الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيطان الصغير

الشيطان الصغير
21 سبتمبر 2012
(القاهرة) ـ عاد الزوج مخلص، وهو اسم على مسمى إلى بيته في المساء كالمعتاد بعد صلاة العشاء أنهى عمله الخاص في التوصيلات الكهربائية، فتلك مهنته منذ الصبا وقد اتقنها واحبها حتى اقترب عمره الآن من الخمسين وعاد يحمل بين يديه الخبز واللبن وبعض أكياس الفاكهة بكميات محدودة لأنه يقيم هو وزوجته وحدهما، ولم يرزقا بأطفال وقد مر على زواجهما أكثر من سبعة عشر عاما، أسلما أمرهما لله إذ اكد لهما الأطباء أن الأمل في الإنجاب مفقود وهذا لم يؤثر في علاقة الزوجين بل زادها ارتباطا وقوة. قبل أن يقترب من شقته وضع يده في جيبه ليخرج المفتاح لأنه يعلم أن الباب مغلق وزوجته في هذا الوقت لا تفتح لأحد وهي تفعل ذلك منذ أن تزوجا إذا حل المساء تغلق الباب ويتولى الزوج فتحه بنفسه بمفتاحه. الغريب أن مخلص عندما صعد السلم في الطابق الثالث، وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه وجد الباب مفتوحا على غير العادة فاعتقد انه ربما تكون إحدى الجارات قد جاءت لزيارة زوجته أو أنها تريد منها شيئا ما أو تشكو لها من زوجها أو أبنائها أو بناتها ولأنه متأكد أن زوجته لا تستقبل في مثل هذا الوقت، إلا النساء من الجارات فكان لابد أن ينذرهم بقدومه وألا يفاجئهم؛ فالرجل يعرف الأصول يدق جرس الباب حتى تعرف زوجته انه في طريقه إلى الداخل، وإن كانت هناك امرأة غريبة فسوف تعرف أن رجل البيت قد حضر لكن لم يرد احد عليه فأعاد دق الجرس مرة أخرى وأيضا لم ترد زوجته، واضطر أن يرفع رأسه الذي كان ينكسه حياء حتى لا يمتد طرفه إلى أي امرأة غريبة ربما تكون في الداخل فألقى نظرة ملؤها القلق فوجد الأضواء مطفأة والظلام يخيم على الشقة كلها. اعتقد الزوج في البداية انه ربما تكون زوجته قد نامت ونسيت الباب مفتوحا مع أنها ليست بهذا الإهمال ولا تفعل مثل هذا من قبل، لكنه كان حسن الظن وحتى لو فعلت ذلك ما كان يعتزم أن ينهرها او يغضبها وإنما يلومها برفق خاصة وانه طوال عشرتهما الزوجية الطويلة لم ير منها ذلك أبدا، والمرأة عاقلة رشيدة وقد تخطت الثانية والأربعين من عمرها وتعرف حسن التصرف وتحافظ على حرمة البيت في غياب زوجها وحضوره. وضع الأشياء التي يحملها على المنضدة القريبة من الباب الرئيس، ومد يده ليضغط على مفتاح الكهرباء فأناره وهو يسمي الله ويرفع صوته بالسلام حتى لا يزعج زوجته ولا تصاب برعب إذا كانت نائمة وتشعر بوجوده. وقعت عينا الرجل على شيء غريب دماء على الأرض والمفروشات والهيئة التي وجد عليها زوجته ملقاة على السجادة لم يدر بذهنه أن تكون قتلت، وإنما قد تكون أصيبت بنزيف او إغماء وفقدت الوعي مع أن ذلك لم يحدث لها من قبل، لكن هذا ما ورد على خاطره وان كان بينه وبينها خطوات معدوده لم تستغرق سوى ثوان، لكن كل الاحتمالات تزاحمت وتداعت إلى رأسه والمسافة بينهما لا تزيد عن ثلاثة أمتار، شعر كأنها عدة أميال وعندما وصل لم يصدق ما رأت عيناه زوجته جثة هامدة فارقت الحياة وترقد في بركة من الدماء، في رقبتها جرح ليس كبيرا لكن يبدو أنه السبب في وفاتها بجوارها سكين لم يستطع في البداية أن يجزم إن كانت قتلت أو أصابت نفسها بها، وهي تستعملها لكن هذا احتمال بعيد. نظر الرجل عن يمينه حيث المطبخ فوجد آثار حريق وتنبه إلى انبعاث رائحة الغاز وان الأسطوانة مفتوحة وهناك تسرب فاسرع بإغلاقها، لكن يبدو انه كان بها كمية قليلة وما هذا إلا بقايا الرائحة لكن الغريب أيضا ان هناك آثار حريق في المطبخ ما جعل الرجل يعتقد أيضا انه ربما تكون زوجته فوجئت بالنيران وعندما حاولت الهروب منها سقطت على السكين وأصيبت وماتت، لم يتطرق إليه أبدا أن تتعرض زوجته لمكروه بفعل فاعل وهرول يستغيث بالجيران في الطابقين الأعلى والأسفل منه حيث لا يوجد احد بجواره فالبناية في منطقة متوسطة وتقوم على طابق واحد وتضم أربعة طوابق هو يقيم في قبل الأخير منها. جاء الجيران بسرعة رجالا ونساء مذعورين غير مصدقين أن جارتهم التي يحبونها قد تعرضت لمكروه، وبكوها جميعا وكان الأطفال اكثر تأثرا لأنها تعطف عليهم وتعوض فيهم ما حرمت منه وتعتبرهم جميعا أبناءها، فنالت حب كل من حولها ومن عرفها