الآلاف من الأسر إلى كينيا، أو العاصمة مقديشو حتى انخرط "وارفا" في أعمال الإغاثة من خلال إيصال المعونات الغذائية إلى المناطق المنكوبة، ومساعدة النازحين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وخلال عمله الصعب واجه "وارفا" الذي يبلغ اليوم 43 عاماً الكثير من المخاطر حيث تعرضت قافلته لإطلاق الرصاص واختطف في إحدى المرات من قبل المليشيات المسلحة. وهو إنْ كان على قيد الحياة فلأنه محظوظ بعدما قتل زميل له في الإغاثة، ناهيك عن اختفاء موظفين محليين أشرف "وارفا" على توظيفهم، لكن وعلى مدى السنوات التي عمل فيه "وارفا" في النشاط الإغاثي كان السؤال المهم الذي يواجهه هو ماذا تساوي حياته أمام حياة مئات، بل آلاف الأطفال الذين قد يموتون إذا لم يجدوا من يقدم لهم الطعام؟ وهو ما يعبر عنه قائلاً: "دائماً أفكر أنه إذا لم أخاطر بإيصال الغذاء للناس في مخيمات اللاجئين فإن العديد من الأطفال سيموتون وستتعمق مأساة الأهالي"، فبسبب تضافر عوامل متعددة بين الجفاف والحرب وحظر منظمة "الشباب" لدخول وكالات دولية للإغاثة وإعاقة عمل المنظمات الإنسانية مات عشرات الآلاف من الأشخاص نصفهم تقريباً من الأطفال، علماً أن منظمة الأمم المتحدة أعلنت رسمياً عن دخول ست مناطق صومالية دائرة المجاعة، وأنها في حاجة سريعة للمساعدات الإنسانية. ورغم السنوات التي قضاها "وارفا" في العمل الإنساني، ما زال صوته يتهدج وتنسكب الدموع من عينيه عندما يحكي قصص الأمهات اللواتي اضطررن لدفن أبنائهن في الطريق الطويل إلى مخيمات النازحين. والحالة المزرية التي وصل عليها باقي الأطفال ممن حالفهم الحظ ولم يقضوا في الطريق، فضلا عن مخاطر التعرض لهم من قبل الميلشيات وقطاع الطرق. ففي مخيم "داداب" الموجود بكينيا التقى "وارفا" امرأة صومالية دفنت طفلين خلال رحلتها الصعبة والشاقة، وهو يقول "إن الوضع صعب للغاية إلى درجة لا أستطيع تمالك نفسي فأجهش بالبكاء". وقد أمضى "وارفا" مؤخراً شهرين في مخيم "دوبلي" بالقرب من الحدود الصومالية التي تقاطر إليها أعداد كبيرة من الصوماليين الذين تركوا وراءهم الأطفال الموتى، وفي المخيم التقى بالطفلة "آشا" التي تبلغ 18 شهراً من العمر وهي في حالة شديدة من الهزال بعدما وصلت مع جدتها إلى المخيم، متذكراً أنه قبل ثلاثين عاماً ربما كان في نفس الموقف، فقد فر "وارفا" عام 1977 مع عائلته التي كانت تمتهن الزراعة من الصومال بعد اندلاع حرب "أوجادين" مع إثيوبيا، وكانت الرحلة طويلة وشاقة وصلوا في نهايتها إلى مخيم للاجئين بالقرب من بلدة "قوريولي" بالجنوب. ويقول "ورافا" مستحضراً تلك الأيام: "هناك في ذلك المخيم كبرت، لكني أكره المكان لأنه يظل بمثابة الوصمة على جبين الطفل بسبب استهزاء باقي الأطفال"، وفي عام 1989 ذهب إلى الجامعة الوطنية في الصومال التي اضطر للهرب منها في العام 1991 عندما اندلعت الحرب الأهلية وانهارت السلطة المركزية، حينها انضم إلى النشاط الإنساني من خلال العمل مع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. وفيما كان من السهل نسبياً تسيير قوافل الإغاثة التي تنقل المواد الغذائية إلى المخيمات بسبب الحماية التي كانت توفرها قوات حفظ السلام الأممية، إلا أنه انطلاقاً من عام 1995 عندما انسحبت تلك القوات أصبح الوضع صعباً للغاية. ففي تلك الفترة تولت الميلشيات المسلحة وأمراء الحرب تسيير البلاد وأقاموا نقاط تفتيش في كل مكان، فكانوا يصادرون المعونات التي يحتجزونها لأنفسهم، أو يبيعونها في الأسواق المحلية. وفي عام 1998 تعرضت قافلة "وارفا" لكمين مسلح واختطف مع زميل أميركي، لكنه نجح في التفاوض مع الخاطفين وإطلاق سراحه مع زميله الأميركي. ورغم استمرار المخاطر بسبب انتشار المليشيات المسلحة، ما زال "وارفا" مصراً على مواصلة نشاطه الإنساني وإنقاذ حياة الأطفال في المخيمات. روبين ديكسون - جنوب أفريقيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©