الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوكرانيا بين الأزمة المالية والنقمة السياسية

أوكرانيا بين الأزمة المالية والنقمة السياسية
9 مارس 2009 01:58
قبل خمس سنوات تجاهل مئات الآلاف من الأوكرانيين برودة الشتاء الشديدة هنا للمشاركة في المظاهرات الشعبية العارمة التي شهدتها الساحة الكبرى بعاصمة أوكرانيا كييف، اقتناعاً منهم بأن في وسع ''ثورة البرتقال'' التي خاضوها أن تأتي بديمقراطية نموذجية في هذه الجمهورية السوفييتية السابقة· أما اليوم فقد أصبحت اهتماماتهم أكثر تواضعاً وأقل مثالية بكثير· ففي شارع ''أرتيما'' وأمام مبنى أحد البنوك المنكوبة مالياً في العاصمة، تجمع 70 من المحتجين خلال الأسبوع الجاري للتعبير عن غضبهم مما حدث لأرصدتهم ومدخراتهم الشخصية والعائلية· فقد أبلغ معظم عملاء البنك أنه لن يكون في مقدورهم التصرف بأموالهم وأرصدتهم المودعة لديه قبل مضي 6 أشهر· وليس هذا الإجراء خاصاً بعملاء البنك المشار إليه وحده، وإنما شمل عملاء عدة بنوك أخرى، وهو ما يدفعهم الآن للتظاهر والاحتجاج في أنحاء شتى من العاصمة· وشيئاً فشيئاً لم يعد سكان المدينة يثقون بالبنوك، ولا بنظم الرقابة المالية، ولا بالاقتصاد، ولا بالعملة الوطنية· وطبعاً أصبح آخر من يثقون به هو الساسة والحكومة إجمالاً· أما الرئيس فيكتور يوشينكو، الذي قادت شعاراته أصلا مد ''الثورة البرتقالية''، فقد انخفضت شعبيته إلى ما دون نسبة 3 في المئة· ذلك أن أوكرانيا تعد من أكثر دول أوروبا تأثراً بالأزمة المالية العالمية، على رغم كونها الدولة الأوروبية الثانية من حيث المساحة، والسادسة من حيث الكثافة السكانية· وحتى شهر سبتمبر من العام الماضي، كانت أوكرانيا من أسرع الاقتصادات نمواً، إذ واصل اقتصادها نمواً منتظماً بمعدل يفوق نسبة 7 في المئة سنوياً خلال السنوات الثماني الأخيرة· ولكن بدأ سقف ذلك الاقتصاد المزدهر بالانهيار فجأة جراء تداعيات الأزمة المالية الحالية· فبسببها جفت منابع القروض الأجنبية وانهارت البنوك، وعمت إجراءات تشريد الموظفين والعاملين من كافة المؤسسات· وبينما لا تزال حكومة يوشينكو الموالية للغرب تطمح في الانضمام إلى عضوية حلف ''الناتو'' والاتحاد الأوروبي، إلا أن بعض المراقبين بدأوا يرجحون قرب انهيار هذه الدولة التي طالما نظر إليها يوماً ما على أنها تمثل أنموذجاً لإنعاش دول أوروبا الشرقية وصعودها مجدداً· ''ففيما لو انهار النظام المصرفي هنا، وهذا هو الاحتمال الأرجح، فلن يكون في وسعنا إنتاج شيء· وفي حال توقف الإنتاج كلياً، فسيشبه الوضع هنا كثيراً ما كانت عليه الاضطرابات الاقتصادية التي شهدتها بدايات تسعينيات القرن الماضي''· هذا ما قاله ألكساندر دوبنسكي، رئيس مراسلي صحيفة ''إزفستيا'' الاقتصادية· ولذا لم يكن مفاجئاً في صباح شتوي قارس في شارع ''أرتيما''، أن يهتف عملاء البنك المذكور المفجوعون في مدخراتهم ضد يوشينكو وعدد آخر من القيادات السياسية، في إطار احتجاجهم على نكبتهم المالية· وبين هؤلاء شكت مديرة مكتب سابقة، خسرت وظيفتها قبل أربعة أشهر، من أن ابنتها مريضة في المستشفى وأنها بحاجة ماسة إلى المال لدفع تكاليف علاجها: ''فليس لي مصدر دخل آخر