الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طلاق في ليلة الزفاف

طلاق في ليلة الزفاف
17 أكتوبر 2014 00:35
نورا محمد(القاهرة) تقدم المهندس «منتصر» لخطبة الفتاة الجميلة، ولم يعرف أنها تحمل لقب «هيفاء الحسناء» فالأول اسمها والثاني لقبوها به لجمالها الفائق، لم يكن يعرفها من قبل، فهو يعمل في الخارج. وعاد ليختار عروسا من بلده تعرف عاداته وتقاليده وطباعه، رشحوها له وقد كان في عجلة من أمره، حيث إن مدة إجازته محدودة، أيام عدة يجب عليه أن يحسم خلالها الكثير من الأمور، أهمها أنه يختار العروس، وها هي المهمة الأولى قد تم إنجازها، وربما كانت هذه هي أصعب المهام. أول هدية لم يكن الاختيار هو آخر المطاف ولا نهاية مشكلته، بل إنه مازال ينتظر حتى يتلقى الرد من أسرة العروس، فكل ما قاله له أبوها إنه موافق ويكفي أنه «يشتري رجلا» لابنته، فالمهم أن تكون سعيدة مع زوج يصونها ويحافظ عليها، لكن لم يتلق الرد النهائي، إذ طلب منه الرجل مهلة إلى أن يأخذ رأي العروس صاحبة الشأن لكن الرد تأخر بلا داع، وبدأ يظن أن طلبه قد تم رفضه، وفي نفس الوقت لا يحب أن يعود إليه مرة أخرى حتى لا يبدو في نظرهم صغيرا، ويعتقد أن الأمر لا يحتاج سوى كلمة واحدة بالرفض أو القبول، وكادت مهمته كلها أن تفشل ويعود بخفيّ حنين ويؤجل الموضوع إلى مرة قادمة أو يترك الاختيار لأسرته ويكون التواصل بينهم عن طريق الإنترنت والصور والمراسلات، لكن قبل أن يغادر بيوم واحد تلقى اتصالا من والد الفتاة يخبره أنها وافقت ويمكن الآن التوافق على ما هو آت. في اليوم الثاني توجه منتصر إلى بيت العروس وهم يعرفون مسبقا حضوره بناء على اتصال وموعد محدد، حمل الهدايا من حلوى وفواكه ولحوم وغيرها مما يتم إهداؤه في مثل هذه المناسبات وبكميات كبيرة تليق بالعروس وبه هو أيضا، لكن لم ينس أن يخصها بهدية قيمة من الذهب اشتراها منذ فترة لتكون الهدية الأولى للعروس قبل أن يعرف من تكون، استبق الأحداث وقد كان محقا فهو لا وقت لديه هنا للشراء والتفكير لا بد وأن يكون جاهزا بأول هدية، خاصة وانه يريد أن يوجد ارتباطا روحيا ومعنويا معها لأنه لا يعرفها، ولأنه أيضا سيتركها ويغادر إلى أن يتم الزواج، لكن المفاجأة التي صدمته انه بعد وصوله جاءته أمها بكأس من الشربات لزوم الفرح والمناسبة، ثم بعد حوالي ربع الساعة من قدومه سألته إن كان يريد شايا أم قهوة فطلب فنجان قهوة بسكر متوسط. وفي الحقيقة لم يكن يريد أن يشرب شيئا ولكنه فعل ذلك ليصبر ويتسلى بشيء إلى أن تحضر العروس لتسلم عليه وليقدم لها الهدية في أول لقاء لهما بعد الموافقة، ودخول الأحوال إلى الشكل الرسمي. تأخر الحضور المفاجأة أنه طال الوقت ولم تأته العروس وهو يتوقع إما أن تكون في حالة من الخجل وإما أن تكون تتزين لتبدو في عينيه أكثر جمالا، وتسرب القلق إلى نفسه فمن المعتاد أن تأتي العروس إلى العريس بعد عدة دقائق من وصوله وهي تحمل إليه كأس الشربات بنفسها تعبيرا عن القبول، ورغم ذلك فإن التي جاءت به هي أمها وتقبل التصرف باعتبار أنه إجراء شكلي وليس شرطا ولا