حب في الخريف

سألتني: هل من حقي أن أحب؟·· هل يحق لشجرة تتساقط أوراقها في خريف العمر أن تحلم بمن يتعهدها ويروي ظمأها، أم أن عليها أن تستسلم لحقيقة أن الأغصان الجرداء لا تغري أحداً كي يستظل بها؟·· وقبل أن تجب هل تسمح لي بأن أطرح عليك بعضاً من أسرار حياتي؟· أمس يا سيدي اكتشفت بأنني بدأت العام الستين من العمر·· ذكرتني بذلك مكالمات من أبنائي تهنئني باليوم الوحيد الذي لا أتمنى ان يهنئني به أحد، بالمناسبة عندي ثلاثة أبناء تزوجوا جميعاً وسافروا بعيداً في الشرق والغرب، ولم يعد يربطهم بي ولا يربطني بهم سوى مكالمات هاتفية مقتضبة غالباً، شكلية دائماً·· أما الزوج فقد سئم ''الوعاء القديم'' وركن إلى آخر جديد، تزوج فتاة في عمر أحفاده واختفى من حياتي بعد أن أرسل لي ورقة تحريري من رفقته التي أذاقني فيها صنوفاً من المعاناة· أثقلت عليك، قالت، ولكني بعد كل هذا العمر أشعر بحيرة وقلق وخوف، أصبحت ستينية ولا فخر، أتجرع مرارة الوحدة، وأحلم بصوت يؤنس وحشتي، غير الصوت الصادر عن أجهزة التليفزيون، والذي احتمي به من الصمت المطبق والفراغ·· هل من حقي وأنا في هذه السن أن أحب، أن أبحث عن من يكمل معي مشوار الحياة ويعوضني عن بعض مما فقدت؟· قلت لمحدثتي: المشاعر الإنسانية لا تعرف الهِرم، لا تتقادم بمرور الزمن، القلب يا سيدتي لا يتوقف عن الخفقان طالما دفء الحياة يجري في عروقنا، وخفقان القلب حب ومشاعر نبيلة أصيلة جميلة· قلت لها: خريف العمر اكذوبة شرقية وربما عربية، الحياة عندنا ربيع وخريف، صيف وشتاء، نحسب العمر بالسنين التي عبرناها وليست التي عشناها· في الغرب يعتبرون دخول العقد الستيني أو السبعيني بداية الحياة الحقيقية، بداية العمر الفعلية، مرحلة التخفف من المسؤوليات، والتفرغ للاهتمام بالذات، والاستمتاع بالحياة بعيداً عن الضغوط، في الغرب نجد سبعينيين يطوفون بلاد العالم ليشاهدوا أماكن ويتعرفوا على ثقافات ويكتسبوا خبرات ويستمتعوا بفنون· قلت لها: من حقنا أن نحب حتى آخر العمر، لأن الحب حياة· صلاح الحفناوي