الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلام الصمت

19 أكتوبر 2014 00:30
كما يُقال: بأن الصمت أبلغ من أي كلام. ففي أحيانٍ كثيرة تخوننا الكلمات في التعبير عن مكنون مشاعرنا وخواطرنا. عندها نشعر بالتعب والضيق النفسي لذلك العجز القسري، بحيث تتجلى وتظهر هيمنة الصمت. في حينها تتصادم لحظات الصمت مع لحظات الرغبة العارمة في البوح بشيءٍ من الكلمات محاولين الدخول في عالم الكتابة الذي يشدنا إليه، كلما اشتعلت المشاعر والخواطر في دواخلنا. إن صمت المشاعر الذي يحتبسُ في أعماقنا بالتأكيد تأثيره أشد في أعماق النفس الإنسانية. ولذلك نجد في عالم الكلمة المتنفس الذي يُريحنا. في عالم الكتابة، تكثر الخيالات وتتسع دائرتها إلى ما لا نهاية. تتقاذفنا الأفكار، ونكسر معها خطوات الزمن، لنبقى في رحيل مستمرٍ مع العبارات والكلمات المتطايرة التي تشعرنا بثقل تتطايرها من الذاكرة. العلاقة بيننا وبين الكلمة المكتوبة علاقة أزلية، لا نستطيع الفكاك منها، لأن التعبير بالكلمة جزء من تكويننا البشري، فبالكلمة نعبر عن مشاعرنا، سواءً كان بالتعبير الصامت أحياناً، أو عن طريق القول المباشر. وكما للكلمة من قوة، كذلك للصمت قوة قاهرة نلوذ إليها في أحيانٍ كثيرة. في تلك الأحيان نقف عاجزين عن التعبير بالكلمة، وهنا يتبادر الصمت كقوة مسيرة على العقل والكيان البشري. ولكن عندما تنشط الذاكرة، وتتفتح أزاهير قريحتنا، فإن الكلمات تنساب متدفقة كتدفق شلالات الماء الصافية، لتشكل بهذا الانسياب والتدفق ما يشبه النهر من الكلمات التي تنساب من أعماق أفكارنا، ومشاعرنا الفياضة. عندما تتوطدُ العلاقة بيننا وبين الكتابة، بحيث نعبر بها عن صدق مشاعرنا، وتجليات أفكارنا، فإننا يجب أن نجعل من أمانة الكلمة نصب أعيننا، وَجُلَ اهتمامنا في خطابنا الموجه للقراء، فالكلمة مهما كانت هي أولاً وأخيراً أمانة ومسؤولية، نحملها في أعناقنا، وليست مجرد تعبير عن الآراء والمشاعر. أهمية هذه المسؤولية تتجلى فيما نكتبه من أفكار وآراء، لأن الأفكار والآراء تتعدد وتختلف، فيما بين الناس، وهذا التعدد والاختلاف فيه من الإثراء. أيها القارئ لكلماتي، يهمني كثيراً رأيك، لأن خطابي بالكلمة وبالصمت أيضاً هو بالدرجة الأولى أوجهه لشخصك الكريم. ولأنك تملك من الرؤية الواضحة، والمشاعر النبيلة التي نشترك فيها جميعاً. أحاورك بصمتي وبكلماتي، لأنك الأهم عندي، الذي أجعله دائماً نصب عيني، في لحظات صمتي وكتابتي. ولا أشك بأنك تشاركني ولو للحظات هذا الإحساس، الذي أستمدُ منه أسمى المعاني التي تلهمني، وتجعلني أحلقُ بخطابي الصامت والناطق بأسمى المعاني. لهذا، وغيره من الاعتبارات، دعنا نبحر في عالم الكلمة الهادفة، والمشاعر الطيبة الصادقة. ما أجمل وما أعظم مشاعرنا الصامتة والناطقة، التي تُحلق بنا في عالم الإنسانية، الذي نسير على هديه القويم، ومنهاجه السليم، فالحمد لله على توفيقه لنا، في هذا العالم الذي نعيش ونواجه فيه، من التحديات والتناقضات الكثيرة. ورغم ذلك، يبقى لنا الأمل، في أن يسود عالمنا الأمن والسلام، وليكن خطابنا المتبادل بالمشاعر الإنسانية الراقية، هو هدينا وطريقنا الدائم للوصول إلى ذلك العالم الآمن بإذن الله وتوفيقه. همسة قصيرة: في الصمت عبرة، وفي الكلمة اكتساب خبرة. صالح بن سالم اليعربي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©