ضرورة، في حين كان والد الفتاة ينتقل به من موضوع إلى آخر في المناقشات، من السياسة إلى الرياضة ومن الحياة إلى المستقبل ومن الفن والموسيقى إلى الأحداث الجارية، كلام في كل شيء وأي شيء لمجرد التسلية وتضييع الوقت، كل منهما يبتعد عن المشكلة لا يريد أن يحلق حولها، فهو يود لو سأل عنها لكنه لم يستطع فالسؤال نفسه غريب ولا يجب أن يتم طرحه ومن البديهي أن تأتي له وتبادله التحية والسلام، والأب هو الآخر يتمنى لو قام الشاب مغادرا لينتهي الموقف ولا يخبره بأن العروس ليست في انتظاره، كما يبدو أنها انشغلت بما هو أكثر أهمية منه ومن لقائه. وأخيرا بعد اكثر من ساعة ونصف الساعة جاءت الفتاة، لكن من خارج البيت فظهر للعريس أنها لم تكن موجودة أصلا ولم تكن في انتظاره، دق قلبه ولم يعرف ماذا يقول، لكنها انتشلت أباها من الحيرة التي كان فيها، ورغم حضورها متأخرة لم تعتذر عن التأخير بل لم تفتح لذلك بابا، لم يجد العريس على وجهها أية مظاهر للفرح ولا حتى للحزن لم يكن قادرا على الحكم إن كانت موافقة أو رافضة، غير أن عدم المعرفة المسبقة بينهما جعلته لا يهتم بهذا الحدث الذي رآه عارضا وحاول أن يختلق له المبررات، وأخيرا قدم الهدية للعروس التي قبلتها بلا كلام وفي صمت مطبق وبلا حتى كلمة شكر، فاعتبر ذلك أيضا نوعا من الحياء، ووعد بأنه سيأتي في إجازة بعد ستة أشهر لإتمام الزواج، وهذه الفترة فقط لإنجاز صباغة الشقة وإعادة تجديد الديكور، وشراء الأثاث وكل مستلزمات الزواج. لم الشمل غادر «منتصر» منتصرا لم يصدق نفسه أنه فاز بها، فهي فعلا نموذج للجمال والأناقة، حتى انه هو نفسه أطلق عليها لقب «جميلة الجميلات» فوق لقب هيفاء الحسناء، ربما يشعر بالندم انه لم يكن جاهزا ومستعدا الآن لإتمام الزواج خلال ِشهر أو أيام قليلة، فكيف له أن يحتمل كل هذه الشهور الستة إلى أن يلتئم الشمل، سافر وترك قلبه عندها لكنه لم يستطع أن يأخذ قلبها معه، أو بالأحرى لم يعرف حقيقة مشاعرها نحوه، لم يسعفه الوقت القصير ليصل إلى ذلك، ورأى أيضا انه من الطبيعي أن يعرفها منذ بضعة أيام فليس بالضرورة أن تبادله نفس الشعور قبل أن تعرف عنه الكثير، وقد كان مسرفا في اتصالاته بأنسبائه خاصة العروس التي كانت قليلة الكلام وفي الغالب لا ترد على اتصالاته، وهو مازال يعتبر ذلك طبيعيا لأنها قد تكون خجولة ولأنها لم تعتد عليه بعد وقريبا سوف تتبدد الغيوم وعندما يكونان في بيت واحد تزول التحفظات والمخاوف العادية ويتم الأنس والتآلف، فهي حتى عندما يسألها إن كانت تريد أي شيء فلا تجبه وتكتفي بتوجيه الشكر له. ومرت الأيام طويلة عليه ولكنها أخيرا انتهت، عاد ليحدد موعد الزفاف، وقد تكرر الموقف السابق عند زيارته الأولى لهم بعد عودته، لم تأت العروس لتستقبله، غير أن أمها هذه المرة استدركت ولم تجعل ما حدث من قبل يصعد إلى ذاكرته وأخبرته أن العروس خارج البيت لأنها مشغولة في الاستعدادات وتجهيز احتياجاتها، فلم يساوره شك في أي شيء غير ذلك، ورغم أنه لم يتمكن من رؤيتها إلا بعد عدة أيام من وصوله وهو الذي كان يتوق لهذا اللقاء، مازالت