الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التاجر سليمان رائد الرحلات البحرية إلى الشرق الأقصى

21 سبتمبر 2012
(القاهرة) - كانت رحلة التاجر سليمان من أشهر الرحلات وأقدمها إلى بلاد الهند والصين، ودون خلالها الكثير من المعلومات التي تعتبر وثائق من الدرجة الأولى لوصف طريق التجارة بين الخليج والهند، لأنه حسن الملاحظة وصريح العبارة، فكانت رحلته مصدرا مهما للباحثين في مجال الجغرافية والتاريخ والاجتماع والحضارة العربية في القرنين الثالث والرابع الهجريين. وقال الدكتور منتصر مجاهد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس إن سليمان رحالة وتاجر، رائد الرحلات البحرية الى الشرق الأقصى، عاش في القرن 9 الميلادي، وأغلب الظن أنه اتخذ إحدى المدن على ساحل الخليج العربي مقرا له، وليس هناك معلومات كثيرة عن حياته، ويعرف عنه قصة سفره للمتاجرة إلى الهند والصين، ووصفه الدقيق لهذه الرحلة في مذكرات حتى إن المستشرق “فيران” تمكن عن طريق هذا الوصف من تحديد خط سيره على الخريطة الحديثة، ووجد أن سليمان مر في طريقه بجزيرة سيلان، والهند والهند الصينية وانتهى الى كانتون، واستغرقت رحلته البحرية زهاء أربعة أشهر. وأوضح أن سليمان التاجر قام برحلته في النصف الأول من القرن الثالث الهجري الموافق للنصف الأول من القرن التاسع الميلادي، وانطلق من ساحل الخليج العربي متوجها إلى الهند والصين وفي الطريق إليهما مر على بلدان ومدن وموانئ ومراكز تجارية وشعوب متعددة جمع عنهم وعن عاداتهم وأحوالهم معلومات جغرافية وتجارية وملاحية طريفة وصفها وصفا ممتعا وعرضها عرضا شيقا وموجزا في كتاب دونه سنة 237 هـ-851م، بعد عودته من رحلته، غير أنه لم يعرف له عنوانا، ورتب الكتاب ترتيبا جغرافيا، وقسمه إلى فصلين، وتحدث في البداية عن البحار وبين أسماءها، وتناول المظاهر الطبيعية فيها، وعرض لموضوعات متنوعة وحافلة بالمعلومات الجغرافية والفلكية والعلمية الواقعية والأسطورية المتداولة في ذلك العصر. وصف الجزر وأشار إلى حديث التاجر سليمان عن بحر هركند “خليج البنغال” وإسهابه في وصف الجزر التي تقع على هذا البحر، وذكر أنها تبلغ نحو 1900 جزيرة تملكها امرأة، وتناول بشيء من التفصيل النشاط الاقتصادي لسكان هذه الجزر وأهم الموارد الاقتصادية فيها، وحرص على توفير معلومات دقيقة عن السلع والبضائع المنتجة، ووفرتها في هذه المناطق وكيفية بيعها وشرائها، وتناول حركة التجارة بين السكان، وأسلوب العيش، ومصادر الكسب، وطبيعة العلاقات السائدة بين أهل الجزر. وذكر أن السلطات الصينية آنذاك قد عينت في مدينة خانفو قاضيا من المسلمين، يتولى إدارة شؤون المسلمين الدينية والاجتماعية، ويحكم بينهم وفق الشريعة الإسلامية، وهو ما يبين المكانة المرموقة التي كان يحظى بها التجار المسلمون في الصين. واعتبر الباحثون سليمان التاجر أول من قدم وصفا قيما للطريق التجاري البحري الذي يربط منطقة الخليج العربي بالهند والصين، ومع ضلوعه وفهمه في علم الجغرافيا حين اهتم بذكر المسافات بين الموانئ والمدن والمحطات والمراكز التجارية والمسافات بينها، وأوضح أماكن تواجد المياه العذبة الصالحة للشرب وتعرض إلى ذكر الصلات التجارية بين منطقة الخليج وبلدان المحيط الهندي والمحيط الهادي. الظواهر والعجائب وأشار إلى حجم المكوس التي تجبى من السفن الإسلامية والصينية أثناء مرورها بالموانئ والمدن الواقعة على الطريق التجاري البحري إلى الهند والصين، كما رصد بعض الظواهر والعجائب الفلكية والبحرية التي شاهدها في طريقه إلى الصين مثل المد والجزر، وجبل النار، والسمك الذي يطير، والسرطان البحري الذي يتحجر إذا خرج من البحر، وحرص على وصف عادات أهل الصين الدينية، والاجتماعية، والسـياسية وطقوسهم، فتناول صفة اللباس العام الذي يرتدونه، ونوع الطعام الذي يأكلونه كالحبوب واللحوم والفواكه وكشف عن أنواع الشراب المفضل لديهم، كما كشف كذلك عن جملة من العادات والتقاليد السائدة بينهم والخاصة بهم. وبين أن سليمان التاجر تطرق إلى الحديث عن الهند وأسهب في وصف الطقوس الدينية، والعادات والتقاليد المتوارثة والمنتشرة بين الناس، مثل عبادة الشمس، وتعدد الملوك والممالك الهندية، وتعرض بالتفصيل لملوك الهند وألقابهم، ونعوتهم، وصفاتهم، وخصالهم، ومناقبهم، وسعة ملكهم، وتاريخهم، وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، والعلاقات السياسية والعسكرية بينهم وبين من يجاورهم من ملوك العرب والصين، ومصادر ثرواتهم دوابهم، وأهم الواردات التي تحمل إليهم. أنظار المستشرقين وقال الدكتور منتصر مجاهد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس إن رحلة التاجر سليمان لفتت أنظار كبار المستشرقين في القرن الثامن عشر، فظهرت لها منذ عام 1718م ترجمة فرنسية، وكانت هذه الترجمة مدعاة إلى اختلاسها وإضافة أشياء من بعض المغامرين ونسبتها إلى أنفسهم، ويعود الفضل في دراسة هذه الرحلة وتحقيق نصوصها إلى المستشرق الفرنسي رينو، ثم جاء بعده المستشرق الفرنسي أيضا فيرن وأعاد تحقيقها وترجمها بمنهجية عالية. ثم عثر في السنوات الأخيرة الببليوغرافي التركي الشهير، فؤاد سزغين خلال دراساته على نسخة أكمل من هذا الكتاب وطبعها في ضمن النصوص العربية النادرة، وقد طبع “المجمع الثقافي” في أبوظبى الكتاب بالاستناد إلى نسخة باريس في عام 1999م.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©