الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إضراب الحب

إضراب الحب
20 سبتمبر 2012
حظي الفيلم المغربي “عين النساء” الذي يقدم خلطة سينمائية جديدة على السينما المغربية باهتمام النقاد والصحافة المتخصصة، وأثار ردود فعل واسعة بسبب موضوعه الجريء الذي ينتصر للنساء القرويات ضد الإقصاء والتهميش والمعاناة مع ظروف العيش القاسية. ويقدم الفيلم في صيغة حيوية وجديدة معاناة نساء في قرية نائية يقررن الإضراب عن الحب، لإرغام رجالهن على مد شبكة توزيع للمياه توفر عليهن شقاء حمل الجرار من الينابيع إلى منازلهن. تبدو النساء في الفيلم قويات وصاحبات قرار رغم عيشهن في قرية بإحدى المناطق التي تعاني الإهمال ونقص الخدمات وعدم وجود الماء الصالح للشرب، وينتصر الفيلم لفئة القرويات اللاتي يشكلن نصف النساء بالمغرب، ويظهر قوة وشجاعة المرأة التي ظلمتها التقاليد والأعراف وحمّلها المجتمع أكثر من طاقتها، وحرمها من الدفاع عن حقها وكرامتها داخل محيط ذكوري بامتياز. وفي الوقت الذي يتساءل فيه النقاد حول عمق الأفلام السينمائية المغربية التي تعالج مواضيع المهمشين بالقرى خاصة المرأة التقليدية غير المتعلمة، ويعتبرون أن اغلب الأفلام تفتح نافذة على المواضيع الشائكة بالقرية، لكن من دون أن تعالجها بعمق، جاء هذا الفيلم ليقدم نموذجا لحياة المرأة بالبوادي والعشوائيات التي تعمها الفوضى وتفتقر إلى ابسط الخدمات العامة، وبرهن على ان المرأة ليست دائما ذلك الكائن الضعيف الخنوع الذي يجب أن يظل تحت السيطرة، حتى لو كانت امرأة تقليدية وغير متعلمة. ورغم أن النقاد يرون أن المرأة القروية مازالت لم تجد الفيلم الذي يعبر عنها، إلا أن فيلم “عين النساء” الذي أثار جدلا إعلاميا وحقق نجاحا تجاريا كبيرا، نجح في تقديم نموذج للمرأة البدوية التي تمتلك من الجرأة وقوة العزيمة والصبر والإرادة، ما يجعلها عنصرا فاعلا وحاثا على التغيير داخل مجتمع القرية. سلاح الحب نجح المخرج في تقديم فيلم بمواصفات خاصة يدافع عن حقوق النساء القرويات ويجمع العديد من الممثلات الموهوبات من جنسيات وثقافات مختلفة من منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، مثل الجزائر وتونس وفلسطين وفرنسا والمغرب، وما اختياره ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي وعرضه في 15 عاصمة عالمية، منها باريس وتونس وبيروت وعمان والرباط سوى دليل على قوة رسالته وحبكته الدرامية. وناقش الفيلم من زاوية مسلية فكرة الإضراب عن الجنس الذي يعتبره المجتمع حقا ذكوريا فقط، وأعاد الاعتبار لكرامة المرأة القروية التي لا تعرف للهزيمة معنى وتواجه القهر وتدخل معترك الحياة، وكلها ثقة في قدراتها وأبرز الدور الكبير الذي تضطلع به في الحياة اليومية. ويتناول الفيلم قصة نساء يعشن في إحدى قرى المغرب النائية، قررن التمرد على أعراف جعلت منهن مصدر الماء في بادية قاحلة، حيث يضطررن لجلب الماء من أعلى الجبل وهناك تتعرض حياتهن للخطر وتجهض كثيرات منهن. وشارك فيلم “عين النساء” للمخرج رادو ميهايلينو في مهرجان كان السينمائي واختير فيلم افتتاح الدورة الخامسة من مهرجان فيلم المرأة بالمغرب، ومنح هذا الفيلم فرصة كبيرة للسينما المغربية حين مثَّل المغرب لأول مرة في تاريخه السينمائي في المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي. وقام ببطولة الفيلم الممثلتان الفرنسيتان من أصل مغاربي ليلى بختي وحفصية حرزي، والممثلة الجزائرية بيونا والفلسطينية هيام عباس، إضافة إلى عدد من الفنانين المغاربة من بينهم آمال الأطرش ومحمد مجد وسعد التسولي ومالك أخميس ومحمد خيي وعمر لطفي ومحمد الشوبي وفضيلة بنموسى