الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيطرة الحكومة الليبية... لا تتجاوز طرابلس!

سيطرة الحكومة الليبية... لا تتجاوز طرابلس!
22 سبتمبر 2012
أبيجيل هوسلونر بنغازي ، ليبيا أُقيل حسين أبو حميدة من منصبه، الأسبوع الماضي، وكان رئيس الأمن في بنغازي، ثاني أكبر مدينة في ليبيا، وذلك على خلفية الهجوم الذي قام خلاله مجهولون باستهداف القنصلية الأميركية في المدينة، خلال احتجاجات بدت سلمية في البداية، لكنها أسفرت عن مقتل السفير الأميركي وثلاثة أشخاص أميركيين آخرين كانوا برفقته داخل مبنى القنصلية. بيد أن أبا حميدة أعلن رفضه قرار الإقالة قائلاً إنه لن يبرح مكانه على رأس الأمن في بنغازي. وفي ليلة الحادي عشر من شهر سبتمبر الجاري، كان الأفراد التابعون لشرطته في المدينة أقل عدداً وأضعف تسليحاً من المهاجمين، كما أفاد في تصريح نقل عنه بعد وقوع الهجوم. وانطلاقاً من ذلك، يرى أبو حميدة أن المسؤولية لا تقع عليه شخصياً وإنما على الحكومة المركزية قبل أي جهة أخرى، وذلك بسبب فشلها منذ انتهاء الحرب في كبح جماح الميليشيات القوية والمسلحة تسليحاً نوعياً في عموم أنحاء ليبيا ومنها المناطق الشرقية التي تقع فيها بنغازي. وفي ذلك الإطار، قال أبو حميدة يوم الأربعاء الماضي، داخل الغرفة الفسيحة ذات السقف المرتفع التي تقوم مقام مكتبه في مقر قيادة الأمن الوطني في بنغازي: "لم تكن ثمة أية استراتيجية موضوعة لإزالة الأسلحة المنتشرة في الشوارع"، مضيفاً القول: "كما لم تكن ثمة أي استراتيجية لاحتواء هذه الميليشيات المسلحة وإدماجها ضمن صفوف الشرطة أو الجيش الوطنيين". وبعد مرور حوالي العام على نجاح الثوار الليبيين في قتل الديكتاتور السابق العقيد معمر القذافي، إيذاناً بعهد ديمقراطي جديد في البلاد، مازالت الحكومة المركزية الليبية غير قادرة على ممارسة السلطة في الجزء الشرقي من البلاد، وهو إقليم برقة الذي تعد مدينة بنغازي تاريخياً عاصمته الإدارية والسياسية والثقافية، وذلك لدرجة أن أبا حميدة لا يرى خطراً في موقفه الرافض لقرار وزارة الداخلية في طرابلس بتنحيته من منصبه كقائد للأمن في الإقليم. المسؤولون الليبيون في طرابلس حمّلوا مقاتلين أجانب مسؤولية الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي. لكن للأميركيين رأي آخر، ففي يوم الأربعاء الماضي، وصف ماثيو أولسون، مدير المركز الوطني الأميركي لمحاربة الإرهاب، ما تعرّضت له القنصلية الأميركية بأنه "هجوم إرهابي"، قائلاً إن ثمة أدلة على أن المتورطين قد جاءوا من مجموعات متطرفة في شرق ليبيا ومن حركات مرتبطة بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". الكثيرون هنا يرون أن عنف الأسبوع الماضي يعكس الفراغ الأمني الذي تركه ضعف السلطة المركزية في ليبيا، والذي يجد أوضح تجلياته في وجود عشرات الجماعات المسلحة وفي انتشار الأسلحة على نطاق واسع خارج القانون. وفي هذا السياق، تقول فاطمة إجيلا، وهي معلمة للغة الإنجليزية، إنه بالنظر إلى أن قوة الشرطة الموجودة اليوم أضعف مما كان عليه الحال قبل قيام ثورة 17 فبراير 2011، فإن الناس في بنغازي "أخذوا ينظمون أنفسهم بأنفسهم"، مضيفةً القول: "إننا نحكم أنفسنا بأنفسنا"، حيث يشرف السكان على تنظيم وتقديم كثير من الخدمات اليومية، ويساعد بعضهم بعضاً على حل النزاعات الأسرية والقبلية، ويلتزمون باحترام الإشارات المرورية لتسيير حركة المرور وتسهيلها، كما تقول. غير أن الأسلحة تعني القوة والنفوذ في ليبيا غير الخاضعة للقانون. وحسب دراسة لمجلس حلف شمال الأطلسي (الناتو)أُفرج عنها الأسبوع الماضي، فإن عدد عصابات المقاتلين الثوار السابقين المدججة بالسلاح، يبلغ أكثر من 200 ميليشيا على الصعيد الوطني. وإن كانت بعض الميليشيات تزعم أنها أُدمجت، رمزياً على الأقل، ضمن صفوف وزارة الداخلية والجيش الليبيين (الموجود مقرا قيادتهما في طرابلس)، غير أن الأمن على المستوى الميداني كثيراً ما يكون فوضوياً وغير منسق ويفتقر إلى التسلسل الهرمي. وفي حالات كثيرة، وعلى غرار ما هو موجود في مدينتي بنغازي والزنتان (مدينة جبلية واقعة في غرب البلاد حيث يعتقل سيف الإسلام القذافي) تمتلك الميليشيات نفوذاً أكبر وأسلحة أكثر بكثير من قوات الشرطة والأمن المحلي التابعين لوزارة الداخلية. والواقع أن حتى القنصلية الأميركية في بنغازي كانت تعتمد في أمنها جزئياً على بعض الميليشيات خلال الساعات التي سبقت هجوم الأسبوع الماضي، مثلما يقول بعض المقاتلين السابقين والمسؤولين المحليين في المدينة. وحسب روايات عدد من الشهود والسكان، فإن موظفي القنصلية اتصلوا بقادة بعض الميليشيات طلباً للمساعدة في تأمين منزل آمن وتحديد موقع السفير كريستوفر ستيفنز بعد أن تسبب الهجوم الأول في التهام النيران لأجزاء من المجمع، لاسيما أن موظفي القنصلية لم يكونوا مجهزين جيداً بما يكفي من وسائل وخبرات لمواجهة المهاجمين. وبعد مرور أسبوع على الهجوم الذي استهدف القنصلية، يقول قادة أمنيون ليبيون في بنغازي إنهم لم يتلقوا بعد أي تعليمات جديدة من العاصمة طرابلس. وفي هذا السياق، قال أبو حميدة، بينما كان العشرات من أفراد شرطة المدينة ببذلاتهم الزرقاء، والذين يقول أبو حميدة نفسه إنهم يدعمونه ويوالونه ولاءً تاماً، يمرون قرب مقر المجمع القنصلي على متن سيارات الشرطة ذات اللونين الأحمر والأبيض: "إن الشيء الوحيد الذي قاموا به حتى الآن هو فصلي أنا، رئيس الأمن العام، وونيس شريف رئيس الأمن الإقليمي" في الجزء الشرقي من ليبيا. وذلك في إشارة منه إلى ما يطبع تحرك الحكومة المركزية في طرابلس من بطء وجمود. وكما هو معلوم فإن الثورة الليبية ولدت في بنغازي، وذلك بعد أربعة عقود من التهميش والإهمال عانتها هذه المدينة وأهل إقليم برقة على وجه العموم تحت حكم معمر القذافي. وكان العديد من سكان المدينة يأملون أن تجلب لهم الثورة الاعتراف والتنمية. لكنهم اليوم يشعرون بالإحباط وبشيء كبير من المرارة، ويشتكون من أن الحكومة الجديدة لم تفعل شيئاً لصالحهم أكثر من تعيين بعض المسؤولين القياديين الذين أتوا من الشرق. بينما تأخر قدوم المزايا الحقيقية، مثل أجور العمال في القطاع العام، خاصة موظفي قطاع الصحة والمعلمين وعمال النظافة... كما يقولون. هذا وتقوم القيادة المؤقتة الليبية ومؤتمرها الوطني المنتخَب حديثاً، بمحاولات لتهدئة الميليشيات المسلحة واستيعابها داخل الأجهزة والمؤسسات الرسمية للدولة، حيث عمدت السلطات إلى تقديم رواتب، وعرضت على بعض المقاتلين السابقين الاستفادة من دورات تدريبية، وحثّتهم على تقديم أوراق رسمية، لتصبح هذه الميليشيات جزءاً من قوة الأمن والدفاع الوطنيين. أما فيما يخص التعامل مع المقاتلين الأكثر مشاكسة وإثارة للمشاكل، فإن سكان بنغازي يقولون إن السلطات نظمت اجتماعات قبلية، ودعت إلى تعاون العائلات من أجل كبح جماح أبنائها الحاملين للسلاح. لكن منتقدي طرابلس، ومنهم قادة بعض الميليشيات هنا في بنغازي، يقولون إن غياب استراتيجية منسجمة أضعف الأمن الوطني، وترك أعضاء الميليشيات تائهين ومنقسمين في ولاءاتهم، ينتظرون مرتبات يبدو أنها لن تأتي. وفي هذا الإطار، يقول فوزي ونيس القذافي، رئيس لجنة الأمن العليا في بنغازي، وهي عبارة عن ائتلاف واسع لميليشيات يخضع ظاهرياً لسيطرة وزارة الداخلية، ويصل عدد مقاتليه، حسب القذافي، إلى أكثر من 16 ألف عنصر، يقول: "إن السؤال الكبير الآن هو: ما هي الخطوة التالية؟ لكن الإجابة غير واضحة"، قبل أن يضيف: "إن الناس لا يحبون هذا الوضع المؤقت... إنه مستقبلهم غير المبشر، وهم يريدون أن يعرفوا إلى أين هم ذاهبون. إنهم يريدون حلاً ويتطلعون إلى حياة آمنة ومستقرة في بلدهم". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©