الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستراتيجية الأفغانية... لحظة الحقيقة في «مارجة»

15 فبراير 2010 21:56
لاشك أن الهجوم العسكري الأكبر في الحرب التي بدأت قبل ثماني سنوات في أفغانستان، الذي تم إطلاقه في عطلة نهاية الأسبوع الماضي في إقليم هلمند الجنوبي الغربي، يعد اختباراً حاسماً لاستراتيجية أوباما القائمة على مزيد من الجنود ومزيد من المدنيين ومزيد من الأموال. وفي ما يبدو اعترافاً بأخطاء الماضي، شدد عدد من مسؤولي إدارة أوباما على أن عدد الجنود الأميركيين وجنود تحالف "الناتو" بات ولأول مرة أصغر مقارنة مع عدد الجنود الأفغان الذين يقاتلون إلى جانبهم. وخلافاً للحملات السابقة، التي كان يتم فيها التخلي عن الأراضي التي تنتزع من المتمردين، فإن الجنود يعتزمون هذه المرة تطهير "مارجة" التي تعد معقلا لـ"طالبان" والاحتفاظ بها لإقامة نظام أمني وحكومة فعالين. ولهذا الغرض، تم تسخير عدد كبير من المدنيين الأفغان والدوليين للانتقال إلى المنطقة عندما ينتهي القتال من أجل تنفيذ مشاريع التنمية المموَّلة والجاهزة للتنفيذ. وفي هذا الإطار، قال مستشار أوباما للأمن القومي جيمس جونز لبرنامج "فوكس نيوز سانداي": "إن المهم بخصوص هذه العملية هو أنها أول عملية كبيرة سنُظهر فيها، بنجاح على ما أعتقد، أن العناصر الجديدة للاستراتيجية ستوضع موضع التنفيذ -وهي عناصر لا تشمل العمليات الأمنية فحسب، وإنما إصلاح الاقتصاد والحكامة الجيدة أيضاً على الصعيدين المحلي والجهوي مع حضور أكبر وأبرز للقوات الأفغانية". إلى ذلك أفاد عدد من مسؤولي البيت الأبيض بأن أوباما يراقب الوضع عن كثب، حيث يتسلم تقارير وإيجازات بشكل منتظم من جونز ووزير الدفاع جيتس، وأنه تحدث مع الجنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأميركية وقوات "الناتو" في أفغانستان، صباح الأحد الماضي ولكنهم رفضوا تقديم أية تفاصيل أخرى. جدير بالذكر أن الزعماء "الجمهوريين" في واشنطن كثيراً ما انتقدوا سياسة الأمن القومي التي تتبناها إدارة أوباما، غير أنهم عبروا الآن عن تأييد قوي لهذه العملية، حيث قال السيناتور جون كايل ("الجمهوري" عن ولاية أريزونا) على قناة "سي. إن. إن" إنه عاد مؤخراً من أفغانستان وإن: "الوضع يبدو بالفعل أنه آخذ في التحسن. فهناك مخطط جيد جداً". والحال أن ماكريستال، الذي أعد الإطار الأولي للاستراتيجية التي أعلن عنها أوباما في ديسمبر الماضي، يراهن كثيراً على هذا الهجوم، الذي يعد الأول من نوعه منذ أن أذن أوباما بنشر 30 ألف جندي إضافي، وخاصة أنه يجري تنفيذه وفق قواعد اشتباك جديدة وضعها ماكريستال وتروم نسج علاقات أفضل مع السكان الأفغان المحليين. فقد تلقى الجنود الأميركيون أوامر بوضع حد لـ"الغارات الليلية"، التي كانوا يقتحمون خلالها منازل الأفغان بحثاً عن متمردين، وأوعز إليهم بإرسال الجنود الأفغان أولا. كما عُقدت اجتماعات مع زعماء قبليين من منطقة "مارجة" قبل بدء الهجوم. وتشير التقارير الإخبارية الواردة من ساحة المعركـة إلى أن القادة العسكريين