الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لاجئو «الزعتري» : عزلة صحراوية تترقب شتاء ينذر بكوارث إنسانية

لاجئو «الزعتري» : عزلة صحراوية تترقب شتاء ينذر بكوارث إنسانية
22 سبتمبر 2012
جمال إبراهيم (عمان) - “هربت من القتل إلى الذل”، بهذه الكلمات صورت لاجئة سورية معاناتها في مخيم الزعتري شمال شرق الأردن، تقلب ناظريها في السماء كأنما تنتظر هبوط الفرج، واللاجئون حولها يحملقون في كل غريب قادم للمخيم لعله يحمل مساعدات أو نبأ عن سقوط النظام. تجلس اللاجئة سمية (42 عاماً) أمام خيمة تبرعت بها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، خيمة خالية من الطعام والماء وأبسط أدوات العيش، وقد افترشت قطع قماش ممزقة على التراب. ووسط غبار صحراوي يخيم على المكان، ودرجة حرارة عالية، تتنهد والحسرة تلف صوتها “يا ليتني مت قبل أن أفر إلى هذه الصحراء، الموت أفضل من حياة بلا كرامة”. تنهمر الدموع من عينيها “النظام الأسدي قتل طفلي وزوجي مفقود، وأنا هنا وحيدة أنتظر فرج رب العالمين”. وحال سمية تعكس صورة لواقع معاناة مأساوية يكابدها 30 ألف لاجئ سوري وأبناؤهم، يعيشون في الزعتري، دخلوا إلى الأردن بطريقة غير مشروعة عبر الشريط الحدودي مع سوريا، هرباً من الأوضاع الأمنية المتردية. ومخيم الزعتري سجن كبير تلتف حوله الأسلاك الشائكة وتحيط به الحراسات الشرطية، يمنع الدخول أو الخروج منه إلا بإذن من السلطات الأمنية، والغبار يتصاعد يصفع وجوه اللاجئين في ظهيرة ملتهبة ويقتحم خيامهم التي تعصف بها الرياح وكأنها مارد متوحش يريد اقتلاعها. غير أن تردي الواقع المعيشي في الزعتري لا يقتصر على درجة حرارة عالية في المخيم الصحراوي، بل يمتد إلى الاصطفاف لأوقات طويلة على طوابير المياه ووجبات الطعام وليل حالك تغيب عنه الكهرباء والأغطية في برد قارص وعزلة مريرة عن العالم الخارجي. الضغط يولد الانفجار ويبدو أن الزعتري بات يشكل مصدر قلق للحكومة الأردنية، فقد تصاعدت الشكوى والتذمر، إلى أن تفجرت 3 اشتباكات بين رجال الشرطة واللاجئين، نجم عن آخرها إصابة 28 دركياً، اثنان منهم حالتهما خطرة، وهو ما دفع رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة إلى توعد المتسببين بالشغب بإعادتهم إلى بلادهم. وأصدر الطراونة تعليمات منع بموجبها دخول أو خروج أي شخص للمخيم إلا بإذن أمني. والمطلب الرئيس للاجئي الزعتري هو مغادرة المخيم إلى مناطق مؤهلة أو إعادتهم إلى 4 مخيمات كانوا يقطنونها، 3 منها في الرمثا ورابع في محافظة المفرق، الأمر الذي ترفضه الحكومة وتتخوف منه أمنياً. والتخوف الأمني لدى السلطات الأردنية له ما يبرره وفقاً للحكومة، فقد أدى الكشف عن “خلايا نائمة” في الزعتري إلى حالة من التوتر والحذر، خصوصاً بعد توقيف نحو 21 شخصاً ثبت تورطهم مع هذه الخلايا “التي دربها عملاء للنظام السوري على التجسس واستخدام السلاح وصناعة المتفجرات”، بحسب مصادر أمنية وإغاثية مشرفة على المخيم الذي تديره مفوضية الأمم المتحدة بالتعاون مع عمان. وفي أعقاب ضبط السلطات الأمنية لبعض الخلايا النائمة، فضلت التكتم على هذه المعلومات والتعامل مع “الخطر الجديد” بعيداً عن الإعلام. وسارع جهاز الاستخبارات العامة الأردني إلى شن حملة أمنية مكثفة داخل المخيم بحثاً عن “مشبوهين أو عملاء” آخرين. وفي ضوء تشكيك المطالبين بإخراج اللاجئين السوريين من المخيم للعيش وسط الأردنيين، صرح الملك عبد الله الثاني قبل أيام بأن “عدداً منهم لم يأت بحثاً عن ملاذ آمن، بل لتنفيذ مهام أخرى، منها جمع معلومات استخبارية عن اللاجئين، أو لتنفيذ مخططات تستهدف استقرار الأردن وأمنه”. وأضاف أنه “كان من المستحيل علينا التدقيق أمنياً على كل شخص يعبر إلى الأردن، وقد استقبلنا الجميع على أساس إنساني”. وألمح وزير الخارجية ناصر جودة في كلمة له مؤخراً في اجتماع وزاري في مجلس الأمن الدولي، حيث أشار إلى إمكانية تقييد دخول اللاجئين السوريين، ما يترتب عن ذلك من آثار اجتماعية وأمور تمس النظام والأمن العام. غير أن مطلب ترحيل اللاجئين من المخيم يجد مساندة من متضامنين، أبرزهم “الهيئة الأردنية لنصرة الشعب السوري”، وحملة “وتعاونوا” الشبابية التي طالبت مفوضية الأمم المتحدة في أكثر من اعتصام احتجاجي بإغلاق الزعتري، ونقله إلى مكان أكثر ملائمة للظروف