الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قانوننا الروماني...

قانوننا الروماني...
20 سبتمبر 2012
“تاريخ الشرائع” كتاب جديد وقديم، صدرت طبعة جديدة منه وكانت طبعته الاولى صدرت قبل نحو نصف قرن، وحين صدر الكتاب كان مؤلفه يخاطب به طلاب جامعة الأزهر من الدارسين للشريعة وللقانون وفيه الكثير عن تاريخ التشريع وظهور الشرائع الاولى وصولا الى الشريعة الاسلامية ثم التشريع في بلادنا وتاريخنا المعاصر، حيث أخذت البلاد العربية بالقانون الأوروبي وبعضها تأثر بالقانون الفرنسي والآخر تأثر بالقانون الانجليزي، ويلقي المؤلف بالمسؤولية على الاستعمار الاوروبي في هذه القضية، لكنه يعترف بجانب آخر للمشكلة وهو ما يمكن تسميته عدم مسايرة التشريع الاسلامي لمقتضى الحال والعصر، هو في ذلك يقارن بين القانون الروماني والشريعة الاسلامية، ويجد أوجها للشبه بينهما، القانون الروماني توقف عند عهد الامبراطور جتيان الذي توفي عام 565 ميلادية. وبعد جتيان تمزقت الدولة الرومانية على النحو المعروف، ولكن كان القانون الروماني قد اكتمل بشكل ما، وصاغه جتيان في مجموعات ومواد محددة ومعروفة. نتائج متشابهة الشيء نفسه حدث بالنسبة للدولة الاسلامية فقد مزقها غزو التتار واحراق بغداد عاصمة الدولة الاسلامية وقتل الخليفة العباسي بصورة مروعة، يقول المؤلف “الظروف المتشابهة لابد ان تؤدي الى نتائج متشابهة، وقد أدت هذه الظروف في كلتا الدولتين الاسلامية ومن قبلها الرومانية الى نتيجة واحدة هي جمود الشريعة الاسلامية وجمود القانون الروماني”. ويتحدث المؤلف بالتفصيل عن الشريعة الاسلامية قائلا: “أما الشريعة الاسلامية فقد توقف الاجتهاد فيها في منتصف القرن الرابع الهجري ولم يكن الفقه قد اكتمل، حقيقة ان الفقه الاسلامي تضخم كثيرا لكنه لم يكن قد نضج ولا انتظم أمره ولا قعدت قواعده الكلية، بل كان استنباطا للاحكام مباشرة من القرآن والسنة من دون ان تتخلل هذه المرحلة مرحلة وسطى، هي تأصيل القواعد الموجودة في القرآن والسنة ووضع ضوابط لها كنظريات عامة واستنباط الاحكام من هذه النظريات العامة المحددة بدلا من الرجوع الى القرآن والسنة مباشرة ومبادئهما في كثير من الامور تحتاج الى تبيين وتقييد وتحديد ويصل المؤلف د. مختار القاضي الى نتيجة محددة هي ان الفقه الاسلامي لم يستطع ان يقدم لولاة الأمور في نهاية القرن التاسع عشر قانونا موحدا ونظريات محددة يمكن الاعتماد عليها في الاصلاح القانوني الذي استحدث في مصر عام 1883 ثم يقول: “اتخذ بعض ولاة من أسرة محمد علي ذلك النقص سندا لتطبيق القانون الفرنسي”. المؤلف هنا قاس في حق أمراء أسرة محمد علي لم يكونوا مارقين من الاسلام، كما قال ويذكر لنا التاريخ ان الخديو اسماعيل حين توسع في التعامل مع البلاد الاوروبية ولم تكن قوانين ومواد الفقه الاسلامي كافية لتغطية جوانب التعاملات الجديدة استنجد بالفقهاء وعلماء الازهر كي يقدموا له تشريعات جديدة تنطلق من الشريعة الاسلامية حتى لا يكون مضطرا للاخذ بالقوانين الأوروبية لكنهم خذلوه ولم تكن لديهم القدرة على الاجتهاد الفقهي والا كان لديهم الجرأة في تجاوز الفقهاء القدامى، رغم ان الواقع كان متغيرا ومتطورا وكان لابد لهم من الاجتهاد، فلجأ اسماعيل الى القوانين الجديدة ومع ذلك كان يعرضها على علماء الاسلام قبل تطبيقها.. الجرائم والحدود وفي بداية عهد الخديو توفيق نجل اسماعيل قام د. محمد قدري باشا وكان دارسا للشريعة الاسلامية وللقانون الحديث بتقديم صياغة للقانون المدني وللقانون الجنائي بما يتلاءم مع روح الشريعة والفقه الاسلامي، فيما عدا جرائم الحدود خاصة قطع يد السارق ورجم الزاني أو الزانية، فلم يتم حتى اليوم اجتهاد حقيقي بشأنها وبقيت معلقة الى اليوم لا هي مطبقة ومعمول بها، ولا فيها فقهاء المسلمين أو معظمهم، اذ يذكرون بها ويطالبون باعمالها، ومؤخرا ادلى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر د.أحمد الطيب بتصريح يفتح بابا للاجتهاد اذ قال ان هذه العقوبات في الاسلام كان المقصود بها في المقام الاول الردع والتخويف كي لا يسرق المسلم ولا يزني. يتحدث المؤلف عن الفقيه القانوني د. عبدالرازق السنهوري الذي درس القانون الفرنسي ودرس كذلك الفقه الاسلامي، واشاد السنهوري في العديد من دراساته بالفقه الاسلامي، وقد وضع السنهوري القوانين في عدد من البلاد العربية ويأخذ المؤلف على السنهوري انه كان يستطيع ان يدخل مزيدا من مبادئ الشريعة الاسلامية في هذه القوانين وخاصة وهو رجل ضليع في هذه المبادئ، وربما شهد بتفوق الشريعة الاسلامية على قانون بونابرت في اكثر من موضع في كتاباته ومؤلفاته العلمية، اما عذره عن القعود عن نصرة الشريعة الاسلامية في هذا المجال فلا اعرفه وربما كان له عذر في ذلك. يشعر د. مختار القاضي بالأسى لان القانون الروماني تطور فيما بعد، وتحديدا في عصر النهضة الاوروبية ومنه نبت القانون الحديث في بلاد اوروبا بينما لم يحدث ذلك بالنسبة للفقه الاسلامي ومواد الشريعة الاسلامية والحق ان ذلك يبقى مشكلة تمر بها المجتمعات العربية وهي تحتاج لاجتهاد فقهي وتشريعي، فضلا عن ارادة سياسية ومجتمعية لتحقيق ذلك، الازمة تكمن في اننا نتوقف امام القرن الرابع الهجري في الترجمة والأدب والفقه ونعتبره غاية المنى واقصى الطموح الذي نسعى للوصول اليه وهذا خطأ منهجي كبير، فما كان قائما وصالحا في القرن الرابع الهجري لم يعد صالحا اليوم، في ظل واقع جديد تماما وقضايا ملحة تتلاحق يوميا بشكل غير مسبوق. تاريخ الشرائع يستحق ان يدرس جيدا باعتباره تعبيرا عن أزمة تعيشها مجتمعاتنا وسببها يقع الصدام بين حين وآخر كما وقع في تونس مؤخرا وهو أمر قابل للتكرار في بلاد أخرى في مقدمتها مصر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©