باتوا يتوخون قدراً أكبر من الحذر ويحرصون على عدم تنغيص حياة المدنيين. وعلى رغم أن القوات الأميركية نفذت عدداً من الضربات الجوية ضد المواقع التي يتحصن فيها متمردو "طالبان"، إلا أن الحملة تركز في ما يبدو على تحرك القوات البرية في محاولة لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين. جدير بالذكر أيضاً أن ماكريستال سارع إلى تقديم اعتذار علني للرئيس كرزاي يوم الأحد بعد أن أخطأت قذيفتا مدفعية أميركيتان هدفهما، مما أدى إلى مقتل 12 مدنياً. وفي بيان صدر عن قوات "إيساف"، وهي التحالف متعدد الجنسيات الذي يقوده ماكريستال، قال هذا الأخير إن استعمال منظومة القذائف قد عُلق في انتظار انتهاء التحقيق في الحادث. كما تأمل الإدارة الأميركية أن يدعم توجيه ضربة حاسمة لـ"طالبان" في معقلها جهود إقناع المقاتلين بتغيير ولائهم، حيث يُعِد قادة "الناتو" والزعماء الأفغان مخططاً يقضي بتوفير الوظائف والحوافز الأخرى لإقناع المتمردين بالانشقاق عن صفوف "طالبان". وفي هذا السياق، قال نائب الرئيس الأميركي "جو بايدن" في برنامج "ميت ذا برس" الذي تبثه قناة "إن. بي. سي": "إن المأمول هو أن نحصل على قدر أكبر من تعاون السكان في المنطقة"، وبخاصة "قبائل البشتون التي سترى استعداداً أكبر من عناصر طالبان للمصالحة -لأن معظم أفراد الحركة ينتمون إلى البشتون- مدركين أنهم لا يستطيعون تحقيق توقعاتهم عبر الترهيب والقوة". وتعد هلمند موقع أكبر تركز لمقاتلي "طالبان" في البلاد، وقد حاربت فيها قوات التحالف، ولاسيما القوات البريطانية، منذ سنوات؛ ولكنها كانت تفتقر إلى الكثافة العددية التي تمكنها من الاحتفاظ بالأراضي التي تكسبها، مما جعل القرويين مترددين في دعمها خشية تعرضهم لأعمال انتقامية من قبل "طالبان" بعد انسحابها. ذلك أن الجنود الأفغان الذين كان من المتوقع أن يرافقوا جنود المارينز الذين بدأوا تحركهم نحو الجنوب على طول نهر هلمند الربيع الماضي كانوا يأتون بالمئات، بدلا من الآلاف التي كانت متوقعة. أما في ما يتعلق بتوسيع المارينز والبريطانيين لنطاق عملياتهم خلال الأشهر الأخيرة، فيعزى بالأساس إلى انسحاب مقاتلي "طالبان" وإعادة تنظيم صفوفهم في منطقة مارجة المحصنة جيداً حيث تنتشر القنوات المائية وحقول الألغام. وفي مقابلة مع قناة "سي. إن. إن"، قال مستشار الأمن القومي جونز: "بدلا من تطهير منطقة واحدة والمغادرة، مثلما كنا نفعل في الماضي، فإن مخططاتنا تقوم على تطهير المنطقة، والاحتفاظ بها، ثم تنفيذ بعض مشاريع إعادة الإعمار لصالح السكان هناك: أمن أفضل، وفرص اقتصادية أفضل، وحكامة أفضل، ووجوه أفغانية أكثر"، مضيفاً أن من شأن "عملية تنفَّذ على نحو ناجح" في مارجة "أن تُحدث تغييراً كبيراً ليس فقط في الجزء الجنوبي من أفغانستان، بل إن تأثيراتها ستمتد لتعم بقية البلاد، وسترسل إشارات قوية مؤداها أن ثمة إدارة جديدة والتزاماً لا يتزحزح". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
المصدر: واشنطن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©