الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

توظيف الدين في بلاط السياسة.. أفقدنا الفطنة والكياسة!

22 سبتمبر 2015 23:33
خطأ العرب التاريخي منذ الفتنة الكبرى وحتى اليوم، وربما حتى يوم القيامة هو اللعب بالدين في ملعب السياسة، وتلك الخلطة السامة والقاتلة بين الدين والسياسة، وجعل الدين عربة يجرها ويوجهها حصان السياسة. والنتيجة دائماً هي عدم النتيجة، والنتيجة أيضاً هي أننا لم نحسن الدين ولم نحسن السياسة. والأخطر من ذلك كله مبدأ أو هو مذهب عربي خالص، وأعني به تحريك الدين وتثبيت السياسة، بمعنى أن المبادئ والنصوص الدينية تتحرَّك وتتغير وتتبدل لصالح الثبات أو الموات أو التحجر السياسي. فنظل نهتف بشعارات سياسية ثابتة وتجاوزها الزمن ونوظف الدين لخدمتها، وبذلك أصبح الدين بحكم خدمته وخضوعه للسياسة مذاهب ومجموعات وجماعات ومنظمات فسيفسائية لا ترى حتى تحت المجهر - واختفت تماماً الاتهامات التي كانت سياسية مثل: الخيانة، والعمالة، والرجعية، والانهزامية، وبيع القضية، والمزايدة لتحل محلها اتهامات دينية بحتة، مثل: التكفير، والمروق، والردة، والزندقة، والروافض، وغير ذلك من قاموس الاتهامات الدينية الجاهزة، وكلها لافتات دينية لخلافات سياسية. وإذا استعرضت الكتابات في شتى وسائل الإعلام، وخصوصاً على ما يسمى مواقع التواصل، تصاب بالإحباط من هذه الرذيلة التي أُبتلى بها العرب، وهي إلباس السياسة ثوب الدين. فكل إمرئ يدلل على صحة توجهه وقوة حجته بنصوص دينية يلوى عنقها لتوافق رؤيته، التي لا هي دينية ولا هي سياسية. وكل من نختلف معهم من الدول أو الأفراد نطعن في دينهم، ولا نطعن في سياستهم. فالغرب كافر، والروس زنادقة، والإيرانيون مجوس كفرة، وهذه القائمة الطويلة التي تؤكد ضحالة وبلاهة الفكر العربي عموماً. على الرغم من أن كثيراً من سياسات هذه الدول لا تصمد طويلاً إذا ناقشناها بعيداً عن قائمة المصطلحات الدينية التي استهلكناها كثيراً حتى فقدت صلاحيتها. فما معنى مثلاً أن نواجه سياسة إسرائيل وممارساتها العدوانية في فلسطين بأن اليهود الكفرة أحفاد القردة والخنازير يفعلون كذا وكذا في أرضنا المحتلة. وهذا الخطاب الانفعالي الأبله الذي يرتدي ثوب الدين لا يؤتى أكله في العالم كله ولا يعبر عن موقف فكري حقيقي أو حتى موقف سياسي يمكن مناقشته والرد عليه، فنحن نخاطب أنفسنا بما يشبه المونولوج الذي لا معنى له، والذي يهدف أساساً إلى استثارة عواطفنا وانفعالاتنا، لكنه لا يستثير عقولنا أبداً - بل إنه لكثرة تكراره الممل لم يعد حتى يثير عواطفنا وانفعالنا. حتى في الحروب الأهلية الدائرة في كثير من الدول العربية، لعب العرب بالدين في ساحة القتل والتدمير - ولم تعد مشاعرنا تتحرك قيد أُنملة، ونحن نسمع جنود الفريقين المتحاربين يرددون مع كل طلقة مدفع أو صاروخ: (الله أكبر) - والأدهى من ذلك أنني شخصياً تحوَّلت مشاعري إلى النقيض وأصبحت أضحك ساخراً عندما أسمع نداء (الله أكبر) يتردد في الجبهتين المتضادتين، تسمع ذلك النداء كثيراً في الحرب الأهلية السورية، وفي ليبيا، والعراق وكل فريق يحتكر معية الله عز وجل واللعبة صارت مملة وسخيفة وغير مؤثرة، بل إنها مثيرة للسخرية والرثاء معاً. الثبات السياسي أو التصلب السياسي مع السيولة الدينية أم المشاكل في هذه الأمة، بل إن علماء الدين الذين يقال إنهم معتدلون أصبحوا ضيوفاً دائمين على برامج التوك شو السياسية لأنَّ الدين السياسي أو الملوث بالسياسة أصبح رائجاً أكثر والكلام فيه متاح لكل من هب ودب، وخصوصاً ذوي الضحالة الفكرية الذين أصبحوا (أكثر من الهم على القلب) كما يقول المثل العامي المصري. والأدهى والأمر في الأمر أنه كلما أوغلنا في الضحالة الفكرية أكثرنا حتى الملالة والسآمة من الحديث في الدين الذي نزلنا به من عليائه إلى مستنقع السياسة - والمحصلة أننا رقصنا على السلم، فلا أجدنا السياسة ولا أجدنا التدين، ولا رفعنا خسيسة، ولا أكملنا نقصية. وإن تعجب أو لا تعجب، فنحن لم نعد نعجب وقد قالت العرب: الناس بخير ما تعجبوا من العجب. ونحن العرب لسنا بخير أبداً. ومن أعجب العجب أن العرب لديهم مقدسات أو تابوهات سياسية لا يمكن تجاوزها، ومن يحاول إعادة النظر فيها يرمى بالكفر والزندقة، بينما لم تعد لدينا مقدسات دينية، فنحن نخترق النصوص ونوظفها لخدمة أغراضنا وأهوائنا، بل نسخر الدين لطلب الدنيا، كما تفعل كل الجماعات الإرهابية، وفي القلب منها «الإخوان»، وهم رواد تلويث الدين بالسياسة وطلب الدنيا بالدين. فإذا قلت إن ما يحدث في سوريا لم يعد ثورة وصار حرباً أهلية ولا بد من إعادة النظر في تعاملنا مع هذه الأزمة والتخلي عن التصلب والزعم بأن ما يحدث هو معارضة ضد نظام قمعي، قيل لك ما قاله مالك في الخمر. وإذا قلت إن أوراق اللعب في قضية فلسطين صارت مستهلكة وقديمة وبالية، وأن قضية فلسطين لم تعد القضية الأولى حتى عند الفلسطينيين أنفسهم تتلقى الاتهامات بالمروق، والزندقة، والكفر، والموالاة لليهود الكفرة أحفاد القردة والخنازير. والمشكلة أن المنطقة كلها على رمال متحركة، وأن الجامعة العربية تجاوزها الزمن، ومع ذلك نحن مصممون على الثبات السياسي واللعب بأوراق قديمة على طاولة جديدة، واتباع قواعد قديمة ومتهالكة في لعبة متغيرة وتحتاج إلى قواعد وأوراق جديدة. لهذا أصبحنا أمة الفرص الضالعة، لأننا جعلنا الدين خادماً للضحالة الفكرية والسياسية. ولا نريد أن نفهم العالم ولا العالم نجح في أن يفهمنا والمسألة لا ينبغي أن تكون تجديد الخطاب الديني، بل لا بد أن تكون إلغاء الخطاب الديني في ساحة السياسة.. لأن الدين أعظم من أن يكون ورقة لعب على الطاولة السياسية. ولأن توظيف الدين في بلاط السياسة أفقدنا الفطنة والكياسة! محمد أبوكريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©