ولذلك كان الجميع في دهشة وتعجب غير قادرين على وضع أي احتمال حتى أن تلك المعلومات وضعت رجال البوليس في حيرة فالمرأة ليس لها أي عداوات ويشهد لها الجميع بحسن الخلق وحسن الجيرة، فلم يحدث بينها وبين اي من الجيران يوما اي خلاف بل هي التي تسارع دائما للإصلاح بينهم إذا حدث ذلك وتجود بما بين يديها وكريمة بلا حدود. كان هذا هو الرأي الذي أجمع عليه كل الجيران صغارهم وكبارهم عندما تم سماع أقوالهم في محضر الشرطة لجمع المعلومات في محاولة للوصول إلى القاتل الذي لم يترك وراءه حتى الآن أثرا، ويبدو انه محترف والمرجح انه يعرف أن المرأة في هذا الوقت تكون في الشقة بمفردها فأراد أن يستغل الفرصة لسرقتها وواضح أن القتيلة حاولت أن تقاوم المجرم لأنها مصابة بجرح آخر في يدها وليس لذلك احتمال آخر. المصائب لا تأتي فرادى في نفس الوقت كان هناك حادث آخر في البناية فقد اختفى الصبي علاء التلميذ بالإعدادية لم يعد من المدرسة حتى الآن رغم انه مر على موعد عودته اكثر من عشر ساعات، لكن انشغال الجميع بتلك الجريمة جعلهم ينسون أبناءهم واصبح المصاب مصابين والقلوب تكاد تنخلع من الصدور وأبوه يتصل به على هاتفه لكنه لا يجيب، ولابد انه تعرض لحادث هو الاخر أو لمكروه من أي نوع يمكن التنبؤ به ما لم يصلوا إليه أو إلى خبر عنه. المحمول يعمل لكن الصبي لا يرد لكن بعد أن اقترب الفجر أخيرا رد “علاء” وهو خائف لأنه لم يعد إلى البيت. المؤكد كما يبدو من صوته انه يرتجف وفي حالة غير طبيعية غير قادر على التركيز وحوله ضجيج لم يستطع أن يتفوه بجملة مفيدة، لكن المهم على أي حال انه بخير وبصعوبة بالغة استطاعوا أن يفهموا منه انه متواجد في تجمع شبابي كانوا محتجين على بعض الأوضاع السياسية واندس بينهم كي لا يعرف احد مكانه، ولا يكشف سر عدم عودته إلى المنزل إلى هذا الوقت وهو لم يعتد ذلك وليس له في السياسة ولا الاحتجاجات. جاءوا به لكن الضابط الذي مازال يجمع المعلومات عن جريمة القتل لمح بقعة دماء على بنطال الصغير وجرحاً في يده فسأله عنهما فادعى انه أصيب في التظاهرة التي كان يشارك فيها بسبب التدافع والتزاحم. المؤكد أن الصبي يكذب لأن الجرح من آلة حادة واجهه الضابط بملاحظته فلم يستطع الصغير مواصلة الكذب وانهار في البكاء وقال: سأعترف بكل شيء أنا قتلت “ماما شيماء” اندهش الجميع وحملقوا فيه، ولم يصدقوا ما يقول فهو خارج نطاق العقل والواقع. انفرد به المحقق ليسمع منه التفاصيل وكيف وقعت الجريمة. وقال انه كان عائدا من المدرسة وقد اعتاد أن تقابله جارته التي تعامله مثل امه بل هي أكبر منها سنا وتعطيه الحلوى وتعطف عليه لكنها هذه المرة تصرفت معه بشكل مختلف لقد راودته عن نفسه، فحاول التخلص منها، فدفعها بقوة وسقطت على الأرض، وهرب خشية أن يضربه أبوه ولم يكن يقصد قتلها. أقواله تبدو ساذجة ولا يصدقها عقل فمع كل ما قاله الجميع وشهدوا به من المستحيل أن تتصرف المرأة العاقلة الخلوق هذا التصرف الصبياني الطائش، والدليل الآخر أن المرأة مذبوحة ولم تمت بسبب سقوطها على الأرض فكانت تمثيليته هابطة تأليفا وتمثيلا وإخراجا فواجهه المحق بكذبه، وأنها ماتت مذبوحة بخلاف ما يدعي. وانهار القاتل الصغير أخيرا واقر بالحقيقة المرة بانه عندما عاد من المدرسة كانت جارته تقف داخل شقتها والباب مفتوح ألقى عليها التحية فرحبت به كالمعتاد، وطلبت منه أن ينتظر قليلا ليحمل معه قطعة من “الكيك” إلى امه وإخوته أعدتها لهم واتجهت نحو المطبخ لتحضرها له فتابعها بنظرة شيطانية، ودون أن يفكر دخل وراءها ففوجئت به يحاول أن يمد يده إليها فنهرته وهي لم تعتد منه ذلك ولم يصدر منها ما يدفعه إلى الطمع فيها. يقول القاتل الصغير “تناولت سكينا وهددتني بها حينها لم اخش أن تقتلني ولكن خشيت من الفضيحة إذا علم أبي والجيران بأنني فعلت ذلك فحاولت أن احصل منها على السكين ودفعتني خارج المطبخ بقوة كدت اسقط على الأرض، وتماسكت وتوقفت وبسرعة جذبت السكين وطعنتها في رقبتها فسال الدم غزيرا وسقطت على الأرض، حاولت أن اخفي معالم الجريمة ففتحت اسطوانة الغاز، وأشعلت النيران لتحترق الشقة والجثة وتضيع المعالم، وتختفي الأدلة لكن فشل المخطط كله”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©