الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلاج الأسري يرمم الشروخ العميقة التي سببها إدمان أحد أبنائها

العلاج الأسري يرمم الشروخ العميقة التي سببها إدمان أحد أبنائها
2 أكتوبر 2011 01:22
إذا كانت الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، حيث تكون بداية التربية والتعلم واكتساب السلوك من الأسرة التي ينشأ فيها الطفل قبل نضوجه واختلاطه بالمجتمع، فإن البيئة الأسرية السوية هي التي تتسم العلاقات بين أفرادها بالنضج والإشباع المتبادل هي أسرة يكون التواصل بين أعضائها صريحاً ومباشراً وواضحاً هي أسرة لديها قواعد ظاهرة وغير ظاهرة، والعنف غير مسموح به داخل بناء الأسرة وأسرة تتقبل التغيير والضغط كجزء من الحياة مع وجود أدوار تتفق مع إمكانيات الأفراد ووجود توازن أسري يتسم بأنه سوي. لا يزال هناك لغط وضبابية كبيران حول مفهوم وطبيعة وجدوى العلاج النفسي بشكل عام، فعندما نتحدث عن النفس البشرية في سياق علم النفس والطب النفسي يلقى الحديث اهتماماً وإنصاتاً وشغف المتلقي، لأن الحديث يتناول تشريحا وتفكيكا للنفس البشرية وطبيعتها، لكن إن تناول الحديث إشارة إلى المتاعب أو العلل والأمراض والاضطرابات التي تصيب النفس البشرية، فإننا سنصطدم بالمواجهة والمقاومة والإنكار، بل العزوف والرفض لأي جهد أو محاولة علاجية، وربما لا يزال إقران الألم النفسي بالسلامة والقدرة العقلية الحاجز الأهم أمام ضحايا الأمراض النفسية، بل لا يزال البعض يعتبرها وصمة عار أو علة يخجل من ذكرها. ففي الوقت الذي تؤكد فيه كثير من الدراسات أن الأسرة العربية تعاني كغيرها من الأسر في سائر المجتمعات البشرية من مشاكل سوء التوافق الزوجي، والطلاق العاطفي، والزواج العرفي وزواج المسيار، والتفكك الأسري، والإدمان، والخيانة الزوجية، والعنف الأسري، وغير ذلك من عشرات الظواهر سلوكية السلبية التي تلقي بظلالها على جوهر العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، وما يرافق ذلك من ضغوط واضطرابات وعلل نفسية عديدة، إلا أن هناك قصورا كبيرا في الاهتمام بالعلاج النفسي والأسري. العلاج الأسري ماهي حقيقة وأهمية العلاج الأسرى؟ ولماذا يكتسب هذا النوع من العلاج أهمية مضاعفة في حالة وجود شخص مدمن للمخدرات ضمن أفراد الأسرة؟ عن ذلك تقول الدكتورة هبة قطب، استشارية الطب الشرعي، والعلاقات الأسرية: «تعد البيئة الأسرية أهم عنصر فعال في التأثير المباشر والغير مباشر على شخصية الفرد واتجاهاته وسلوكه داخل المجتمع كما تساعد الفرد على تنمية وعيه واهتمامه بالبيئة وما يرتبط بها من مشكلات وإكسابه المهارات والمعارف والاتجاهات الإيجابية نحو مواجهة المشكلات القائمة وتجنب ظهور مشكلات أخرى بقدر الإمكان ومن الأمور البديهية أن أي خلل في البيئة الأسرية يؤدي إلى عجز هذه البيئة عن أداء وظائفها وتؤثر على العلاقات والتفاعلات داخل البيئة الأسرية للفرد. ولكل بيئة أسرية خصائصها التي تميزها وتجعل لها هوية تختلف عن غيرها من الأسر لكن هناك مجموعة من الخصائص والسمات عندما ا تتواجد في بيئة أسرية تجعلنا نطلق عليها مصطلح البيئة الأسرية السوية أو البيئة الأسرية المضطربة» البيئة الأسرية السوية وتضيف الدكتورة قطب: «إن البيئة الأسرية السوية تتسم العلاقات بين أفرادها بالنضج والإشباع المتبادل هي أسرة يكون التواصل بين أعضائها صريحاً ومباشراً وواضحاً هي أسرة لديها قواعد