الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«غلطة من؟!»

«غلطة من؟!»
20 سبتمبر 2012
هذا الشهر في فرنسا يطلقون عليه شهر: “العودة الأدبية” فبعد الإجازة الصيفية لدور النشر، فإنها ومع انتهاء فصل الصيف تنشر الروايات الجديدة التي أنجزها مؤلفوها أو كان نشرها مؤجلا. وتم الإعلان أنه من الآن إلى شهر أكتوبر فإن دور النشر الفرنسية ستصدر 646 رواية. ومن بين أهم الروايات الجديدة التي صدرت هذه الأيام رواية للطّاهر بن جلّون الذي يقيم في فرنسا منذ عقود والذي أصبح عضوا في لجنة تحكيم أهم جائزة فرنسية هي جائزة “غونكور”. الرواية الجديدة للطاهر بن جلّون والتي صدرت في الأيام الاولى من شهر سبتمبر عنوانها “السعادة الزوجية”Le Bonheur Conjugal، وتجري أحداثها عام 2002 في المغرب وتحديدا في مدينة الدار البيضاء، وتعالج العلاقة المتشعبة والمتشابكة بين الأزواج، وقد اختار المؤلف أسلوب السخرية والنقد في سرده ووصفه للأشخاص وللأحداث. والطّاهر بن جلّون الفائز عام 1987 بـ”جائزة غونكور” وهي أهم الجوائز الأدبية الفرنسية عن روايته: “الليلة المقدسة”la nuit sacrée، هو الآن عضو منتخب في لجنة الجائزة التي تسند كل عام جائزتها لأفضل رواية تصدر في فرنسا. وهو في روايته الجديدة يروي قصة رسام شهير أصيب بجلطة منذ ثلاثة أشهر، وبسبب المرض الذي ألّم به وأقعده فإن أكثر الأصدقاء تخلوا عنه، والرسامون من زملائه أظهروا ازاءه الكثير من مشاعر الشماتة، وزوجته تركته لممرضة واختارت جناحا في الفيلا الفسيحة بعيدا عنه، ويتذكر الرّسام مجده الفني عندما كان يعرض لوحاته في فرنسا وخصوصا في العاصمة باريس، ويلاقي نجاحاً كبيراً، كما أخذ وهو في كرسيه المتحرك في استرجاع شريط تعرفه على زوجته التي التقى بها في فرنسا، فهو سليل عائلة بورجوازية من مدينة “فاس” وهي ابنة عامل مهاجر مغربي مقيم في مدينة “كلازمون فارون” بوسط فرنسا. كانت فتاة جميلة في الرابعة والعشرين من عمرها عندما التقى بها أول مرة وقد تزوجها بسرعة. وبعد أربع سنوات من الزواج وإنجابهما لابنين اثنين، بدأت تظهر الخلافات والخصومات بينهما وبرزت الطبائع المختلفة وأصبحت الحياة بمرور الأيام بينهما جحيما. وفي الفترة التي ازدادت فيها الخلافات بينهما، عاد الرسام الشهير إلى حياة اللهو وأصبح له علاقات مع عشيقات كثيرات. لقد داهم المرض الرسام وهو في أوج مجده الفني، ووجد بعض السلوى في استرجاع ذكرياته واجترارها واستنتج ان زواجه هو أحد أسباب ما أصابه من مرض، وقرر ان يكتب مذكراته ويخلد حياته في كتاب ليكشف كل ما عاشه مما يسميه: “الجحيم”، وهو يقصد ما عاناه من زوجته بسبب طباعها وتصرفاتها، ولما تفطنت الزوجة الى مسودة الكتاب الذي شرع في تحريره قررت هي الأخرى ان ترد كتابيا على الاتهامات التي كالها لها، وهنا مكمن عنوان الرواية “السعادة الزوجية”. والجزء الأول من الرواية وهو الأطول كان مخصصا لسرد الزوج قصته، بينما تضمن الجزء الثاني من الرواية رد الزوجة. وقد أراد المؤلف أن يجعل القارئ حَكَما في مآلات هذه العلاقة المتعبة والصعبة. كان الرسام ذائع الصيت يعرض لوحاته في المغرب وأوروبا وكانت تلقى رواجا وإقبالا، وتباع بأسعار مرتفعة. ووسط هذا النجاح كان الزوج يخون زوجته رابطا علاقات كثيرة مع نساء جميلات من جميع الشرائح والأعمار، ورغم اعترافه في الرواية إنه اقترن بزوجته عن حب إلا أنه سريعا ما شعر بالملل لاختلاف الطبائع والميولات، فما كان يفرق بينهما أكثر بكثير مما كان يجمعهما. والحقيقة أن النقاد الفرنسيين أولوا الرواية ما تستحق من عناية كعادتهم مع كل إصدار جديد لروائي شهير، لكنهم أجمعوا على ان موضوعها مجتر ولا جديد فيه ولا طرافة ولا ابتكار، بل هناك ناقد قال انه لم يستطع تجاوز الصفحة الـ150من الرواية، ولكن المهم والطريف ان هناك من رأى أن الطاهر بن جلون ـ وهو على مشارف السبعين من العمر ـ يسرد في الرواية شذرات من حياته الشخصية رغم محاولة التمويه باستبدال كاتب شهير برسام شهير إلا ان الأحداث فضحته. والرواية ربما فيها تجديد في الشكل، وكتبت بلغة فرنسية أنيقة، ولكن الأحداث كانت عادية والمضمون فاتر، وأحيانا ممل حتى ان ناقدة فرنسية أكدت انها تركت الرواية جانبا عندما أخذ الزوج في سرد وتعداد مغامراته النسائية الكثيرة، مبرزا زوجته في ثوب المرأة الشريرة المجبة للمال، مما جعل الناقدة تذهب الى الاعتقاد بأن المؤلف مناصر للرجل ضد المرأة، ولكن المؤلف الطاهر بن جلون يقول بأن روايته هي تأملات في مؤسسة الزواج التي هي كما تظهر في الرواية مبنية على النفاق، مستشهدا بمقولة منسوبة إلى تشيكوف: “إذا كنت تخشى الوحدة فلا تتزوج”. ويبدو ان موضوع فشل الزواج، عاد كموضة هذه الأيام في الروايات الفرنسية، إلا إن النقاد وجدوا تشابها بين رواية الطاهر بن جلون من حيث المضمون ورواية لتولستوي. فقد أصدر عملاق الرواية الروسية رواية أحدثت ضجة وقتها لما تضمنته من سرد لحياة الروائي مع زوجته، وقد كشف فيها خفايا علاقته برفيقة دربه، وقد ردت عليه زوجته برواية كان عنوانها: “غلطة من؟” حمّلته فيها مسؤولية كل ما حدث من خلافات ونزاعات بين الزوجين. الرواية صدرت عن دار غاليمار الفرنسية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©