الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الأسد و «حزب الله» يهزان وحدة بكركي

الأسد و «حزب الله» يهزان وحدة بكركي
2 أكتوبر 2011 00:17
لم تهدأ حدة الجدل المستمر في لبنان حول موقف البطريرك الماروني بطرس الراعي المتعلق بالوضع في سوريا وسلاح “حزب الله” اللبناني، إذ لا يزال التباين واضحاً بين فريق داعم لموقفه وآخر معارض يعتبره خروجاً على ثوابت بكركي التاريخية، إضافة إلى ظهور بوادر انقسام هو الأول من نوعه داخل الكنيسة المارونية عكسته خلافات برزت أثناء اجتماع مجلس المطارنة الموارنة الثلاثاء الماضي. وعزز أجواء الانقسام ما حدث في 25 سبتمبر، حيث ظهر البطريرك السابق الكردينال نصر الله بطرس صفير وإلى جانبه سبعة مطارنة مشاركاً في احتفال لـ”القوات اللبنانية” بزعامة سمير جعجع الذي أكد بقاءه على ثوابت بكركي التاريخية، منتقداً بشده مواقف الراعي من النظام السوري وسلاح “حزب الله”. في وقت كان فيه الراعي يكمل زيارته للجنوب برعاية تحالف “حزب الله”، وحركة أمل الذي أطلق عليه لقب “إمام البطاركة”. كما تلقى قبيل مغادرته بيروت إلى أميركا رسالة شكر من مرجعيات روحية وسياسية سورية على موقفه أبلغه إياها مفتي دمشق عدنان أفيوني خلال زيارة إلى بكركي الاربعاء الماضي. وإذ انتقدت باريس موقف الراعي، جاء موقف واشنطن أكثر حدة إذ تحفظت الإدارة الأميركية على تصريحات البطريرك إلى درجة إبداء عدم رغبتها في ترتيب أي لقاءات له مع مسؤولين إلا في حال قيامه بتوضيح ما ورد على لسانه من تصريحات في ما يتعلق بتأييده منح فرصة لنظام الرئيس بشار الأسد، وربطه نزع سلاح “حزب الله” بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وهو الأمر الذي دفع البطريرك إلى تعديل برنامج جولته الأميركية ليبدأها من نيويورك وليس واشنطن. وزاد التزام الفاتيكان الصمت إزاء موقف البطريرك الراعي حالة الارتباك السياسي لدى الموارنة، فقد فسره مؤيدو البطريرك بأنه تأييداً، بينما اعتبره المعارضون مقلقاً، إذ إنه قد يفهم منه لاحقاً “أن الكنيسة الكاثوليكية تقف إلى جانب الأنظمة القمعية، وتفضل استبداد الأقليات على ديمقراطية الأكثرية”، الأمر الذي قد يتسبب بخسارة مسيحيي المشرق الكثير من مواقعهم ومكتسباتهم في مواجهة الأغلبيات في المنطقة. المؤيدون للبطريرك الراعي يعزون موقفه إلى مخاوف مستقبلية من حلول أنظمة متشددة قد تشكل خطراً على الوجود المسيحي في المحيط العربي ربما يكون من نتائجها تقسيم المنطقة وتفتيتها وتهجير المسيحيين، كما حصل في العراق. وقال النائب عن “التيار الوطني الحر” آلان عون” لـ”الاتحاد”: “إن هواجس البطريرك الراعي مشروعة، وهو يعبر عنها من باب التحذير والتنبيه من أخطار قد نواجهها، ونحن نقف إلى جانبه من أجل استدراكها”. لكن أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية كمال اليازجي، نفى هذه الهواجس، واعتبر في تصريحات لـ”الاتحاد” أن هذا الكلام يعتمد بشكل أساسي على نهج التخويف، وشائعات بأن حرباً أهلية سنية - علوية سوف تحدث، وأن سوريا سوف تقسم إلى دويلات طائفية، وأن البديل عن النظام البعثي هو الإخوان المسلمون، وأن المسيحيين سوف يدفعون ثمن التغيير، ويتعرضون للاضطهاد، وهذا الكلام خطير وغبر مبرر”. وقال اليازجي “إن موقف البطريرك الراعي هو حتماً ليس زلة لسان، ولم يتم اجتزاؤه كما قال؛ لأن تصريحاته في باريس عاد وكررها في لبنان أثناء زيارته إلى بعلبك.. إذن هو كلام يعبّر عن وجهة نظر متماسكة تتطابق للأسف مع الدعاية الرسمية للنظام السوري ومع أفكار ما يسمّى بمحور الممانعة الذي يمثله فريق 8 مارس والذي يشيع أن البديل عن النظام البعثي هو نظام متعصب، سوف يضطهد المسيحيين،”. وفي المقابل، عارض أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة اللبنانية بسام الهاشم تماماً ما قاله زميله اليازجي في تفسير المنطق الذي اعتمده البطريرك الراعي، ورأى أن “كلام الراعي تعرض لتحريف كبير، وأنه من الخطأ والإجحاف بحق البطريرك اعتباره ضد حركات التغيير والديمقراطية خصوصاً في سوريا، أو أنه خائف وصول السنة إلى الحكم وكأن السنة أعداء”. وقال “الراعي يقول وبكل بساطة، إن هناك حراكاً حاصلاً في العالم العربي، وهذا حق للشعوب، ولكن عمليات التغيير لا يمكن أن تتم من خلال العمل المسلح، وأن انحراف الحركات المطالبة بالحرية باتجاه العنف يؤدي إلى جرها نحو نقيض طروحاتها ومطالبها وأهدافها، وقد يؤدي ذلك إلى تفكيك وحدة المجتمع وشرذمته”. وأضاف الهاشم “ان خوف البطريرك الراعي هو استخدام العنف، سعياً للتغيير الأمر الذي قد يؤدي إلى تفتيت سوريا، وأن أي اقتتال سني - علوي في سوريا سوف ينعكس سلباً على لبنان، ويقحم المسيحيين في صراع هم بالغنى عنه”. من جهته، اعتبر منسق الأمانة العامة لقوى 14 مارس النائب السابق فارس سعيد أن “الكنيسة المارونية، تبدو برئاسة الراعي تتعاطى بأسلوب مختلف جداً، بل معاكس في الموضوع السوري وسلاح (حزب الله) عما كانت عليه الكنيسة في فترة صفير”. وقال “إنه منذ انتخابه (الراعي)، أبدى استعداده لزيارة سوريا وللحوار والانفتاح على سلاح (حزب الله)، وهذه المواقف مناقضة لمواقف سلفه، وانتهت بأنها لا تعبر عن أسلوب وآلية تعاطي جديدة، وإنما عن قناعات راسخة تدور في رأس الكنيسة المارونية مفادها أن الانفتاح المسيحي على النظام السوري وتفهم أسباب بقاء سلاح (حزب الله) يعودان بمكاسب إيجابية على الفريق المسيحي في لبنان”. ورأى سعيد أن الجدار الذي سيصطدم به الراعي هو أن النظام السوري بات على شفير الهاوية، وأن سلاح “حزب الله” أصبح خارج دائرة الإجماع اللبناني، وبالتالي قد لا تعوض المكاسب الخاصة على أهميتها انتقاص سيادة لبنان ووضعه في مواجهة الشرعيتين العربية والدولية. وأضاف “نحن لا نفهم أين مصلحة البطريركية في ذلك”. وانتقد سعيد بشدة البطريرك الراعي، معتبراً أنه يتصرف وكأنه قائد أقلية مسيحية في لبنان والعالم العربي وخائف من نظريات وهمية تصف “الربيع العربي” بأنه اضطرابات أمنية، وتنظر إلى التغيير بعين القلق وليس الأمل، وهذا كله يتناقض مع توجهات المجمع البطريركي الماروني الذي شارك فيه الراعي وخرج بتوصيات بأن الموارنة ليسوا أقلية بل جماعة والفرق بين الاثنين كبير، فالجماعة تتفاعل مع الآخرين، إنما الأقلية تحتمي بمراكز القوى. ومن واشنطن، رأى كبير باحثين مؤسسة “جرمن مارشل” الأميركية حسن منيمنة “أن مواقف الراعي مخالفة لثوابت الكنيسة المارونية وجنوحا بها نحو مصالح ذاتية”، معتبراً أن مواقف البطريرك هي تفريط برصيد ضخم للكنيسة المارونية خاصة وللبنان عامة في أميركا، فبعد أن كانت في عهد صفير وأسلافه رمزاً للمبدئية والثبات، تجنح اليوم نحو المنطق المتوقف عند أفق ضيق هو المصلحة الذاتية دون اعتبارات مبدئية”. واعتبر منيمنة أن الراعي من خلال قبوله بالظلم اللاحق بالمدنيين السوريين ومن خلال إسقاطه صفة طائفية عليهم يدعم من حيث لا يدري مشروع الاقتتال الطائفي الذي يسعى نظام الأسد إلى إنزاله بسوريا عقاباً لشعبها، لكن هذا المشروع لن ينجح، فيما ستخرج البطريركية من هذه المرحلة في حالة ضعف وفقدان صدقية لم تشهدها من قبل”. وأيد اليازجي بأن الراعي ألحق بصورته ضرراً لا يمكن إصلاحه، وظهر بمظهر “الشريك القاتل”، وأحرج بمواقفه شريحة كبيرة من أبناء رعيته، وأنه بدلاً من أن تبقى المرجعية المسيحية فوق المعمعة السياسية، ظهرت وكأنها حليف سياسي لفريق 8 مارس.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©