ظاهرة وغير ظاهرة والعنف غير مسموح به داخل بناء الأسرة وأسرة تتقبل التغيير والضغط كجزء من الحياة مع وجود أدوار تتفق مع إمكانيات الأفراد ووجود توازن أسري يتسم بأنه سوي، ويمكن الإشارة إلى 12 سمة رئيسية للأسرة السوية هي: أن يسمع أفراد الأسرة بعضهم البعض، ويتواصلوا فيما بينهم ويشجعوا ويساندوا ويحترموا، ويثقوا ببعضهم البعض، وهم قادرون على اللعب والفكاهة معاً، ويشتركون معاً في المسؤولية، ويعلمون بوضوح الفرق بين الخطأ والصواب، ولديهم عادات وتقاليد أسرية محترمة، ولهم انتماء ديني وحياة روحية مشتركة، ويحترمون الخصوصية، ويقدرون قيمة خدمة الآخرين، ويعترفون باحتياجهم للمساعدة ويطلبونها». وتكمل الدكتورة قطب: « إن هذه السمات تظهر من خلال العلاقات الإيجابية بين أعضائها والإشباع للحاجات اللازمة لأعضائها، وقدرتهم على تحمل المسؤولية ووضوح القواعد وأهمية وجود قوانين للصواب والخطأ ضمن قواعد العلاقات الأسرية وحدودها، وكل ذلك يتم من خلال قنوات اتصال جيدة وحدود يضعها قاضيا البيئة الأسرية الأب والأم بمشاركة بقية أعضاء الأسرة من الأبناء ويستمدها من خلال ثقافة المجتمع والتنشئة الدينية وفي حالة إغلاق قنوات الاتصال بالبيئة الأسرية وغياب الحدود والقواعد داخلها يلجأ عضو الأسرة إلى مكان آخر خارج البيئة الأسرية ليجد فيه البديل الذي افتقده في بيئته الأسرية». وحدة العمل تؤكد الدكتورة قطب:»إن العلاج الأسري يركز كما يبدو من اسمه على الأسرة باعتبارها وحدة العمل العلاجي وليس الفرد. بمعنى أن المعالج أو المرشد يتعامل مع الأسرة كنسق كلي، والتصور الأساسي الذي يقوم عليه هذا النوع من العلاج هو أنه أكثر منطقية وأكثر نجاحا واقتصادية من أن نتعامل مع كل الأفراد المشتركين كل على حدة، وتتمثل مهمة المرشد أو المعالج في هذه الطريقة العمل على تغيير العلاقات بين أفراد الأسرة المضطربة بحيث يختفي السلوك المضطرب أو المستهدف بالعلاج، ومحاولة إعادتها إلى ما كانت عليه، حيث يهدف العلاج الأسري إلى إعادة توثيق العلاقات بين أفراد الأسرة وتحقيق توافق أفضل لكل الأفراد في الأسرة بما في ذلك المريض أو المسترشد المقصود أصلا بالعلاج أو الإرشاد». أسرة المدمن توضح الدكتورة قطب أهمية العلاج الأسري للأسر التي يُبتلى أحد أعضائها بإدمان المخدرات على وجه خاص، وتقول:» إن مشكلة الإدمان ظاهرة شديدة الخصوصية، وتقترن بتعارضها ومساسها مع القيم الدينية والروحية والاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، ومن ثمَّ ترتبط بالعار والجريمة في الأذهان، فالدراسات التي أجريت على أسر المدمنين تشير إلى أن حياة هذه الأسر يصيبها اضطراب لنظام الحياة اليومي بتأثير سلوكيات المدمن، ووجود دفاعات قوية داخل الأسرة تتمثل في الإنكار والتبرير، الأمر الذي يجعل الأسرة ترى أن مشكلة المدمن تكمن في عوامل خارجية عنه، مثل تأثير الأصدقاء ومتاعب العمل، أومشاكله مع زوجته، فضلاً عن جهل الأسرة بسلوكيات المدمن، وفشلها في السيطرة على المريض، والتعامل معه على أنه شخص كاذب ومخادع لأنه أخلف وعده لهم بالتوقف عن التعاطي مع أنهم قدموا له الكثي ، وتلك الحالة تسبب مشاعر الضيق والإحباط، كذلك وجود ما يعرف «بالتمكين» الذي يتمثل في حماية المدمن من نتائج سلوكه الإدماني، ويرجع ذلك في الغالب إلى اعتبارات عائلية تتعلق بمكانة الأسرة وسمعتها، أو تقديم الأسرة مساعدات وإمكانيات مادية للمدمن