الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خرس راشد الحارس المحترس

خرس راشد الحارس المحترس
20 سبتمبر 2012
خرس راشد الحارس المحترس، النابس المتمرس، القابس المنبجس، الفارس المتوجس، القارس المتحسس، الحابس والحدس، المشاكس الشرس، المتجانس والعسعس، المتجانس والخنس. خرس راشد الشِفة والذراع، ما بين منطقة الغب وقرية المعيريض، هو الشِفة والرشفة، هو النزفة والخفقة، هو الغَرفة في لظى الحارقات والرجفة، هو الدفقة في تشظي السائدات في دروب الرجفة، هو الأحلام المجلودة بالهوى والرأفة، هو الخيال الوسيع المضمخ بالفكرة والأنفة، هو القامة النابضة نبعاً ودمعاً، ولمعاً وسمعاً ورجعاً، هو الكعب العالي في ليالي الوحشة، وجفاف المرحلة، هو الرفيق الأنيق، هو الرحيق حين تجف الشفاه، وتتعرى الأقدام على شوك الرمل، وأسنان الحصى القاسي، هو الرجاء في ساعات الشقاء، ولهفة النساء لبلل يرطب الريق بعد حريق، بعد انثيالات الشوق، وتكبد الأفئدة عناء المسير على بطحاء أشبه بأوار النار وسعير الجمرات. خرس راشد، كان الشاهد المشاهد، لمشاهد طوقت القلوب بالخطوب، وسورت الدروب بالكروب، ومادت الأرض من تحت الأقدام، كأنهار خاوة المدى والسعي بلا سدى، والندب والحدب، في جدب ويباب، كان شيئاً من عذاب، واصطخاب واكتئاب، واستلاب، عندما كانت الناعسات يحملن على كواهلهن قرب الماء لأجل الارتواء، ولأجل الطهر بعد عسر، وفتر وفقر، وجبر كان يغشى سر السحر في الصحراء، كان يسبر أغوار وأخبار، وأسرار، وأدوار وأطوار، ودِوار، وخِوار، وحِوار ومدار، وأسوار، كان يسأل الله القدير عن الغدير، وعن سائل سحري، يشفي الهدير، يغسل الباقيات الصالحات من شر مستطير. النهر والبحر خرس راشد، النهر والبحر، والسحر والسُكر، الكر والفر، والنهار المستجير بالرمضاء من نار وسعار، كان في النهار يستطلع البهجة على ثغور وصدور، ونحور، كان يحدث في العزلة كائنات الله، المنابشة عن موئل وموال، وعن سؤال في المحال، وعن أحوال في المستحيل، كان مكمن الهديل، وهيمنة الحفيف في حضرة الحمام الحزن. خرس راشد، ليس إلا، الكنف والدنف، والسعف المتدخل بسعف، والظل الخفيف، الخائف المرتجف، عند زاوية الصحراء، عند دوي العزلة المجلجلة، عند نقطة تتساوى فيها الظلال والشمس المزلزلة، عن شحمة اللهاث وملحمة النابغين البالغين بلوغ الإرادة المستعصية. خرس راشد، ذاكرة تخطب ود ذاكرة، وسفينة مسافرة، باتجاه الذروة القصوى من المجهول، لا أحد الآن يعرف المكان، في زمان قلب الصفحات، واستباح حرق المراحل، وتمزيق الأوراق، وغسل الأحداث، ببصاق الطرقات الملتاثة بالزحام، ولوعة الارتطام.. هو الفجوة بعد جفوة، هو الهوة بعد سطوة، هو الخدعة بعد بدعة، هو الرحيل القسري، في متاهات ونهايات، وبدايات تفضي إلى عشواء وشعواء وغوغاء.. هو نافلة غير مستحبة، وقافلة تسحب ذيول الانهيار والانحدار، والاندحار والانتماء، وتغيير المسار من خطوة إلى خطوات، ومن لحظة تأكل لحم الأمنيات، ومن فكرة تساور وتناور وتغامر، وتقفز قفزة عباس بن فرناس، ليقع الفأس في الرأس، ويحثو البؤس رحلة في عين الطين، يختزل المراحل، ويضع الأسئلة في فضاءات غيّبها الدخان والإدمان، والأحزان، وعتمة المكان ونقمة الزمان. خرس راشد، النعيم المغتضب، بين رمضاء ونار، وعشواء ودوار، وغوغاء وسعار