الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

توابع زلزال هايتي... «التزام» النخبة الاقتصادية!

توابع زلزال هايتي... «التزام» النخبة الاقتصادية!
15 فبراير 2010 21:56
بعد الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي في الشهر الماضي انهارت الإمبراطورية الصغيرة التابعة لريجينارلد بولوس، رجل الأعمال المعروف في العاصمة الهايتية، بعدما تحول متجره وأحد فنادقه إلى ركام، كما فقد عاملين من عماله في وكالة بيع السيارات التي يديرها. ولكن في ظل المساعدات الدولية المتدفقة على البلاد، والهبّة العالمية المتعاطفة يرسم الآن بولوس في مخيلته تصوراً لهايتي أخرى وقد أصبحت بلداً جديداً قائماً على خلق سريع للوظائف وفي الوقت نفسه التخلص من المحسوبية السائدة في أوساط النخبة، التي جعلت ذلك البلد أحد أفقر البلدان في العالم. وهذا التصور يعبر عنه بولوس الذي عمل في السابق طبيبا في أحياء هايتي الأكثر فقراً بقوله: "إن ما يشكله الزلزال المدمر اليوم هو فرصة كبيرة للبلاد، وأعتقد أنه علينا أن نبعث برسالة إلى العالم مفادها أننا مستعدون للعمل، وأن هايتي هي فعلا أرض الفرص". وقد سارعت نخبة هايتي الاقتصادية التي تُسخر علاقاتها السياسية للضغط على صناع القرار، تماماً كما يفعل المشرعون الأميركيون في واشنطن، إلى البحث عن الفرص الجديدة المنبثقة عن عملية إعادة الإعمار التي تشهدها البلاد حالياً؛ وتُعتبر صناعة النسيج بشكل خاص مؤهلة أكثر من غيرها للصعود بعدما استطاعت تجاوز محنة الزلزال دون خسائر كبيرة، بحيث باتت تستعد في هذه المرحلة لإضافة عشرات الآلاف من العمال إلى وحداتها الإنتاجية وذلك بفضل التشريع الأميركي الذي صودق عليه في عام 2008 والذي يسمح للمنتجات الهايتية في قطاع النسيج بالاستفادة من فرص السوق الأميركية دون رسوم. ولكن بالنسبة للعديد من الهايتيين من المفارقة أن تتولى النخبة في البلاد، التي تُحمل في العادة مسؤولية الفساد والمحسوبية اللتين تغرق فيهما هايتي، قيادة جهود الإقلاع الاقتصادي مجدداً وإخراج البلاد من حالة التخلف التي ترزح تحت وطأتها. وهذا ما يوضحه "يانيك إيتيان"، وهو ناشط في مجال الدفاع عن حقوق العمال بقوله: "إن رجال الأعمال في هايتي يستغلون العمال وهم يكذبون على الوكالات الدولية بشأن ظروف العمل، وعندما ترى الطريقة التي يعاملون بها الناس فإنه من الصعب توقع الخير منهم". والحقيقة أن النخبة الاقتصادية في هايتي تحتل مكانة مركزية في الجهود الحكومية لإعادة إعمار البلاد، إلى جانب الجهود الدولية المبذولة لإرجاع هايتي إلى وضعها الطبيعي، ومن بين تلك المؤسسات الفاعلة "بنك التنمية بين الأميركتين" الذي يقوم بدور بارز في تمويل المشاريع. ويرى رجال الأعمال والخبراء الاقتصاديون أن خطة التنمية التي تتزعمها النخبة في هايتي من شأنها القطع مع ممارسات الفساد السابقة وإيجاد الطريق لإحياء الصناعات المتعثرة بهدف خلق عشرات الآلاف من الوظائف في بلد يصل عدد سكانه إلى عشرة ملايين نسمة. وفي هذا الإطار يقول لويس ألبيرتو مورينو، رئيس "بنك التنمية بين الأميركتين": "لن أخوض في الحديث عمن هو فاسد، ومن هو مستقيم، لأن ما أدركته عموماً هو الوعي المتنامي لدى النخبة الاقتصادية الهايتية بضرورة التغيير، فهؤلاء أشخاص يفكرون اليوم بطريقة غير مسبوقة مثل دفع الضرائب والمساهمة في إعادة بناء هايتي لمصلحة جميع سكانها". وحسب تقديرات "بنك التنمية بين الأميركتين" تحتاج هايتي بين ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار لبناء المنازل المهدمة والمباني الحكومية، ولترميم البنية التحتية وتوفير الخدمات الحكومية اللازمة، كي تتمكن البلاد التي تعثرت لفترة طويلة من منافسة الدول المجاورة. ويقول إيدواردو ألميدا، ممثل البنك في هايتي، إن الهدف هو إعادة بناء "لتعزيز الإنتاج وتوفير البنية التحتية المناسبة حتى تنخفض تكلفة المنتوجات التي تصنعها هايتي". ولكن على رغم هذه الأجواء المتفائلة التي تسعى النخبة الاقتصادية إلى إشاعتها يرى العديد من الهايتيين العاديين أن الحديث عن رفع الإنتاجية هو مفهوم غريب على هايتي عادة مثله مثل مفهوم الحديث عن الازدهار في بلد ما زال غارقاً في اقتصادات القرن التاسع عشر، فالبنية التحتية متهالكة، كما أن احتياجات البلد من الغذاء يتم استيراد معظمها من الخارج مع أن جزءاً كبيراً منها يندرج في إطار المساعدات الخارجية. هذا في الوقت الذي لا يتجاوز فيه الدخل الفردي ألف دولار في السنة، فيما نسبة 70 في المئة من السكان تعاني من البطالة وملايين آخرون يعيشون بأقل من دولار في اليوم. ولذا يتحدث العديد من الهايتيين في سن العمل، والذين يصل عددهم إلى أربعة ملايين نسمة، بنوع من المرارة عن آفاق المستقبل ويصبّون غضبهم على النخبة الاقتصادية في البلاد. وعلى سبيل المثال فالمواطن الهايتي ماركسلوس ديسفولو، وهو أب لخمسة أطفال، يقول إنه يعيش بدون عمل منذ خمس سنوات، ولذا فقد اعتاد على البطالة، ولا يتوقع تغيراً في حاله، وعن ذلك يقول: "لسنا محظوظين بما يكفي لإيجاد عمل في المصانع، كما أن البورجوازية لا تبحث أبداً سوى عن مصالحها". لكن جورج ساسين، رئيس جمعية الصناعيين في هايتي، يعترض على هذه الانتقادات التي يوجهها المواطنون للنخبة الاقتصادية، فمع أن النقابات تؤكد أن أجور العمال التي لا تتجاوز أربعة دولارات في اليوم تظل هزيلة ولا تفي بالاحتياجات الأساسية للعامل، يقول ساسين إن تلك الأجور تبقى أكبر بثلاث إلى أربع مرات مما يكسبه أغلب الهايتيين، مشيراً إلى أن عدد فرص العمل في صناعة النسيج تضاعف خلال سنوات قليلة فقط إلى أكثر من 28 ألف منصب عمل، وبمساعدة التسهيلات الأميركية للصادرات الهايتية يتوقع "بنك التنمية بين الأميركتين" أن يقفز عدد الوظائف إلى 150 ألفاً، ولكن مع ذلك يعترف ساسين الذي يملك مصنعاً للنسيج بأنه يتعين "إعادة النظر في الطريقة التي تدار بها البلاد" بالتركيز على توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
المصدر: هايتي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©