الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تناقضات القهر والشرعية روسيا وقبضة بوتين الحديدية

تناقضات القهر والشرعية روسيا وقبضة بوتين الحديدية
26 فبراير 2008 02:14
قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في شهر ديسمبر الماضي، خرج مشرفو العمال في مصنع ''جاز'' لصناعة السيارات في ''نيزني نوفجرود'' وجمعوا كافة العاملين في المصنع ووجهوا لهم أمراً مشدداً بفعل الآتي: إما أن تصوتوا لحزب الرئيس بوتين ''روسيا المتحدة'' أو···· ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل تلاه توجيه آخر بأن يجري كل واحد منهم مكالمة هاتفية من داخل مركز الاقتراع عقب الإدلاء بصوته لكي يؤكد أنه صوّت لحزب روسيا المتحدة فعلياً· كما قيل لهم إن جميع أسماء العاملين سوف تتم مراجعتها وفحصها في مركز الاقتراع، وإنه سوف تتم معاقبة أي عصيان لتلك الأوامر· ليس ذلك فحسب، بل كان لأطفال المدينة أيضاً دورهم في الخدمات الانتخابية الموالية لحزب ''بوتين''؛ فقد صرف لهم أساتذتهم في المدارس موادَ دعائية عن ''خطة بوتين'' مع توجيه بالضغط على آبائهم من أجل التصويت لصالح الخطة، بل جرى تهديد بعضهم بنيل درجات أكاديمية سيئة في حال عدم حضورهم لما يسمى بـ''استفتاءات الأطفال'' في مراكز الاقتراع، والمقصود بهذا التهديد ضمان حضور آبائهم إلى مراكز الاقتراع والتصويت لصالح حزب روسيا المتحدة الحاكم· وفي غضون ذلك، تطوع موالون للحزب بإجراء مئات المكالمات الهاتفية لمراكز أحزاب المعارضة -منها حزب ''اتحاد القوى اليمينية''- على مدار ساعات اليوم، لتحذير المعارضة من العمل لصالح مرشحيها· وكالعادة لم يأت ذلك التحذير متساهلاً، وإنما أردف بتهديدات قوية بأن الأذى سيطال كل من ينشط في العمل من أجل المرشحين المعارضين لحزب روسيا المتحدة، هو وعائلته معاً· وعلى امتداد الثمانية أعوام الماضية، وتحت شعارات إحياء روسيا من تحت رماد عقد التسعينيات وأزماته، واصل ''بوتين'' شن حملة لا هوادة فيها على الديمقراطية، إلى جانب توسيع نفوذه على الجهاز الحكومي وأجزاء واسعة من الاقتصاد الروسي، وضمن تلك الحملة تمكن ''بوتين'' من قمع حرية الإعلام وتأميم الكثير من الصناعات الوطنية الحيوية، والبطش بالمعارضة السياسية، ونشر قوات الأمن بهدف التنفيذ القسري لأوامر الكريملن ورغباته· وعلى الرغم من أن جميع هذه الأساليب والتكتيكات قد باتت مكشوفة ومعروفة على نطاق واسع في روسيا الآن، إلا أنها طبقت بدرجة أكبر من الصرامة والحزم هنا في مدينة ''نيزني نوفجرود'' -الواقعة على بعد 250 ميلاً شرقي العاصمة موسكو- وفي عشية الانتخابات الأخيرة هذه، التي تزامنت مع ترشيح ''بوتين'' لمستشاره ''ديمتري إي· ميدفيديف'' خلفاً له في الكريملن عقب الانتخابات الرئاسية المرتقبة، برزت هذه المدينة النائية باعتبارها مثالاً صارخاً على الكيفية التي تمكن بها ''بوتين'' وأتباعه من توطيد أركان دولة الحزب الواحد· يقيناً فإن روسيا ''بوتين'' الحالية، لا صلة لها بالاتحاد السوفييتي السابق؛ فقد أصبحت الحياة الآن أكثر حرية، كما أصبح الكريملن أكثر قابلية لتوجيه الانتقادات لأدائه، طالما أن هذه الانتقادات لا تعبر عن حركة سياسية منظمة مناوئة له، إضافة إلى الحرية المطلقة التي يتمتع بها المواطنون في استخدام الإنترنت حالياً، أما في الجانب الاقتصادي، فليس في وفرة السلع الاستهلاكية ولا النمو الاقتصادي المتصاعد الذي تحققه روسيا اليوم ثمة صلة بما كان عليه حال الاقتصاد في ظل النظام السوفييتي· لكن وعلى رغم هذا الاختلاف الواضح بين الروسيتين، إلا أن اللقاءات التي أجريت مع عدد من القادة السياسيين، وكذلك مع العشرات من سكان المدينة خلال الأسابيع القليلة الماضية، أكدت اعتقادهم بأن بيروقراطية جديدة تحكم روسيا وتمسك بخناقها، فمن الواجهة الديمقراطية الخادعة، تكمن سلطة مركزية قابضة لم تتوان في نشر عناصرها وكوادرها الموالين لها على امتداد روسيا كلها، وهو كادر لا يتهاون مطلقاً في إخراس صوت كل من تسول له نفسه مناهضة الحزب الحاكم· وبسبب حالة الذعر العام التي بثتها هذه العناصر، فقد رفضت غالبية من شملتهم اللقاءات الصحفية الخاصة بإعداد هذا التقرير، ذكر اسمها فيه· ومما هو معلوم إغلاق السلطات الحكومية لمقار عدد من الصحف في مدينة ''بطرسبيرج'' ومداهمة مراكز الأحزاب السياسية المعارضة لها في ''سيبيريا''، ولذلك فليس مستغرباً أن يوجه ضباط مكافحة الجريمة المنظمة في سمارا، اتهامات بارتكاب جرائم مالية لأحد كبار مسؤولي المعارضة هناك، قبيل أيام فحسب من انتخابات ديسمبر البرلمانية، مصحوبة بتجميد أرصدته المصرفية· وهنا في هذه المدينة النائية الواقعة على ضفاف نهر ''الفولجا'' تمكن أنصار ''بوتين'' وحلفاؤه من فرض سيطرتهم على كافة المكاتب الحزبية تقريباً، ما جعل من الانتخابات نفسها مسألة شكلية لا أكثر، والمثير للاهتمام أنهم يدافعون عن هذه السياسات علناً· فعلى حد قول ''سيرجيي نيكراسوف'' -زعيم حزب روسيا المتحدة في ''نيزني نوفجرود''- بقوله: لقد تعب الشعب الروسي من التواءات الديمقراطيـــة ومراوغتهـــا، وهو رأي يعكـــس نوعــــاً ما، صوتـــاً تتردد أصــداؤه في أنحـــاء روسيـــا كلهــا، ألا وهو رغبة الشعب الروسي في الاستقرار والازدهار الاقتصادي، أكثر من تمسكهم بشكليات الديمقراطية الغربية، خاصة في أعقاب الكارثة الكبيرة التي حلت ببلادهم في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي· ولئن كانت أساليب القهر الانتخابي هذه قد نجحت في أداء دورها حتى شهر ديسمبر الماضي، فقد بات نظام ''بوتين'' في مواجهة معضلة جديدة من صنع يديه في عدم إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، وهي معضلة الشرعية الانتخابية التي يدفع حزب روسيا المتحدة نحو حلها في الوقت الحالي· كليفورد جي· ليفي -روسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©