واهواء وانكسار. خرس راشد، الناهد الحاشد، الساعد المتقاعد، الرافد المتباعد، لم تبق غير الصورة وغير بقايا محصورة، مقبورة تحت رمل الذاكرة، في عمق جبل النسيان، عندما استشاط الوجدان ضد الوجدان، صارت الفكرة مجرد حبة رمل أو سعفة أو رشفة متناهية في الصغر، صارت الأشياء تنفي الأشياء، والأغواء عواء يتسرب إلى الجسد كأنه نغرة الشهوات المبتورة، كأنه شهقة، قبل اللحظة الذروة، كأنه النجوى في ليلة عاثت الريح في الأرواح، ونكأت الجراحُ الجراحَ ولم يبق من زمن الخرس، غير نَفَسٍ يقطع نفس، لم يبق غير حلم آخر ليلة لم تكتمل حلقاته، لفزع وجزع، ونزع الروح إثر جروح وقروح. خرس راشد، يبدو الآن مثل بهاق في جسد، أو رهاق مستبد، أو مارد صابه الحسد، فاحتشد ململماً أوراقه، مغمضاً أحداثه، مسرجاً خيله، بعد هزيمة أثيمة، لم تبق ولم تذر أي أثر، أو خبر، أو سر يستحضر لأجل من سيأتون من بشر، يتعلمون كيف كان الدرس قاسياً، كيف كان الوقت يجلد الوقت، ويمضي الأفئدة بحدٍ وكد.. هو الآن يرضع من قِدمه وعدمه، ويسترسل في الغياب، تاركاً خطاب الاستلاب، في محفظة الزمن، لعله يستعيد ما سكن، لعله يقطن كيف كان الامتحان والمحن، لعله يمسك بالخيط الرفيع، أو خرقة من ثوب إمرأة، علقتها على حبل الذاكرة، لعله يقضي ليلة واحدة عند رأس رضيع، يحكي له ما يجرى، في ليال فائتة، كيف كانت الحبلى ترشف الماء وتحتسي العذوبة، بشغف ولهف، ثم تحف الوجنتين، ببرودة ورطوبة، ثم تمضي ضارعة، لعل الله يمطر الأرض بنث الدعاء، ويملأ وعاء الكون بأنهار من عسل مصفى، وشهد مشفى. خرس راشد، العبرة والمغفرة، والصبر والأشواق المدبرة، والحبر والتواريخ الغابرة، والخبر والجملة المبتسرة. خرس راشد، النهر الذي عبس وتولى، واستعلى وتعالى، وتجلى واستولى وولى، وخاب وما أعلى، وآب له المغيب، وتوالى فكان المهيب والعجيب والرهيب، والحبيب واللبيب والنجيب، والأريب والربيب، والنقيب والمريب، والرقيب والمنيب، والمطيب والطبيب، والقريب والمجيب، والشبيب والرحيب، والرطيب، والخضيب والخصيب. النهل والسهل خرس راشد، النهل الذي توارى وتمارى، وتدارى، واستحال إلى أثر بعد عين، وسر مستكين، لا يستفزه نداء، ولا يثيره دعاء، ولا يجمع فُتاته استدعاء، لأنه أصبح بعضاً من خواء، وشيئاً أقصاه الادعاء. خرس راشد، السهل الذي خضته الصحراء، ونامت على رمله صرخة المستغيث، في الليلة الليلاء، حتى صار محتدماً الادواء، متورماً بالأرزاء، متفاقماً بالتلاشي والانزواء، مفعماً بحاضرة الأدعياء، يحرس نفاياته بمنشأة أصابها الخواء، يتفرس في خلاء يغويه العواء، لا يستيقظ لأنه فكر بالانتهاء، وفض ساحرة، يوم تاقت العيون للجنون، واحتشى الشفاه، من ربقة الأواني المهشمة، وراق للأفئدة، كيف تلثم الزجاج المثلم، بصنعة لبوس، عبوس كأنها لعنة شهرزاد، لشهريار في ليلة ضروس. خرس راشد، مكان خذله المكان، بعد زمان ضيع البرهان والبيان، فبان كأنه لغة قديمة منسية، في تلافيف عقول نرجسية، بان كأنه الجثة مجهولة الهوية، كأنه الموجة المكسورة عند شطآن مخملية، كأنه الغيمة غيّبتها رياح بربرية، كأنه النجمة، استولت على بريقها أقدار همجية، كأنه الحرقة المطفأة، ساعة احتدام السيل والويل، وجموح الخيل عند هزيل ليل اسودت ملامحه. خرس راشد، في الزمان حكاية، لبداية إذ كان يرصد ويحصد