الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

كيف نشأ الاتجاه العقلي في فكرنا الفلسفي؟

6 يناير 2007 02:27
د· عبد الجليل الوالي: سمحت الحضارة العربية الإسلامية بتحرير العقل إلى حدِّ كبير، بحيث ظهرت مخالفات تتناقض مع النظرية التي تحكُم الحياة، وكان عصر النبوة المبارك هو العصر الذي بدأ فيه تحكُّم العقل، إذ أن للقرآن الكريم دوراً كبيراً في تشكيل التيار العقلي، لما فيه من آيات تحثُّ على النُّظر العقلي والتأمُّل، وفي ضوء ذلك كانت بداية التأويل الذي انتظم فيما بعد ووضعت له شروطاً· وعندما نقول بداية التأويل نعني نشأة الاتجاه العقلي في الإسلام· وعليه فإن الاتجاه العقلي نبع من الإسلام بناء على هذا الحافز وجهود روّاده الأوائل المعتزلة· والجانب العقلي الآخر عند المسلمين هو القياس بالتمثيل، وعلى أساس أنه يرجع لمنطق أرسطو بينما هو يعود إلى الاجتهاد، والاجتهاد هو من إعمال العقل الذي يستدرك فيه لمعرفة حُكم شيء ليس فيه نص ولا إجماع على حكمة، فالاجتهاد هو البداية لمبدأ القياس· وإذا كانت هناك وقفة فلابد أن تكون مع المعتزلة، كممثلين للتيار العقلاني في الحضارة العربية، إذ إن نظرتهم للعقل نظرة غائية؛ فليست وظيفة العقل الوصول إلى المعرفة، بل منع العاقل مما لا يمنع غير العاقل نفسه منه، يقول الجبائي (إنما سُمي عقلاً لأن الإنسان يمنع نفسه به عمّا لا يمنع المجنون نفسه عنه)، ويقول واصل بن عطاء: (الحقيقة تعرف بحجة عقل)، ويقول أبو الهذيل العلاف: (منه علم الاضطرار الذي يُفرِّق به بين نفسه والحمار وبين الأرض وما أشبه ذلك، ومنه القوَّة على اكتساب العلم)· عليه فإنهم يقيمون العقل، ولولاه لما كانت معرفة، وفي الوقت ذاته يؤمنون بالحرية الإنسانية، ومذهبهم في التكليف قائم على الحرية، فلا ثواب ولا عقاب بلا حرية، ووحَّد المعتزلة بين العقل والمعرفة، فكانوا أكثر اتساقاً مع روح المذهب الاعتزالي· أما فلاسفتنا فقد عرَّف الكندي العقل بأنه (جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها)· وللفارابي نظرية في العقل أيضاً، وهي عبارة عن مزيج بين أراء أفلاطون وأرسطو وعقيدته الدينية، وانتهى الفارابي من خلالها إلى التقسيم الرُّباعي المعروف عنده للعقل والذي يتفق عليه أغلب الفلاسفة المسلمين، وهو: العقل الهيولاني، والعقل بالفعل، والعقل المُستفاد، والعقل الفعّال· وقال الفارابي: إن القوة العاقلة هي جوهر بسيط مفارق للمادة، تبقى بعد موت البدن، وهو الإنسان على الحقيقة· كان ابن سينا قد جمع بين الفكر اليوناني، فكر أفلاطون وأرسطو، وأراء الكندي والفارابي، وتوصَّل أيضاً إلى التقسيم الرُّباعي للعقل· وفي قصة (حي ابن يقظان) يعتقد ابن سينا بأن العقل هو الطريق الموصل إلى الملكوت الأعلى، ومن يستطيع التغلُّب على شهواته، ويخضعها لحكُم العقل، يستطيع أن يرتقي إلى أعلى الدرجات، والعقل عنده هو ميزان الحق· من جهته أورد أبو حامد الغزالي حديثاً عن ابن عباس عن الرسول (ص) جاء فيه: (لكل شيء آلة وعدَّة، وأن آلة المؤمن العقل، ولكل شيء مطيَّة، ومطيَّة المرء العقل، ولكل شيء دعامة، ودعامة الدين العقل، ولكل قوم غاية، وغاية العباد العقل، ولكل قوم راع، وراع الصابرين العقل، ولكل تاجر بضاعة، وبضاعة المجتهدين العقل، ولكل أهل بيت قيم، وقيم بيوت الصديقين العقل، ولكل خراب عمارة، وعمارة الآخرة العقل، ولكل أمريء عقب ينسب إليه ويذكر به، وعقب الصديقين الذي ينتسبون إليه ويذكرون به العقل، ولكل سفر فسطاط، وفسطاط المؤمنين العقل)· وابن باجه من جانبه وضع للعقل ثلاث مراتب، هي: الصور الروحانية، والمعقول، والعقل الفعال· ويعتمد في نظريته بالعقل على فكرة التفاضل بين الناس على أساس مراتب العقل، وكلما تخلَّص الإنسان من المادَّة والحس، ارتقى إلى مرتبة نحو الصور الروحانية وكلما ارتقى أكثر حقق غايته الإنسانية· ابن طفيل، الفيلسوف الإشراقي، وضع أيضاً نظرية في العقل في رسالته (حي ابن يقظان) تقوم على الانتقال من الأدنى إلى الأعلى، ومن الحس إلى المجرَّد، ومن الكثرة إلى الواحد، لأنه يعتقد بأن للمعرفة طريقين: أحدهما عقلي، والأخر نقلى، وفي حي ابن يقظان ركَّز ابن طفيل على الطريق العقلي لأن الإنسان بطبيعته مُعَد لمعرفة الحقائق الإيمانية · ولاحظ ابن رشد أن المجتمع الإسلامي تمزِّقهُ الانقسامات، ولابد من توحيد هذا المجتمع، وأن توحيده لا يتمُّ إلا بالعودة إلى الأصول الثابتة، وهذه الأصول هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبويةُ، وهما الأصل الأول، أما الثاني فهو الاعتماد على منطق العقل، لذا وضع شروط للتأويل، هي: 1- احترام خصائص الأسلوب العربي 2- احترام الوحدة الداخلية للنَّص الديني 3- مُراعاة المستوى العقلي لمن يوجَّه إليه التأويل· أخيراً، يمكن القول إن هذا التيار العقلي في الحضارة العربية الإسلامية بدأ من المعتزلة وصولاً إلى ابن رشد، يوازيه تيار أخر يدعو إلى التمسُّك بالنَّص، ويمثله ابن حزم والإمام الغزالي، ويعتقد الباحثون أن وجود هذين التيارين، بعضهما إلى جنب بعض، إن هو إلا انعكاس لنظرية التوازن في الحضارة العربية الإسلامية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©