الإنسانية. وأبدى رئيس المفوضية السامية للاجئين أندرو هاربر استياءه من وضع المخيم، إلا أنه نصح المتضامين بأن “لا يتفاءلوا بإغلاق المخيم قريباً، فلا بديل آخر”. اللاجئون ينحون باللائمة على الأردن والمفوضية السامية لاختيارهما “مكاناً قصياً عن المناطق المأهولة بمواطني البلاد، وهو ما دفع 236 شخصاً إلى العودة إلى بلادهم “طوعاً”، وفقاً لوزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق باسم الحكومة سميح المعايطة. دوافع مالية وقال وزير حكومي، رفض ذكر اسمه، “الأوضاع الآن تحسنت في المخيم ونحن نعمل على تحسينها أكثر، لكن التدفق المفاجئ للاجئين بدأ يزداد وقد تجاوز في الأيام الأخيرة ألفي لاجئ في الليلة الواحدة”. ويرى الوزير أن “بعض حالات اللجوء مفتعلة من أناس أوضاعهم الاقتصادية سيئة في بلادهم”. ولا يخفي المسؤول الحكومي وجود معلومات مؤكدة لديه أن “كثيراً من قاطني المخيم يرغبون بالعمل مثل أقرانهم الذين دخلوا البلاد وفق نظام الكفالات”. ويضيف “إن لاجئي المخيم يعرفون أن اللاجئين السوريين في بعض المدن تسللوا إلى سوق العمل وباتوا يحصلون على أجور عالية” في بلد محدود الموارد والإمكانات، بلغت نسبة البطالة فيه العام الماضي 12,9%. ويقول وزير الإعلام إن الأردن بات “عاجزاً وغير قادر على استيعاب المزيد من اللاجئين وأنه متضرر من اللجوء الذي يؤثر عليه اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لكنه مجبر عليه. “الاتحاد” شاهدت عشرات السوريين العاملين ليس فقط في مدن الرمثا والمفرق وإربد، بل في العاصمة عمان، فالعمالة السورية أصبحت مألوفة الظهور أمام الأردنيين في المطاعم ومحال الألبسة والمولات وورش العمل، لكن وزارة العمل تعجز عن تحديد عدد هؤلاء، باعتبارهم عمالة دون تصاريح وغير مسجلين، وهم موزعون في مناطق عديدة. وتصاعدت شكوى العمالة الأردنية من إحلال العمالة السورية مكانها، فهم يتقاضون أجوراً أقل والتزاماتهم المالية محدودة. وتشير إحصاءات رسمية إلى أن العمالة السورية الحاصلة على تصاريح عمل حتى نهاية سبتمبر الحالي لا تزيد على ألفي عامل، وتقر الحكومة بأن هذا الرقم ليس صحيحاً، حيث إن مفتشي وزارة العمل يضبطون يومياً المئات منهم في مختلف مناطق المملكة يعملون بلا تصاريح. وتمكنت قوات الأمن من إعادة 50 لاجئاً سورياً إلى الزعتري بعد أن حاولوا الهروب منه بحثاً عن عمل. ممولون ووجد اللاجئون السوريون مساندة شعبية ورسمية في الجانب الإنساني الإغاثي منذ بدء الأحداث في بلادهم قبل 18 شهراً. فمحلياً، عملت جمعيات عديدة على دعمهم مالياً وعينياً. وعربياً، قدمت الدول الخليجية كافة مساعدات عينية كثيرة. غير أن هذه التبرع لا يكفي لتلبية حاجات اللاجئين. وبحسب علي بيبي مدير التعاون والعلاقات الدولية في المفوضية السامية للاجئين، فقد صدر نداء للمانحين في مارس الماضي، للتبرع بمبلغ 84 مليون دولار، لكن ما جمع لم يتعد 30 مليون دولار من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وأيرلندا. توقعات بزيادة اللاجئين وتتوقع أوساط رسمية أردنية ودولية زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين. وبحسب تصريحات المفوضية السامية للاجئين، فإنه يوجد الآن قرابة 70 ألف لاجئ سوري، سجلوا أسماءهم لدى المفوضية، فيما لم يسجل آلاف آخرون للحصول على مساعدة. كما توقع رئيس بعثة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أندرو هاربر تدفق المزيد من اللاجئين مع تصاعد عمليات العنف في سوريا. ومن المؤشرات الدالة على موجات اللاجئين المتوقعة، أن المفوضية صممت مخيم الزعتري ليتسع لقرابة 80 ألف لاجئ، حيث لا تستبعد المفوضية أن يمتلئ المخيم مع نهاية العام الحالي. ودفعت التدفقات التي سجلت مؤخراً، إلى التفكير في تشييد مخيمات جديدة تقدر طاقتها الاستيعابية بـ400 ألف نسمة، وهو ما يدعمه تصريح رئيس الحكومة الطراونة قبل أيام بقوله “سنبحث عن مواقع جديدة لإقامة مخيمات عليها لأننا لا نعرف الحد الزمني لهذه العملية”. عموماً، يبقى ملف اللجوء مفتوحاً على مصراعية لارتباطه بتصاعد الأحداث الأمنية في سوريا، لكن المخيف أن اللاجئين على أبواب شتاء قارس في عمق الصحراء، غير مجهز لمواجهة مثل هذه الظروف، ما قد ينذر بكوارث إنسانية قاسية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©