ويرفد، ويسرد ويغرد، ويجرد ويجلد، ويخلد ويحمد الله ويعبد، ويقرأ الوجوه ويُفند، ويعدد ويحدد، ويبدد ويعانق اللاهثين، ويمجد، ويقول لراشفي القطرات، هذا ماء وبَرَدٌ، وعند مغيب الشمس كان يسجد ويعبدُ ويشهد أن للماء سر الأمد. خرس راشد، في المكان جذر وخدر وقدر، وفي المكان النفير والسعير والهجير، وصولة الكاعبات وحومة النذير، وصبوة الجياد، ولهفة المستجير، هو الطائر، قصت جناحاه، فطار إلى زوال، ليبقى المآل في حرقة السؤال، كيف تشيخ العيون، والرموش سواقي، والمآقي لم تزل في غفوة التلاقي، كيف تشيب الذوائب، والمناكب أعلى من قمم الجبال، والسواكب ماء زلال، والمناقب سجايا وطوايا وثنايا محفورة في الظلال، واليوم إن كان للخرس من لغة فهي لغة بلا جلال، ولا جدال، ولا منال ولا موال، لغة مصمومة من الدلال، لأنها في المعنى بلا مآل، لأنها لا عطف لها ولا مطلق ولا حال، هي شيء من ضلال واستلاب وأهوال، يخضها خضيض القارعة، وما القارعة إلا زعيق الصرصر، وزمجرة البحار، وزلزلة الأرض، وما تخرج من أثقال وأحمال، محدثة عن أخبار وأسرار، ولا يقول الإنسان إلا ما باح به، إبن نوح سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. خرس راشد، كتاب طوت صفحاته، أنامل راجفة، مستخفة خائفة، فيقول في بوح مثل الجرح، يا أيتها النفس المطمئنة، هذه محنة الجفاف بعد عفاف، يتلوه استخفاف ولا مناص من السؤال عن امرأة كانت هنا، تحدب وتجذب، تفرج عن شفتين شفيفتين، إبتسامة الفرح، تنادي للرفيقات، هذا الخرس، هذا الجرس والناقوس، والناموس، هذا النبس اللذيذ، قبس من عطايا الرحمن، نفس بريء عفيف بلا شنئان، فيمعن في الغرف والنزف، يجلبن ويجذبن، حتى ترتوي الأحداث من نبع الأعماق، ويساوى الليل والنهار، حين تكف النجوم عن البصيص، وحين ترتدي الشمس قميص يوسف مشقوقاً من دبر، فيقلن حاش لله ما هذا ببشر. خرس راشد، لدهشة التي أيقظت الأحلام والأوهام، الرعشة التي غسلت نعيم الأجساد المرهفة، ،اقتحمت أسراراً ومجاهيل، وسارت متسربة في التفاصيل، مختبئة حيث تقطن الحملان المذعورة. خرس راشد، اليوم الوحشة المذهلة، والعزلة الموشومة بخرافة الممكن، حين لا يكون ليس بالإمكان، أفضل مما كان، إلا أن تخب الركاب بعيداً بعيداً، كي لا يداهمها، خوان ولا خذلان، كي لا تباغت الريح أغصان الشجر، وتسرق من الأغصان أوراقها، وتطارد العصافير كأنها الجحافل المهزومة، والقوافل المكلومة والنهايات المحتومة. خرس راشد، القدرة المبتسرة، فرت من قسورة، مخضوضة مندحرة، هو الآن قاب قوسين من المقل لكنه بلا أمل، لأن رمله أكل نخله، وجملته الفعلية والفاعل مجهول، مستتر تقديره لا هو، لا أنت، لا أنا، إنه وقت أشبه بأطباق طائرة، كائنات فضائية، اقتطفت ثمرات القلب فاختطفت الأقدام من الدرب، فتاه الأثر في زحمة الكدر، ولم يبق الخرس سوى الصورة الباهتة، لا تستقر في ذاكرة ولا تستقر فكرة، فقط تبقى العبرة ورائحة العرق، التي لم تزل تسقي زرع الأيام، وتنبث عشب الذاكرة لعل وعسى، يزهو الحلم في يوم ما ليستحم الخرس، في عيون الناعسات الساحرات، الكواكب ويغتسل على شرف الأريج، وعطر المفعمات وجداً، بالتذكر والتفكر التبصر، والتحرر من أصفاد الغفوة، والتطور نسلاً باتجاه حلم لا يلونه الإحباط بسواده.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©