سوى أرصدتي المجمدة في البنك، طالما أنه يتعذر علي الحصول على وظيفة بديلة في الوقت الحالي''· وذكر أيضاً مهندس بين العملاء، أنه ليس في وسعه الذهاب إلى العمل، لأن الشركة التي يعمل فيها لم تسدد ما عليها من فواتير كهرباء وإنترنت· بل إن أحد العملاء الآخرين قال إنه في أشد الحاجة للمال لدفع تكاليف إجراء العملية الجراحية التي تحتاجها زوجته··· مردداً بحرقة: ماذا لو توفيت بسبب عجزي عن توفير المال اللازم لعلاجها؟ ويلاحظ أن معظم عملاء البنك المحتجين هم من متوسطي العمر، وتبدو على مظهرهم العام الدماثة واللياقة وسعة الحال المؤذنة الآن بالذهاب إلى غير رجعة· كما يلاحظ أن عدداً مقدراً منهم من أصحاب المعاشات· وكان بعضهم يتأبط ملفات ضخمة من الرسائل التي بعثوا بها إلى مسؤولي البنك والجهاز المالي الرقابي، دون أن يكلف أحدهم حتى عناء الرد عليها· وفي هذه الأجواء المشحونة جرى بين المحتجين حوار عن ممارسات فساد محتمل من قبل المسؤولين والقادة السياسيين في البلاد، وخاصة أنهم يخوضون معارك طاحنة بينهم حول السلطة والمناصب الحكومية· ''فهؤلاء لا يهمهم شيء حتى وإن سرقوا ثروة البلاد كلها''· بذلك التعليق تدخل فجأة المهندس فاشيسلاف كاربينكو، الذي فقد وظيفته للتو، ليقطع بكلامه قول كل خطيب· وكان يقف متسمِّراً أمام عتبات البنك ويحث جموع العملاء المحتجين على الصراخ بالهتافات الغاضبة، عسى أن يسمعوا أصواتهم للمسؤولين داخل البنك· وقال البعض إن أملهم الوحيد الآن هو في المساعدات المالية الطارئة التي ربما يقدمها كل من صندوق النقد والبنك الدوليين لبلادهم· ولكن المشكلة: هل تجد تلك المساعدات طريقها، في النهاية، إلى بنوك شارع ''أرتيما''؟ هذا هو السؤال الذي أكد معناه بطريقة غير مباشرة ''مارتن ريزر'' مدير برامج البنك الدولي في أوكرانيا بقوله: ''إنني أستطيع تفهم مشاعر الغضب هذه بين الأكرانيين· ولكن المشكلة الرئيسية التي تواجهنا في تنفيذ برامج البنك، هي ضعف ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية''· إلى ذلك قال ''إيفان لوزوي''، رئيس ''معهد الحكم والديمقراطية'' في العاصمة كييف: إن البنوك لم تخفق أبداً في توظيف المساعدات النقدية التي تلقتها من الحكومة في مساعدة عملائها والتخفيف من وطأة الضيق المالي الذي يعانونه فحسب، وإنما أهدرت أيضاً تلك المساعدات في شراء الدولارات· وقد دفع ذلك الإجراء بالعملة الوطنية الأوكرانية إلى الهاوية· والنتيجة هي انهيار ثقة المواطنين في عملتهم الـ''هرايفنيا'' حيث لم يعودوا يرغبون في امتلاء جيوبهم منها· ففي شهر مايو المنصرم، كان الدولار الأميركي الواحد يباع مقابل خمسة ''هرايفنيا''· والخطير في أمر هذا التدهور السريع والمذهل لقيمة العملة الوطنية الأوكرانية، أن سعر الدولار الواحد قد بلغ ما يعادل نحو 10 ''هرايفنيا'' خلال الأسابيع الأخيرة الماضية· يضاف إلى ذلك أن معظم قروض العملاء محسوبة بالدولار وليس بالعملة المحلية· وهذا يعني كذلك خسارتهم للمزيد من دخلهم شهرياً، لمقابلة الارتفاع المستمر لسعر الدولار قياساً إلى انخفاض قيمة العملة المحلية· جون بانكيك - أوكرانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©