الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

عصر السرعة

8 يناير 2007 01:34
صفات كثيرة أعطت للوقت فهما متأرجحا بين ازدواجية الكسب والخسارة ، البطء والسرعة، الثمين والضائع، المناسب والمتضارب،·· الخ· وما يهمني من هذه العلاقات المنسجمة والمتصادمة أحيانا هو موقع المواطن الإماراتي من معادلات الوقت، فبالوقت نستطيع قياس الزمن وفهم الظروف المواتية والعوامل المعيقة عند دراسة الظواهر والتغيرات الاجتماعية· إن القفزة الاقتصادية النوعية التي جلبت ضجيج الآلات لمجتمع آمن جلبت معها - وبسرعة- بشرا سارعوا بدورهم في إنشاء البنية التحتية لمجتمع في طريقه إلى التحضر والتمدن، لذا كان على المواطن مواكبة توقعات العصر أو السقوط عمدا في دوامة التاريخ، والمعضلة هنا أنه لم يدرك يوما أن الوقت قد يفرض عليه هذه الواجبات· ولعل لدخول أولئك البشر وحاجتنا للسير على سرعة نهج التطور عوامل أسهمت في خروجنا عن أسلوب حياة ونمط عيش مكتسب ومألوف، على سبيل المثال لو استمعنا لأغان قديمة للمرحوم جابر جاسم يدهشنا بطء الغناء وتثير شجوننا وقد تبكينا عوامل ربطت القصيد بالصوت واللحن والوقت· ما هي هذه العوامل ومن هم مدركوها؟ إن العامل الرئيسي هو احترام الموسيقى والاستماع إليها بكل المشاعر والوجدان، لذا فإن الصبر ميزة ربطت محبي الغناء لتذوق الإبداع بتأن وروية· ثم في قفزتنا ومراحل مختلفة من تحولاتنا إلى التمدن والتحضر أصبحنا فاقدي الصبر، فأتت الأشرطة التي تحتوي على مقاطع من أغنيات مختلفة تحمل المستمع من صوت إلى صوت ومن مزاج إلى مزاج آخر على مدى طول الشريط· تلت هذه الفترة موجة عارمة من الترويج لأشرطة للمقاطع ذاتها ولكن بسرعة كادت تكون هزلية وآلت هذه التحولات إلى ضوضاء تنسب إلينا عند الحديث عن أنواع الطرب المحلي أحيانا· لقد كان للغناء والموسيقى خواص أسهمت في احتواء الذاكرة والسيطرة على الوقت، فلم تكن هناك سيارة تخلو من أشرطة تذهب الوقت أو تزينه للعشاق والمسافرين· ولكن السرعة أذهبت كل ذلك فسائق السيارة اليوم لا يأبه بأي شيء يستمع ويركز عينيه ويديه على قلبه للوصول إلى وجهته سالما· ومراراً استوقفني سؤال ''ترى ما هو السر وراء قيادة أبنائنا سياراتهم بسرعات تعرضهم والآخرين للموت؟'' ثم أدركت أنها محافظة من بعضهم على الوقت، فهو أو هي لا يريدون أن يعرفهم العالم على أنهم ناس ينقصهم الالتزام أو إدارة الوقت· ولكني لازلت أجهل لماذا يسرعون في الشوارع المزدحمة والطرق العابرة حتى نجدهم في نهاية المطاف يتمشون ببطء في المراكز التجارية أو جالسين على كراسي المقاهي ينظرون إلى المارة وكأن الوقت لم يكن عنصرا مهما في وصولهم قط؟ وعلى نقيض ذلك نسمع عن أرباب العمل ونفورهم من الموظفين الذين يستخدمون الزحمة وبطء حركة السير كسبب من أسباب تأخيرهم عن العمل· ولا نقف هنا، فالسرعة تفرض على أطفالنا الصغار من أجل أن يبلغوا جسديا بالتهام مأكولات تحتوي أغلفتها على ألياف أكثر غنى وفائدة لأجسامهم عن الوجبة نفسها · وحين ينظر الواحد منهم إلى المرآة يرى نفسه كبيرا وبالغا ويتعين عليه حينئذ أن يطور من مهارات تكسبه تجاوزت للقيم والمفاهيم فهو أدرى بأنه عليه التمرس والتدريب في فنون الحوارات، خصوصا تلك ذات الطلق العشوائي· أطفالنا لا يتجاوزون الحدود عندما يحاوروننا بطلاقة ولكنهم أعلم بتقنيات صراع البقاء طالما بقي ستار الطفولة مسدولا وواقيا· ويبقى السؤال··أين يقع المواطن الإماراتي من معادلات الوقت؟ لكي نعي هذه الظواهر والتحولات علينا أن ندرسها وأن ندرك أن هموم اليوم مهمة وعليها أن تحاكي الواقع وتناقشه بلا تحفظات، نحن في عصر السرعة الذي تزامن مع بزوغ فجر أمتنا الذهبي ولكن تراثنا يذكرنا دوما بأن هناك ثمة مفاهيم لا يعني الوقت وسرعته لها شيئا كعبارة بن ظاهر المديدة: ''يت بشعرة تنقادي الدنيا يوم أقبلت ويوم أدبرت ما فادي سلاسل قطعت''· د· عائشة بالخير moc.liamtoh@nrettaphcae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©