عند غموضها لا تبدو عليها أي مشاعر لا بالفرح ولا بالحزن كما اعتاد منها، حتى أثناء الاحتفال بالزفاف وحضور المعازيم كانت ملامحها جامدة، ولولا أنها فتاة متعلمة وشخصيتها قوية لقال إنها مجبرة على هذا الزواج، كثيرون من الحضور خاصة الذين يعرفونها لاحظوا ذلك عليها، لكن في يوم العرس لا يمكن الحكم على العروس بشكل طبيعي لأنها في موقف مختلف بين الخوف والفرحة والتوجس والانتظار لما هو آت من الأيام مع رجل لا تعرف عنه شيئا. غش وخداع عندما اختلى العريس بعروسه في عشهما الهادئ، مازالت على نفس أسلوبها وفشل في تغييرها وقد حاول كثيرا أن يبث الطمأنينة في نفسها ويثبت لها أنه شخص ودود وديع وستكون سعيدة معه، حاول أن يدعوها إلى طعام أو شراب لكنها لاذت بالصمت، لولا أنه سمع صوتها وتحدث معها من قبل لقال إنها خرساء، حتى أنها لم تبدل ملابسها إلا بعد أكثر من ساعتين، ودخلت غرفة جانبية وقد ظهر عليها القلق والتوتر، تريد أن تقول شيئا يبدو انه مهم، توجس في نفسه خيفة وهو يترقب ما تسفر عنه الأحداث، فإذا بالجميلة تخبره الآن بعد فوات الأوان أنها لا تريده زوجا، واستدركت بأن ذلك ليس لعيب فيه وإنما لأن قلبها مع شاب آخر ارتبطت به عاطفيا منذ سنوات الدراسة بالجامعة، وتعاهدا على أن يكونا لبعضهما مهما كانت الظروف والأسباب، ويجب أن تفي بوعدها، مؤكدة أنها أرادت أن تصارحه الآن من البداية وكي لا تقوم حياتهما على غش، فكانت صدمته في ليلة العمر بلا وصف. حاول العريس أن يلملم أفكاره ويركز في تصرفه، لم يرد أن يتسرع كما كان من قبل في عجلة من أمره، انتحى جانبا في غرفة الانتظار وأشعل سيجارة وشرد بتفكيره، ماذا عساه أن يفعل، وأول ما ورد إلى ذهنه هو ضرورة الانتقام لرجولته وكرامته، شعر أنها خدعته، كان يمكن أن تخبره بذلك من البداية، إن أي تصرف في هذه الليلة مهما كان سيكون بمثابة فضيحة له ولها وستثار الأقاويل من هنا وهناك، وتضيع الحقيقة، القرار الأول الذي لا تراجع عنه هو أنه لن يستمر معها ولن تكون شريكة حياته طالما هي وقلبها ليسا معه ولن يجبرها على ذلك مهما أوتي من قوة وهو أيضا لا يقبل أن تعيش معه بالإكراه مع أنه قادر الآن أن يرد لها الصاع صاعين، توقف تفكيره وتجمد عقله. حاولت أن تبرر موقفها بأن أمها وأباها دفعاها لقبوله زوجا خاصة بعد أن أعلن «حبيبها» أنه خاوي الوفاض ولا يستطيع أن يتزوج، قالا لها إن عصفورا في اليد خير من ألف على الشجرة، لم تقتنع بكلامهما وإن كان صحيحا في ظاهره، لكنه لا يناسب حالتها، لا تستطيع أن تتقبل شخصا آخر غيره يشاركها حياته، فهي لا تفاضل بين عدة عصافير، إنما هو عصفور واحد لا تريد غيره، استجمع الرجل الشهامة والنبل وتراجع عن الفضيحة التي اعتزم أن يلحقها بها، بعد أن كان قراره الثاني المحسوم أن يطردها في هذه اللحظة وهي بفستان الزفاف، ويعلن للجميع حقيقتها، وهذا فقط الذي يشفي بعض غليله، ألقى عليها يمين الطلاق وعزلها في غرفة جانبية إلى أن تتخذ قرار الرحيل بنفسها في الوقت الذي يناسبها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©