الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

محطة «خيماسولار» نموذج مثالي لتوفير الطاقة الشمسية

محطة «خيماسولار» نموذج مثالي لتوفير الطاقة الشمسية
2 أكتوبر 2011 00:47
على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة في العديد من المناطق حول العالم، يواصل المجتمع الدولي التزامه بإيجاد السبل الكفيلة بتنويع مصادر الطاقة وجعل الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة بديلاً مجدياً ومكملاً للوقود التقليدي (الأحفوري). ولتحقيق هذا الهدف، علينا مواجهة مجموعة من التحديات التي تقع ضمن ثلاث مجالات، أولها التكنولوجيا، ولذلك لابد من التساؤل “هل نمتلك الأنظمة والمواد اللازمة لتسخير الطاقة اللامتناهية التي تأتينا من الشمس والرياح والأمواج بشكل فعال وتوزيعها من أجل استخدامها في البيوت والمكاتب والمراكز التجارية والمصانع؟”. أما التحدي الثاني فهو التكلفة، إذ إن الأبحاث والتطوير في مجال التكنولوجيا الجديدة والمتطورة هي أمرٌ مكلف جداً وينطوي على قدر كبير من المخاطرة، فالابتكارات الجديدة تتطلب سنوات من العمل الدؤوب من قبل علماء ومهندسين من أصحاب الكفاءة العالية في مختبرات ومراكز أبحاث متقدمة لكي يكتمل تطويرها وتصبح جاهزة للطرح في الأسواق، وحتى حينها ليس من ضمانٍ لنجاحها في السوق. إضافة إلى ذلك، تواجه التقنيات الحديثة للطاقة المتجددة التحدي المتمثل في أن السوق لا تزال محدودة للغاية، حيث أن الطاقة المتجددة تمثل 20% فقط من سوق الطاقة على نطاق عالمي، ويعد الجزء الأكبر منها متعلقاً بالطاقة الكهرومائية (hydropower). فالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي وسلاسل التوريد المرتبطة بكل منها، تواجه جميعها تحدي صغر حجم السوق بالمقارنة مع مختلف أنواع الوقود التقليدي (الهيدروكربوني)، ناهيك عن العوائق الكبيرة المتعلقة بالاستثمار لتطوير البُنى التحتية في الأسواق. أما النقطة الأخيرة والأساسية في هذا المجال فهي السياسات، إذ إن المجتمع الدولي يعترف ويلتزم بالعمل على إيجاد حلول لظاهرة الاحتباس الحراري، واستنزاف الموارد، وأمن الطاقة. بيد أن التحدي يكمن في إيجاد أفضل السبل لاستخدام أدوات السياسات، مثل الحوافز والضرائب والتشريعات والقوانين، من أجل تطوير التكنولوجيا وبناء السوق والحد من التأثيرات السلبية. إنه نقاشٌ واسع ومعقد، وقد يستغرق في الواقع سنوات لإيجاد حلول له، غير أنني على قناعة بوجود عدد من العوامل المساعدة الهامة التي يجب تحقيقها، وإن تمكنّا من ذلك، فإننا سننجح. ومن أهم هذه العوامل المساعدة هو القدرة على تخزين الطاقة، ففي الماضي، لم يكن ذلك يشكل أي صعوبة. غير أن القضية الرئيسية في معظم مصادر الطاقة المتجددة هي أنه في حين أنها قادرة على توليد كميات هائلة من الكهرباء، إلا إنها مصادر غير متوفرة على مدار الساعة نظراً لارتباطها بالعوامل الطبيعية مثل الجغرافيا والمناخ. لكن الطلب على الطاقة في المجتمعات الحديثة في تزايد مستمر، لذا لا يمكن للمصادر المتقطعة أن تلبي الطلب، فطاقتنا يجب أن تكون مستمرة طوال الوقت. ومن هنا، فإن الحل الوحيد هو إيجاد وسيلة لتخزين الطاقة المتولدة من الشمس مثلاً أثناء النهار، ثم استخدامها لتغذية المنازل وإنارة الشوارع وتشغيل خطوط الإنتاج أثناء الليل. لقد استخدمنا البطاريات لنحو مائتي عام، لكن وصول الشبكات الكهربائية في نهاية القرن التاسع عشر تسبب في تناقص الحاجة لتطوير تكنولوجيا البطاريات، على الأقل على مستوى المرافق العامة أو الصناعية. ونتيجة لذلك، بالكاد تستطيع بطاريات اليوم تشغيل سيارة بما يتطلبه الاستخدام العادي، ناهيك عن تخزين ما يكفي من الطاقة لتغذية حيٍّ أو منطقة بأكملها خلال الليل. ذاك هو التحدي الذي وصفه بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، بأنه “مشكلة عويصة” تفوق أهميتها مئة مرة أي تحدّ آخر يتعلق بالبطاريات اليوم. غير أن الخبر السارّ هو أن البحث عن حل قد حقق خطوات كبيرة إلى الأمام في الأشهر الأخيرة. وللمرة الأولى في التاريخ، ثمة محطة للطاقة الشمسية، باستطاعتها إنتاج الكهرباء على مدار 24 ساعة في اليوم، هي “خيماسولار” في