الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الرجال الخضر» في إدارة القرم

27 سبتمبر 2015 22:06
18 شهراً مرت على وصول «الرجال الخضر» الآتين من روسيا لشبه جزيرة القرم. وهم الذين قاموا بتنصيب رجلهم الشهير «جوبلين» لإدارة الحكم فيها. فما أحوال شعبها؟ وفقاً لكل الاعتبارات، يمكن القول إن سكان القرم يشعرون بالسعادة. وهم سعداء على الأقل لأنهم لا يشكلون جزءاً من الحرب الدائرة شرق أوكرانيا، ولم يبقوا تابعين لأوكرانيا نصف الفاشية، وهو الاسم الذي تطلقه عليها القنوات التلفزيونية الروسية المملوكة للدولة. وربما لا تعكس الحياة هناك حالة اقتصادية تتميز بالرخاء الذي يحلم به أهلها، وخاصة بعد انهيار صناعة السياحة بشكل كامل، إلا أن الاستقرار، وعودة الأغلبية ذات الأصل الروسي من السكان، ربما صنعا الفرق. أما بالنسبة للأقلية من التتار الناطقين باللغة الأوكرانية، وأولئك الذين يرغبون في الحكم الديمقراطي، فإن هذا التحوّل يبدو مقيتاً. ويوم الخميس الماضي، أصدرت «منظمة الأمن والتعاون الأوروبي» تقريراً عامراً بالأرقام لتوضيح صورة الوضع. إلا أن السلطات الروسية حظرت نشره وتداوله. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي لا تخفي موقفها من الوضع في شبه جزيرة القرم التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أوكرانيا رغم إلحاقها بروسيا. ولهذا السبب لا ترحب روسيا بذلك التقرير. وإلى ذلك فإن الأرقام التي تمكن الباحثون من جمعها واللقاءات التي أجروها مع الهاربين من القرم، تشير كلها إلى تراجع الحريات الدينية والصحفية والشخصية وانتشار ظاهرة العمل وفق إجراءات لا تحكمها القوانين والتشريعات. وجاء في التقرير أن شبه جزيرة القرم كانت تضم قبل إلحاقها بروسيا 1400 منظمة دينية مسجلة رسمياً في الدوائر الحكومية المختصة، و674 منظمة دينية غير مسجلة (أغلبها تتعلق بالتتار). وحتى تكتسب تلك المنظمات الصفة الشرعية فإنه من الضروري تسجيلها، وهذا أمر بات في حكم المستحيل تحت الوصاية الروسية. وقبل الغزو الروسي للقرم في شهر مارس 2014، كانت هناك 3000 وكالة أنباء وصحيفة رئيسية ناطقة بلغة القرم التتارية، لكنّها تعرضت جميعها للإغلاق بعد الغزو. وعمدت السلطات الروسية إلى وقف العمل بنظام التعليم باللغات التتارية، ومنعت التلاميذ الذين لا يحملون جواز سفر روسياً من الالتحاق بالمدارس، وفقاً لما جاء في التقرير الأوروبي. وفرضت القوانين على الشركات العاملة في القرم تسجيل نفسها أيضاً في سجلات الإدارة الروسية الجديدة، وهي عملية صعبة لأنها تمنع مسؤولي الشركات من التقدم بطلب التسجيل ما لم يحصلوا على جواز السفر الروسي، وهو ما يرفضه الكثيرون منهم. وفي نهاية العام الماضي، بلغ عدد الشركات القرمية المسجلة 13 ألفاً، هبوطاً من 53 ألفاً قبل الغزو. أما الشركات الكبرى المملوكة لرجال أعمال أوكرانيين أو للحكومة الأوكرانية، فقد عمدت السلطات الروسية إلى الاستيلاء عليها من دون دفع تعويضات. وأشار التقرير بالأرقام والإثباتات إلى عمليات مصادرة ممنهجة واسعة النطاق للأملاك العامة والخاصة. وبات التتار الذين يشكلون أكثر من 12 بالمئة من مجموع عدد السكان يتعرضون لضغوط كبيرة لإجبارهم على إغلاق شركاتهم وفقاً لما جاء في التقرير الأوروبي. وعمدت السلطات الروسية أيضاً إلى تسليط الضغوط على وسائل الإعلام المؤيدة لأوكرانيا وأوقفتها عن النشاط بالإضافة لحظر نشاط فرع كييف للكنيسة الأرثذوكسية في القرم. وتتعرض الآن كل المؤسسات المتبقية المؤيدة لأوكرانيا إلى خطر كبير. وأصدرت المحكمة العسكرية الروسية مؤخراً حكماً بالسجن لمدة 20 عاماً على المنتج السينمائي «أوليج سينتسوف» بسبب ترويجه لفيلم وصفته المحكمة بأنه يشجع على الإرهاب. وأصبح القضاة الروس يكثرون من إصدار الأحكام الجزافية ضد من يوصفون بالإرهابيين أو الانفصاليين من دون الاستناد إلى عمليات تحقيق وتحر دقيقة. والخلاصة هي أن روسيا تتبع الآن نهجاً متشدداً في إدارة الحكم في شبه جزيرة القرم لا يختلف عما فعلته القوات الروسية عند غزوها في شهر مارس من عام 2014. *محلل سياسي أميركي متخصص في العلاقات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©