وبلعيد اكريديس وآخرون. هو إنتاج مشترك شارك فيه المغرب إلى جانب فرنسا وإيطاليا وبلجيكا. فكرة الفيلم شارك في كتابة السيناريو إلى جانب المخرج رادو ميهايلينو، الكاتب ميشيل بلان، وتعود قصة الفيلم إلى واقعة حدثت في إحدى قرى تركيا عندما قررت النساء الامتناع عن إعطاء أزواجهن حقوقهم الزوجية، إلا بعد أن يقوم الرجال بإصلاح عطل في أنابيب المياه. وتدور أحداث الفيلم في قرية جبلية صغيرة، حيث تخرج النساء لجلب الماء من مكان بعيد، وتحت ظروف مناخية صعبة، وكن يحملن كميات كبيرة من المياه تنهك أجسادهن. وركز المخرج في بداية الفيلم على معاناة النساء القرويات المكلفات بتربية الأطفال والأشغال المنزلية ومساعدة الزوج في الحقل إضافة إلى المهمة الصعبة وهي جلب الماء من عين في أعلى الجبل، بينما الرجال في المقهى يشربون الشاي ويتحدثون بعد أن يكونوا قد أنهوا مهامهم الزراعية الأقل إرهاقا نسبيا من المهام الموكلة للنساء، ويظهر الفيلم الرجال “المحظوظين” وهم يستمتعون بوقتهم ويشربون الشاي في المقهى ويتسلون بينما النساء مرهقات، أنهكهن الصعود والهبوط لجلب الماء إلى منازلهن في إحدى قرى المغرب النائية. وفي الليل يلتحق الرجال بفراش الزوجية مستريحين، فيما النساء منهكات يعانين الأمرين جراء الظروف المحيطة بهن، وللتعبير عن التكرار وتجدد المعاناة ناوب المخرج لقطات السقي الشاق والإنجاب المؤلم ورشف الشاي المنعنع. وبعد وضع دام سنوات طويلة، ساد فيها الشقاء والخضوع وتكليف النساء بمهام صعبة تقتضيها أعراف وتقاليد القرية، تقع حادثة ستحدث تغييرا محوريا في أحداث الفيلم حين سقطت إحدى النساء أثناء رحلة جلب الماء وفقدت جنينها، ومثل كل الثورات التي تبدأ بتساؤل بسيط، حاصرت الشابة فاطمة التي أدت دورها بطلة الفيلم الممثلة الفرنسية من أصل جزائري ليلى بختي النساء بسؤال صغير “لماذا لا يصعد الرجال لجلب الماء من النبع؟”. سؤال بسيط لكنه أحدث أثرا بالغا في الثورة الصغيرة التي قررت فاطمة الشابة الثائرة التي تزوجت حديثا وسكنت القرية، أن تنفذها داعية نساء القرية إلى اتخاذ موقف تجاه مسألة صعودهن إلى النبع، في البداية واجهت ثورة ليلى سلطة الأعراف والتقاليد المتحكمة في القرية، لكن صبر النساء سينفد فقررن التمرد على هذه الوضعية ورفض المهمة اليومية الشاقة الموكلة اليهن بجلب الماء، حيث قررت النساء وقف هذه المحنة، والدخول في إضراب عن المعاشرة الزوجية، طالما أن الرجال لا يساهمون في جلب المياه. وأدى اقتراح العروس الجديدة فاطمة باستخدام سلاح الحب من أجل إجبار الرجال على التكلف بجلب الماء، ودعوتها نساء القرية إلى الإضراب عن ممارسة الحب والتمنع عن أزواجهن، حتى يساهم الرجال أيضا في جلب الماء، إلى حدوث بلبلة في القرية. في البداية لم يأخذ الرجال مطلب النساء على محمل الجد لتتحول الأمور بشكل تدريجي إلى مواجهة، ورغم تعرضهن للكثير من العنف من طرف أزواجهن الذين لم يستسيغوا أن تخرج النساء عن طاعتهم، خاصة في الشق المتعلق بالواجبات الزوجية، تمسكت نساء القرية بكل شجاعة بموقفهن، وصمدن في وجه محاولات الرجال نزع الشرعية عن ثورتهن. وواصلت النساء بتأطير من العروس فاطمة رفضهن للمعاشرة الزوجية كوسيلة للضغط على الرجال ليجلبوا الماء من النبع، وبعد حدوث سلسلة من الأحداث، يتطوع سامي زوج ليلى الذي أدى دوره الممثل الفلسطيني صالح بكري لتهدئة الوضع، حيث يذهب لتقديم شكاية للسلطات حول تأخر تجهيز القرية بالماء، فيقدم له الموظف فلسفة غريبة تمتدح تراخي البيروقراطية في تجهيز القرية بالماء والكهرباء. وحين تخرج أخبار “الثورة النسائية” عن محيط القرية وتصل إلى أسماع المسؤولين، تتفاعل السلطات