الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا لإذلال الآباء

3 أكتوبر 2011 21:19
فرشت له خدها وروت له قصة من خضرة صباها، عندما احتضنته أول مرة بعد صرخته الأولى، اختلط دمعها بابتسامتها، تداخلت مشاعرها، تمنت له كل معاني السعادة، وتفكرت في كل تلاوين حياته وما ستكون عليه مسبقا. ككل أم اعتركت صباحات الأيام لتظلل وليدها من شموس الصباحات الحارقة، رسمت ابتسامات خلف دموعها، احترقت حبا وقلقا، وككل أم يفزعها وجع وليدها وشكواه، سهرت الليالي وكفكفت دموعه، ربما تصورت كل ما ستؤول إليه حياته، وما سيذيقه لهما الزمان من فراق وبعاد، لكن لا أظن أنها فكرت يوماً في الانتحار من أجله، قرار لا شرعية له أبدا، لكن هكذا اختارت دون روية ولا تحكيم عقل، هكذا أرادت أن يختلط دمها بدمه، عندما سقط وليدها من الدور الثامن، ألقت بنفسها في طاحونة الموت ومن نفس المكان قبل أن يبرد دمه، عافت أن تظل أشلاء بعده فوق التراب، عافت تعفن وتحلل مشاعرها بعده، لم تسمح للضجيج أن يكبر من حولها، ولم تسمح لدموعها بالتساقط لتغسل قلبها المكلوم، وفي ثوان قليلة أصبحت الأسرة في تعداد الزمن الماضي. كل الأمهات لا يستحملن فراق وبعاد أولادهن حتى ولو أحياء، يعزين أنفسهن بمعاودة اللقاء، فكيف أن يفارق الابن الحياة؟ فهذا أفجع ما قد تتعرض له أم، وككل أم تفقد وليدها تحترق مشاعرها، ويغيب اهتمامها بتفاصيل حياتها، تغرق في الدموع، وتخبو دافعيتها نحو الحياة، مهما كان إيمانها قويا. هكذا هن الأمهات والآباء يتوزعون أشلاء وأشلاء من أجل فلذات أكبادهم، يرقبون إخضرار أيديهم، تظللهم مشاعرهم الدافقة، يرسمون للحياة معاني، ومع ذلك قد يأتي يوم وبعد كل التضحيات والاحتراقات تجد أبا أو أما في إحدى دور العجزة يطويه النسيان، يذرف الدمع، يمني النفس بزيارة أحد أولاده، لينساب الحديث بينهما عذبا، ويتسلل الفرح لمهجته كما كان يفعل هو في السابق مع صغيره، لكن تجد بعضهم اليوم في هذه الدور، يستجدي الحب، لا حول ولا قوة له، فكيف لهؤلاء الأبناء بعد كل العناء أن يرمين بقلوب رحيمة في دور مهما عرفت من دفء تظل باردة؟ ومهما تولت هذه الدور حماية هؤلاء ومنحتهم الكرامة فيما تبقى من حياتهم، فالأمر صعب الاحتمال خاصة إذا كان أولادهم ينعمون بالحياة، يستمتعون فيها، ينظرون لأولادهم بكل شغف يرقبون الفرحة في أعينهم، وما القول إلا أن هؤلاء حتما سيشربون من نفس الكأس الذي شرب منه آباؤهم. فليراع كل ابن مشاعر والديه، وليضعهما في عيونه فرضاهما من رضا الله سبحانه وتعالى، إذ جعلهما في مرتبة جليلة بعده، حيث قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً).النساء:36، والملاحظ أن الله قد قرن توحيده، وهو أهم شيء في الوجود، بالإحسان للوالدين، كما قال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) لقمان:14. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©