الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا: إرادة الشعب وعبثية النظام

22 سبتمبر 2012
شفيق ناظم الغبرا كاتب كويتي ورث بشار الأسد عن أبيه عام 2000 دولة وأجهزة وشعباً، لكنه لم يعرف ماذا سيفعل بما ورثه. وعلى الأغلب تم إقناع بشار الأسد من قبل المسؤولين الأمنيين بأن المسؤولية في الدولة لا تتطلب الكثير، وأن كل شيء يمكن تقسيمه وتنظيمه بواسطة الأجهزة الأمنية التي أنشأها الرئيس السابق حافظ الأسد. وبدأ الرئيس الجديد مهامه واكتشف طريقاً إضافياً لربط الناس من خلال المصالح المالية، ولكن ذلك الأسلوب غير الشفاف الذي لم يكن أميناً لمبادئ العدالة الاجتماعية أدى إلى كثير من الفساد العائلي والأمني، ودفع بفئات كبيرة من المجتمع للشعور بالتهميش وأخرى بالغبن. وبعد أكثر من عقد على حكم بشار انفجرت كل مكونات التركيبة السورية. ومن خلال الثورة السورية بدأت البلاد بالاستقلال عن حكم الأسد وعن نظام سياسي تم رسمه بدقة وعناية منذ جاء حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970. إن الأنظمة التي تبني بقاءها على قوة الضغط تتفاجأ بالأحداث وذلك لأنها تمتلك معلومات مشوهة عن المجتمع الذي تدعي تمثيله، وهذا يقودها إلى فهم مفكك للمحيط، إذ تراه مشكلاً من سلسلة من المؤامرات. وقد يكون بشار (وقبله صدام والقذافي) هو الآخر ضحية رؤية تآمرية يحملها، وذلك بحكم التربية، للتاريخ وللسياسة. فمن يحكم سوريا في ظل نظامها القمعي والديكتاتوري لابد من أن يشك في الأنصار كما الأعداء. إن استمرار الأسد في اتباع سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع الثورة السورية التي تطالب بالتغيير مع طول جمود وتسلط سيجعله يتخندق في ذات الموقع الذي وصل إليه من قبله كل من صدام حسين والقذافي أو الرئيس الصربي ميلوسوفيتش الذي خضع لمحاكمات دولية. إن الطريق المدمر الذي يراه العالم كله لن يكون بلا حساب دولي وإقليمي. فقد مضى الزمن الذي يمعن فيه نظام من أجل سلطة زائلة أو سيطرة مزيفة في قتل شعبه. وقد تكون هذه المعركة في سوريا هي أخطر معارك العرب مع الطغيان. والمواجهة القائمة بين النظام والشعب غطت كل الجغرافيا السورية، فهناك الآن جيش نظامي وآخر حر انشق عنه بسبب انحراف الجيش النظامي عن مهامه، وهناك حصار للمدن وبخاصة لمدينة حلب ومعارك في دمشق العاصمة يشنها النظام، وقد أصبح النظام السوري الرسمي يسيطر على نسبة صغيرة من رقعة الأرض السورية وإن كان لا يزال يمتلك جيشاً قادراً على توزيع الموت على مجمل المدن السورية. وفي الوقت ذاته هناك ملايين اللاجئين السوريين في مناطق سورية مختلفة وفي دول الجوار، كما أن معظم التجار وأصحاب الأعمال خرجوا من البلاد. فحتى اللحظة لا يزال الشعب السوري يتظاهر، ولا يزال ينزل للشوارع وذلك على رغم عسكرة قطاعات كبيرة من الثورة. وفي الظروف الراهنة يبدو العنف الذي يمارسه النظام مفرغاً من كل رؤية سياسية. فاستمرار العنف سيؤدي إلى نتيجة واحدة: انضمام المزيد من الناس إلى الثورة. إن الأسلوب العدمي للنظام السوري يعبر عن جانب عصبي يتحكم في تفكير القيادة السورية. وهو تصرف مغاير لأسلوب النظام المصري والتونسي وحتى اليمني في أصعب مراحل الثورات العربية. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء سنسمع القصة التالية. ففي بداية "الربيع العربي" كان بعض السوريين يقولون: سوريا مختلفة عن بقية دول "الربيع" لأنها تقاد من قبل شاب حقق بعض التقدم الاقتصادي. ولكن بعد أحداث درعا والرد الدموي المرعب للنظام ثم طريقة إدارة بشار للأزمة وتصريحاته وخطاباته ومواقفه بدأ دعم الأسد وسط الغالبية السورية يضمحل. بل حتى المتعاطف مع النظام في صفوف السوريين أخذ في التساؤل: إلى أين تسير سوريا في ظل هذا النوع من القيادة؟ ما وقع فيها نموذج واضح لرئيس فقد التأييد الذي توافر له بين السوريين في الأيام الأولى من الأزمة. إن النظام السوري في وضع كهذا لا يمكن أن ينتصر، فإن انتصر سيقف على هيكل مدمر لا يمكن بناؤه بينما لن يتعاون معه أحد في المعمورة لإعادة بناء ما دمر، وإن هزم تكون تلك بداية لانبعاث إرادة الشعب. وربما تبقى حتى اللحظة بعض الحظوظ للحل السياسي الذي يؤدي لإيقاف الحل الأمني ولاستقالة الأسد وكل مسؤول عن جرائم القتل بينما يبدأ طريق واضح باتجاه الإصلاح السياسي المتفق عليه. ولهذا السبب ما زالت بعض الدول والأطراف تحاول طرح مبادرات سياسية بهدف تخفيف اندفاعة العنف الدموي للنظام السوري، فعنف النظام السوري ساهم في عسكرة المعارضة السورية وعمق الجروح بين السوريين. ولكن استمراره يهدد سوريا الكيان ويهدد موقعها في التوازنات الإقليمية كما يهدد كلاً من إيران وروسيا بفشل شامل. إن المبادرات الأخيرة من الرئيس محمد مرسي في مصر والموجهة لإيران وروسيا قد تكون وقعت في وقت تفكر فيه القيادة الإيرانية والروسية بأنه يجب التحضير لمرحلة ما بعد الأسد، وأن مرحلة الانتقال يجب أن تتضمن تفاهماً دولياً يسمح بإعادة بناء سوريا. ولكن هناك أبعاداً أخرى للمبادرات الجديدة بما فيها مهمة المبعوث العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي الشاقة والصعبة: محاولة تفادي الحل العسكري الدولي. فكل حرب تدوم وتتطور في ظل مقتل الكثير من الناس والمدنيين الأبرياء وفي ظل تجاوزات وجرائم حرب ستقود إلى التدخل العسكري في نهاية المطاف. إن الدعوة للتدخل الدولي ستكبر كما حصل في حروب البوسنة وكوسوفو وكمبوديا وغيرها. إن المبادرات لإيقاف الحل الأمني ولفرض الاستقالة على الأسد هي المدخل الأول لإيقاف إمكانية التدخل الدولي بعد الانتخابات الأميركية. لقد دمر نظام الأسد سوريا وقراها ومدنها، ولكنه فشل في تدمير روحها الثائرة، وهذه ليست أول مرة يدمر النظام مدناً سورية، ولكن الجديد هذه المرة أن الشعب السوري أكثر قوة وقدرة على المواجهة، فقد تحرر من عقدة الخوف، وتحرر من الأوهام حول نظامه، وهو يتواصل مع الروح التي أيقظت فيه في السابق القدرة على المقاومة لنيل الاستقلال في زمن الاستعمار، وهذه الطاقة المتجددة ستكون كفيلة باستكمال برنامج الثورة ثم بإعادة بناء سوريا بعد انتهاء الكابوس الذي يتهددها. ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©