مع الحدث وتنهي معاناة جلب الماء والسير لمسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة بمد القرية بالماء والكهرباء. قصة حقيقية يقول المخرج رادو ميهايلينو عن ظروف ولادة مشروع فيلمه “عين النساء”: “كل شيء بدأ بحدث وقع في تركيا سنة 2001، في قرية كان على النساء فيها منذ زمن بعيد الذهاب يوميا لجلب الماء من عين تقع في أعالي الجبال المجاورة، وكن يحملن كميات كبيرة من المياه تنهك أجسادهن، بعد حدوث سلسلة من الأحداث قررت النساء وقف هذه المحنة والدخول في إضراب عن المعاشرة الزوجية طالما أن الرجال لا يساهمون في جلب المياه، في البداية لم يأخذ الرجال النساء على محمل الجد لتتحول الأمور إلى العنف، لكن النساء صمدن لتنتهي المسألة بتدخل الحكومة”. وأشار المخرج إلى أنه حال قراءته الخبر عرف أنه حصل على فكرة لصناعة فيلم جيد، واعترف المخرج بإعجابه بالحكاية فقرر كتابتها بالفرنسية وتحويلها إلى فيلم سينمائي، ويقول ميهايلينو “لقد قمنا بإنشاء صداقات حقيقية وغنية والسفر إلى البوادي، حيث إن هذا السفر ساعدنا تدريجيا على التقرب من نظرة النساء هناك والابتعاد عن تصورنا الأوروبي، وأعتقد أن هذا أفضل مجال تتضح فيه جمالية السينما”. وعن ظروف تصوير الفيلم بالمغرب قال المخرج “أتاح لي الفيلم الفرصة لعيش مغامرة إنسانية وسينمائية فريدة بالمغرب، وتجربة ممتعة تجاوزت إشراك أهل القرية في الفيلم، وتعويضهم عن ذلك مادياً”، وأضاف أن فريق عمل الفيلم كان يشعر بأنه في أرضه، ذلك أن ساكنة هذه القرية استقبلوا الفريق برحابة صدر، وتحمل فريق العمل نفقة تشييد الطريق المؤدي إلى المنطقة، ومدها في نفس الوقت بالماء الصالح للشرب. انتقادات تعرض الفيلم لانتقادات كثيرة بدءا من جنسية مخرجه فقصة الفيلم وانتهاء بأداء الممثلين وتقنية الإخراج، وواجه الفيلم انتقادات بسبب طول بعض المشاهد إضافة إلى سوء توظيف الرقصات والأهازيج والملابس والإكسسوارات، بينما اعتبر بعض النقاد أن غياب عناصر الإبهار على مستوى الملابس أو الإكسسوارات الموظفة في الفيلم، يخدم فكرة الفيلم ويؤكد مستوى معيشة سكان القرية البسطاء. وشكك البعض في قصة الفيلم رغم أن معاناة القرويات مع شظف العيش وخاصة جلب الماء من العين في أعالي الجبال تحت الشمس الحارقة، قصة معروفة في المغرب، كما شكك البعض في جنسية مخرج الفيلم رادو ميهايلينو حيث اتهمه البعض بأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية وانتقدوا دعم المركز السينمائي المغربي لفيلم يخرجه مخرج إسرائيلي، والسماح له بتمثيل المغرب في مهرجان كان السينمائي. ولعل أقوى الانتقادات التي وجهت لفيلم “عين النساء” هو اتهامه بالسرقة، حيث اتهمت الصحافة المتخصصة مؤلف الفيلم بسرقة القصة من فيلم روسي يتحدث عن نساء يقمن بإضراب عن المعاشرة الزوجية، طالما أن الرجال لا يساهمون في جلب الماء إلى القرية، واستغربت السكوت على سرقة نسخة كاملة وحرفية للنص الأصلي المكتوب بالروسية جملة بجملة وكلمة بكلمة بكل نصوصه وأفكاره، وقالت إن الفيلم الأصلي يحمل عنوان “الإضراب عن الجنس” للمخرج الألماني فيت هيلمير انتج عام 2008 وصور في كازاخستان باللغة الروسية. ورغم كل هذه الانتقادات فقد حقق الفيلم جدلا إعلاميا ونجاحا تجاريا بالنظر لقوة قراءته للحظة السياسية، ومناقشة الثورة من زاوية مسلية، وهذا مثال يظهر كم يساهم سياق المرحلة في نجاح فيلم ما. وأشاد بعض النقاد بالحبكة الدرامية للفيلم والرسالة الفنية التي يقدمها كما أشادوا بأداء الممثلين وخاصة الفنانة الجزائرية بيونا والممثلين المغربيين محمد خيي وهيام عباس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©