رغم عالم الإنترنت الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، تظل الخاطبة ركناً أساسياً في المجتمع العربي للقيام بمهمة التقريب بين شخصين لتكوين أسرة جديدة.. الخاطبة، هذه الكلمة التي قد ينفر منها شباب وشابات عصر القنوات المفتوحة، عادت من جديد، فالزواج أصبح مشكلة المشاكل في المجتمعات العربية، بحسب رأي مراقبين اجتماعيين. وفي الإمارات، ظهرت قبل عامين ظاهرة الخاطبة الرسمية التي تؤسس مكاتب للزواج. وفي السعودية انتشرت ظاهرة الخاطبة، بحيث أصبحت الصحافة لا تخلو أسبوعياً من أخبارها،
وتعليقاً على الظاهرة، ترفض هبة عبد الفتاح، مصرية (23 عاماً) فكرة الزواج عن طريق الخاطبة، مؤكدة أنها لم تعد تتماشى مع روح العصر فقديماً كانت تلجأ لها العائلات بسبب عدم تعليم الفتاة وجلوسها في البيت أغلب الوقت منتظرة "ابن الحلال"ن لكن الآن أصبح الوضع مختلفاً فالفتاة تتعلم وتعمل، أي أن الخاطبة أصبحت غير ذات جدوى.
وتتفق معاها أمل، إماراتية (18 عاماً) حيث ترى أن الزواج عن طريق الخاطبة له مشكلاته التي لا تنتهي، خاصة وأن الفكرة من أساسها تقوم على عامل الربح، ومن ثم فإن الأمر يندرج تحت بند التجارة وليس الزواج. وتتساءل أمل ما الذي يضمن أن الشخص الذي سوف أتعرف عليه عن طريق الخاطبة، هو بحق شخص محترم ومتدين ويصلح لأن يكون زوجاً؟. وحول عودة الفكرة للانتشار بقوة في العديد من الدول العربية، بعضها تحت رقابة حكومية، تشير أمل إلى أن الدافع وراء ذلك ربما يكون بسبب ارتفاع سن الزواج لدى الفتيات وعزوف الشباب أيضاً عن الزواج في بلدان كثيرة، الأمر الذي يجعل الأهل يطرقون كل الأبواب من أجل تزويج أبنائهم وبناتهم.
وتختلف معها خلود، إماراتية (26 عاماً) حيث ترى أنه لا غضاضة أبداً في أن تلجأ للخاطبة إذا كبر بها العمر ولم تتزوج، مؤكدة أنه خيار مشروع، وأن البحث عن شريك الحياة ليس عيباً، خاصة مع ارتفاع سن الزواج في الفترة الأخيرة. وتؤكد خلود أن أهم صفات الخاطبة هي الأمانة لأنها تمتلك معلومات كثيرة عن فتيات وشباب أيضاً. وترفض خلود تعليق شماعة الفشل في الزواج على الخاطبة، مؤكدة أن كثيراً من الزيجات تفشل دون أن يكون للخاطبة تدخل فالفشل أو النجاح من وجهة نظرها هو مسؤولية الطرفين فقط.
من جانبه، فيرفض ياسر أحمد، سوري 29 عاماً، فكرة الزواج عن طريق الخاطبة، مؤكدة أن هذه الفكرة قد تكون قاصرة فقط على المجتمعات المحافظ اجتماعياً، لكن انتشارها مؤخراً ليس لشيء سوى للتجارة والربح، خاصة وان أغلب الخاطبات لا يوجد عليهم رقابة. ويشير ياسر إلى أنه لا يوجد ضمان أن تحفظ الخاطبة ما تقدمه فتيات يردن الزواج من معلومات، وفى المقابل لا يوجد ما يضمن للشاب أن تكون المعلومات المقدمة له عن إحدى الفتيات صحيحة، مشيراً إلى أن هذا النوع من الزواج يتساوى فى نظره بزواج الإنترنت الذي لا يعدو كونه مجرد تسلية.
ويرفض ياسين، فلسطيني 33 عاماً، أن يتزوج عن طريق الخاطبة لأنه يراها طريقة غير عصرية، لكنه في الوقت ذاته يرى أن هذه الطريقة قد تكون مناسبة لفتيات وشباب كثيرين لا يمانعوا في وساطة الخاطبة، فالأمر من وجهة نظره يتعلق بثقافة الطرفين ليس أكثر، لكن حسن اختيار الخاطبة هو الأهم من حيث السمعة والأخلاق والتدين. وفيما يتعلق بفشل زواج الخاطبة من عدمه، يعتقد ياسين أن الأمر يتوقف على قدرة الشاب على الاختيار وقوة شخصيته، فالخاطبة لا تجبره على الزواج من فتاة معينة ويبقى الخيار الأول والأخير للشاب.
في حين يفضل زياد، مصري 23 عاماً، الزواج من خلال التعارف الأسري، لأنه على الأقل يتوافر فيه مصداقية أكثر. ويؤكد أن النجاح والفشل بيدي الله تعالى، ومن ثم فلا نستطيع الحكم على زواج الخاطبة بأنه كله فاشل أو ناجح.
ويشير د. ايمن عبد الفتاح، أخصائي الطب النفسى، والعلاقات الزوجية، إلى عودة الخاطبة بقوة ولكن بشكل" مودرن" خلال السنوات الخمس الأخيرة نتيجة ارتفاع سن الزواج بشكل عام. ورغم لجوء الكثير من الأسر للخاطبة لتزويج بناتهم، إلا أن هناك الكثير من التحفظ المجتمعي عليها، حتى أن نفس الأسر التي تلجأ لها تخشى البوح في وسطها بذلك، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتزويج الفتيات لأنه جرت العادة أن يأتي الشاب لطلب يد الفتاة لا أن تبحث الفتاة بنفسها عن زوج.
ويرى د. أيمن أن هناك محاذير عديدة على زواج الخاطبة تتعلق أولاً بعدم وجود رقابة عليها في أغلب البلدان العربية ومن ثم فإن عدم دقة المعلومات المقدمة من قبل الخاطبة لأحد الأطراف، وربما يشوب الأمر بعض التضليل والتدليس، وعدم وجود ضمان للمصداقية لدى الخاطبة وهذه إحدى أكبر المشكلات التي تصادف هذا النوع من الزواج.
وفى الوقت نفسه، يشدد د ايمن على ضرورة فرض الرقابة على نشاط الخاطبات خاصة في الدول المحافظة اجتماعياً والتي يشكل فيها زواج الخاطبة نسبة كبيرة، حتى لا يفرز مشكلات تنتهي بالطلاق.