بهدف إرضاءه وجعله يتوقف عن تعاطي المخدر، بينما هو يستخدم تلك المساعدات والإمكانيات في تعاطيه، فيصبح التمكين سلوكا تدعيميا». الاتجاهات السلبية تكمل الدكتورة قطب :»غالباً ما تظهر الاتجاهات العدائية تجاه المدمن في كثير من الأسر مع ما يصاحب ذلك من مشاعر الإحساس بالذنب ومشاعر ضعف صورة الذات، ووجود اضطرابات مزاجية وحالات من القلق والاكتئاب، ونمو المشاعر المتناقضة وتتمثل في الغضب والخجل والفشل والانسحاب من العلاقات الاجتماعية والعزلة عن الأقارب والجيران، والحذر والشكوك، والاضطراب المعرفي، ووجود أعراض بدنية نفسية وأمراض أخرى مثل القولون والصداع النصفي». البرنامج العلاجي يوضح الدكتور عطية:» إن برنامج العلاج الأسري لمرضى الإدمان يركز على إشراك العائلة في كافة جوانب الخطة العلاجية التي يضعها الفريق العلاجي في أي مؤسسة علاجية متخصصة، للتأكيد على أهمية الدعم الأسري للمريض، والسعي نحو علاج وإزالة الاضطرابات الأسرية المسببة للإدمان أو المصاحبة له، إلى جانب تثقيف أفراد الأسرة على كيفية التعامل مع ابنهم مريض الإدمان، وكيفية التعامل والتفاعل مع المخلفات السلبية التي سببها الإدمان كأعراض طبيعية له، وإشراك الأسرة وتبصير أفرادها في كيفية دعم المريض لتجنب أسباب الانتكاسة، فبلا شك أن الحاجة ماسة لتعديل البيئة الأسرية للاهتمام بالمريض من خلال اشتراك أعضاء أسرته في العلاج فالمرشد أو المعالج النفسي دائم الاستعانة بأعضاء الأسرة أثناء خطوات العلاج النفسي للعميل وخاصة مع المرضى النفسيين ومدمني المخدرات بغرض الحصول على بيانات أو معلومات أو من خلال العلاج البيئي الذي يتم داخل البيئة المنزلية لتعديل اتجاهات ومعتقدات وردود أفعال الأسرة تجاه العميل ومختلف أعضاء أسرته داخل النسق الأسري. فالبيئة الأسرية تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في أحداث مشكلة العميل وتلعب البيئة الأسرية دوراً أساسياً في تكوين اتجاهات ومعتقدات العميل سواء بالسلب أو الإيجاب.لذلك برزت مجموعة من المبررات والصلاحيات التي تؤيد العلاج الأسري وأهمية التعامل مع البيئة الأسرية». البيئة الأسرية المضطربة ترى الدكتورة هبة قطب أن أعضاء البيئة الأسرية المضطربة عادة ما يقللون وينتقدون ويعيرون بعضهم البعض، ولا يوفون بوعودهم، ولا يعبرون عن مشاعرهم. وهم عادة يبالغون في التعبير عن مشاعرهم، ويقللون من قيمة النجاح ويشمتون في الفشل، ويحتفظون بكثير من الأسرار، ويسيئون لبعضهم البعض نفسياً وجسدياً وجنسياً، ويشعرون بعضهم البعض بالذنب، ويخيفون ويهددون بعضهم بعضاً، ويتصرفون بطريقة الأمر دون شرح أو تبرير. والبيئة الأسرية المضطربة تنشغل بالحصول على المال وتفتقد الوازع الخلقي والديني بداخلها، ويكثر بها الصراعات والمشاجرات، ويكثر بها الإدمان بين أعضائها في أشكال متنوعة مثل إدمان طعام، إدمان حب، إدمان جنس، إدمان عمل، إدمان مخدرات وغيرها من السلوكيات السلبية.وأفرادها لديهم معتقدات غير عقلانية تتحكم في مشاعر وسلوكيات أعضائها في الاتجاه السالب، وليس لديها القدرة على مواجهة وحل المشاكل التي تواجه أعضائها بأسلوب منطقي يتضمن أكثر من بديل، وتفتقد التعبير عن المشاعر الإيجابية أو السلبية بصراحة وبطريقة مقبولة، وهي عاجزة عن إشباع احتياجات أعضائها سواء النفسية أو الجسمية أو الجنسية أو الروحية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©