إسبانيا. إنه فعلاً إنجاز استثنائي من شأنه أن يغير كل شيء. وخيماسولار هي نتيجة مشروع مشترك بين “مصدر”، مبادرة أبوظبي للطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، و”سينير”، شركة الهندسة والإنشاءات الإسبانية الرائدة. وتغلب هذا المشروع على مشكلة تخزين الطاقة الكهربائية من خلال الدمج بين نوعين أساسيين من التكنولوجيا، أولهما هو حقل بمساحة 185 هكتاراً من المرايا التي تجمع أشعة الشمس في نقطة واحدة فوق برج بارتفاع 140 متراً في مركز الحقل، والثانية هي نظام يضخ الملح المذاب إلى البرج لامتصاص الحرارة المجمعة في الأعلى، ومن ثم يحرر هذا الملح، الذي يخزن في أحواض ضخمة على الأرض ومتصلة بعنفة توليد تعمل بالبخار، الحرارة التي اختزنها مع الوقت، وبشكل عملي، يعد ذلك الملح بطارية تعمل لمدة 15 ساعة. باشرت محطة خيماسولار العمل منذ يونيو وبدأت بالفعل بإنتاج الكهرباء بشكل متواصل طوال ساعات اليوم، وستقوم في نهاية المطاف بتقديم الكهرباء لنحو 25 ألف منزل في منطقة الأندلس في إسبانيا، ومن المتوقع أن يؤدي المشروع إلى تفادي إطلاق أكثر من 30 ألف طن من انبعاثات غاز الكربون كل عام. لقد شكلت خيماسولار الاستثمار الأمثل في الوقت المناسب، فقد أثبتت أن الطاقة الشمسية هي خيار واقعي وموثوق لتوليد الطاقة، ويمكنها أن تنضم إلى مزيج متنوع من المصادر يشمل الوقود التقليدي والطاقة النووية. وبعد امتلاك التكنولوجيا الفعالة، ماذا عن السياسات والتكلفة؟ ذلك ما يجب أن تركز عليه الدول والشركات حول العالم، فثمة فرصة متاحة الآن وعلينا جميعاً أن نغتنمها على أفضل وجه. فيما يتعلق بالسياسة، يجب على الدول التي تتمتع بمساحات واسعة وكميات كبيرة من الإشعاع الشمسي مثل إسبانيا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وأجزاء شاسعة من إفريقيا - وبالطبع الإمارات - اتخاذ التدابير اللازمة لدعم تطبيق هذه النظم على نطاق أوسع. وكما كان الأمر عليه بالنسبة لدعم تطوير الوقود الهجين في الكثير من البلدان، هناك حاجة للتمويل الحكومي لتعزيز الأبحاث والتطوير والتركيز على هذه التكنولوجيا الحديثة وذلك للدفع قدماً بالابتكارات التطبيقية التي من شأنها تحسين الكفاءة وخفض التكاليف. ومن الضروري أيضاً وضع حوافز للسوق مثل دعم تعريفات الأسعار والالتزام باستخدام الطاقة المتجددة، وذلك لدعم ونشر استخدام تقنية الملح المصهور على نطاق أوسع. كما ينبغي أن يتم تطوير بيئة ملائمة للاستثمار من شأنها تشجيع التمويل الضروري لهذه المشاريع الضخمة في الأوضاع الاقتصادية الحالية. وفي ضوء هذه الظروف، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن خيماسولار تسهم في توفير العديد من فرص العمل في قطاع جديد ومتخصص، وبالتالي، هناك الكثير من الفوائد المهمة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي لإنشاء مزيد من المشاريع المشابهة في مختلف المناطق حول العالم. أما بالنسبة للتكاليف، فقد كانت خيماسولار النموذج الأول من نوعه، وقد تطلبت استثمارات كبيرة لم يكن بالإمكان تجنبها. وفي سوق لا يوجد فيها غيرها، كان موردو المكونات المطلوبة محدودين، كالملح، والمُستقبلات، والمضخّات، ونحن بحاجة للمزيد من المشاريع من هذا النوع من أجل دفع عمليات إنتاج المعدات اللازمة بكميات كبيرة، وإلى ما هنالك من وسائل خفض التكاليف. وينبغي إجراء تحسينات إضافية للمعادلة التجارية من خلال الدراسات العديدة التي تُجرى حالياً لتحسين تصميم مرافق التخزين، وزيادة عائدات التوليد من خلال وضع أبراج متعددة. وينبغي دعم تلك الدراسات وتسريعها مع التركيز على تخفيض التكاليف بشكل أساسي. إنه لمن دواعي الفخر أن تكون أبوظبي قد لعبت دوراً قيادياً على المستوى العالمي في تطوير منشأة للطاقة الشمسية بمثل هذه الأهمية. إن خيماسولار هي مثال ساطع حقاً. ولكن إذا كنا وإسبانيا قد قدنا الطريق، فإن على الآخرين الآن أن يحذوا حذونا لكي نضمن بأن هذا النموذج المبتكر في إنتاج الطاقة من الشمس على مدار الساعة سينتشر بسرعة في جميع أرجاء العالم. بقلم الدكتور سلطان أحمد الجابر الرئيس التنفيذي لـ «مصدر»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©