الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القدم الصغيرة ووجع العالم الكبير

القدم الصغيرة ووجع العالم الكبير
22 سبتمبر 2012
يقول أحد الرحالة الذين مروا على منطقة بلاد الشام خلال القرن الثامن عشر، إنه مر من عند مضافة (أبو جابر) في منطقة اليادودة (وسط الأردن حالياً)، فوجد لافتة على بابها مكتوباً عليها: «ملعون من يمر من هنا وهو جائع»، وكان الطعام يقدم للواردين إلى المضافة في أي وقت. كان أبو جابر رجلاً كبيراً، وأدرك أن «البخاسة» تقتل الإنسان وتحوله إلى مجرد حلزون ، لذلك فقد انسجم مع أخلاقيات المنطقة التي تحترم الكرم وطيبة النفس وتعتمد عليها في بناء مجتمع تكاملي، فكان أن صار من أكبر ملاكي المنطقة وأكثرهم ثراء وإنتاجاً وتصديراً، ولم يقلل الكرم والطيب من ثروته، بل زادها بركة. أتذكر ما كتبه الرحالة وأنا أرى هذا النمط من المسؤولين الذي ابتلينا به، وهم على الأغلب من النوع الذي انتقل من مرحلة المجاعة إلى مرحلة التخمة دون المرور بمرحلة الشبع، لذلك لا نراهم يشبعون من نهب خيرات الوطن وتحويله إلى بقرة حلوب، لا يكتفون بحليبها، بل يزدردون لحمها وشحمها ويمصمصون عظامها، ولم يشبعوا بعد ...ولن يشبعوا. ??? يحكى أن أحد الأئمة الكبار (وقد يكون أبو حنيفة النعمان) كان يعطي الدروس في الجامع لعدد من تلامذته ومريديه الذين يتجمعون حوله ويسمعون ما يقول بشغف، وكان في ذلك اليوم يمد رجليه أمامه، لأنه كان بهما ألم، وبينما هو كذلك وإذا برجل مهيب الطلعة فخم الملابس ينضم إلى التلاميذ في الجلوس حول الإمام، فلما رآه الشافعي، ضم رجليه خجلاً – رغم الألم- إلى أن انتهى الدرس. وعندما جاء وقت الأسئلة، قال الرجل المهيب موجهاً كلامه للإمام: - يا إمام من أي وقت لأي وقت الصيام؟ فقال الإمام: - من طلوع الفجر حتى مغيب الشمس. فقال الرجل: - وإن لم تغب الشمس ..ما عسانا نفعل؟ وحينما سمع الشافعي هذا السؤال الغبي، مد رجليه ثانية وقال قولته المشهورة: - آن للشافعي أن يمد رجليه. طبعا حصلت هذه الحكاية، قبل معرفة أن الأرض كروية، وأن هناك مناطق في العالم تستمر فيها الشمس لستة أشهر، أقول هذا حتى لا أسمح للمناكفين بتبرير سؤال الرجل وتحويله من مجرد غباء مطلق إلى عبقرية علمية تستشرف المستقبل. وهذه عادة عندنا، والحمد لله على كل حال. عندما يرى المواطن هذه الممارسات الرعناء والقرارات الهوجاء التي يتخذها ويمارسها الكثير من المسؤولين العربان في كل مكان، لا يجد بداً من مد رجليه ويديه وأنفه وكل شيء في وجه جهات رسمية لا تجيد شيئاً غير الاهتمام بأناقتها الشخصية وبسياراتها الفخمة وامتيازاتها المذهلة في بلد يحتاج إلى استخدام القرش على الوجهين. رغم آلامنا وأوجاعنا، كنا نجلس على أقدامنا بكل ثقلنا احتراماً وهيبة، متحملين ما لا يحتمله البشر طوال عقود. سقط القناع..... -لا فكر ولا من يفكرون - لا ثقافة ولا من يتثقفون - لا أدب ولا من يتأدبون سقط القناع، وسقطت الهيبة، ولم نر غير عقول تعتقد أن ما يدور في رؤوسها هي أفكار مهمة، لكنها في الواقع كانت قمل الجهل والهبل.... والذي أخفته البدلات والربطات والسيارات والمكاتب والسفرات والتلفزيونات ...... ظهر فجأة أمامنا، فضحكنا على أنفسنا لأننا نتحمل كل ذلك العذاب ولم نمدد أقدامنا في وجوه الحكومات الحمقاء من زمان. أيها العربي: مد رجليك على راحتك، وأرفع رأسك، فأنت في الوطن العربي الكبير. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©