الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فن حياكة الملابس التقليدية حرفة نسجتها أنامل النسوة قديماً

فن حياكة الملابس التقليدية حرفة نسجتها أنامل النسوة قديماً
23 سبتمبر 2012
خولة علي (دبي) - الثوب التقليدي قيمة ثقافية، وسمة تتميز بها الشعوب عن بعضها بعضاً، فهو الإرث المستمد من الأجداد، وعنصر مهم لتعزيز مفهوم الهوية الوطنية والحفاظ عليه، وهي ما يبرز في تمسك أبناء الإمارات بهذه الألبسة التي حيكت بأنامل الحرفيين الأوائل الذين استطاعوا أن يبدعوا في هذه المهنة، بخبرتهم الواسعة في كيفية التعاطي مع الخامات البسيطة والمحدودة، التي كانت تجلب من بعض الدول، ليحيكها وينسجها منتجاً أثواباً خاصة للرجل والمرأة. وللتعرف إلى تفاصيل الألبسة القديمة والأنامل التي عكفت على نسجها، يشير الباحث إبراهيم محمد صالح مسؤول التراث الشعبي في متحف عجمان، إلى أهمية المورث الشعبي كإرث حضاري، حيث استطاعت الشعوب عبر تاريخها الطويل المحافظة على الحالة والشكل العام للملابس كجزء من احتفاظها بالهوية الوطنية والقومية لها، فبقي الكثير من أشكال ملابس الشعوب محافظاً على نسقه الخاص به، ورن تنوعت واختلفت طبيعة المواد المنسوجة منها، إلا أنها ما زالت تسير على طراز ورح القديم الذي يتجلى في تفاصيله الدقيقة التي عكف الخياطون والمطرزون الأوائل على حياكتها والالتزام بنمطها. وأوضح أن مهمة الخياطة في العهد القديم كانت موكلة للزوجة التي تعلمت مهارة وفنون هذه الحرفة من صغرها فنشأت وتربت في كنف والدتها لتتعلم حرفة ما تعينها على متطلبات الحياة، عندما تدخل عش الزوجية، وقد ظهرن العديد من الخياطات المحترفات حيث يوكل إليهن مسؤولية حياكة وتفصيل الملابس الخاصة بالأعياد والمناسبات الاجتماعية كالزواج ونحوه، في حين كانت الملابس الرجالية توكل مسؤولية حياكتها للرجال الذين تخصصوا في هذه الحرفة، وقد كان يطلق على الخياط محليا «الدرزي». حجارة مرجانية ويتابع: اتخذ الخياطون في تلك الحقبة الزمنية محال صغيرة لتلبية حاجات الأهالي قديما، وكانت مبنية بالحجارة المرجانية ومنها بسعف النخيل، وفرشت أرضيتها بالحصيرة المصنوعة من سعف النخيل، الخامة التي كانت متوافرة وبكثرة في البيئة المحلية قديما، وقد كانت تتكون محتويات المحل من«الكرخانة»، وهي عبارة عن آلة للخياطة قد انتشر استعمالها من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت تجلب من الهند بمبلغ يصل إلى 150 روبية، وتحمل آلة الخياطة طاولة خشبية، مستطيلة الشكل ومجهزة بأدراج لحفظ أدوات الخياطة الضرورية للعمل، ووكل قطعة أو ثوب يتم تجهيزه من قبل الدرزي لابد أن تأخذ مكانها في زاوية المحل بحيث تعلق بواسطة الغدان، وهو على هيئة سلم مصنوع من جريد النخيل تشد أطرافها بحبال من الليف، ويعلق في عارضة السقف بطريقة مرتبة ومنظمة. أما عن عملية المقاسات، فقال إبراهيم صالح، إنه عادة ما يبدأ «الدرزي» بأخذ مقاسات الزبون مباشرة، مثل طول القامة وعرض الكتفين وطول اليد، ويتم ذلك باستخدام وحدات القياس التقليدية، مثل الذراع والشبر والفتر، وهو المسافة الفاصلة بين السبابة وطرف إبهام اليد، بحيث تطبق هذه المقاييس على قطعة القماش مباشرة، باستعمال طبشور ابيض، ثم تقص القطع المحددة وتركب مع بعضها بعضاً وتخاط، حتى تكتمل القطعة الثوب أو الكندورة وتسلم لصاحبها. وقال احترفت النسوة أعمال التطريز، نظراً لتصاميم ثوب النسوة الموشح والمزدان بخيوط التطريز، وعادة ما يضفي التطريز اليدوي على الأزياء الشعبية الإماراتية طابعا مميزا، ويعكس الحس الجمالي والذوق الفريد للمرأة الإماراتية، وهو بمثابة إرث فني وتقني جدير بالاهتمام والتمسك به، وعادة ما كانت تطعم ملابس النسوة والأطفال بالتطريز، سواء على الأكمام وفتحة الرقبة وأيضا على سيقان السراويل، ويتفاوت توزيع التطريز على الثوب وفقا للمناسبة، بحيث تزيد عملية التطريز على أثواب المناسبات الزفاف بشكل خاص. وعن أهم فنون التطريز التي برعت فيها النسوة قديما، أشار إلى الخوار، وهي تسمية فصيحة تعني اللين، حيث يتميز هذا الصنف من التطريز بالليونة مقارنة بالأنواع الأخرى، وتطرز باليد باعتماد غرزة بسيطة وهي غرزة السلسلة وعادة ما تستخدم فيه الخيوط الفضية والذهبية، وتطريز التلي الذي يتم تشكله بخيوط الخوص والقطن بطريقة تطلب مهارة واتقان، حيث يتم تبادل الخيوط بأطراف أصابع اليد على قاعد معدنية على شكل قمعين متلصقين تحمل وسادة أسطوانية الشكل، حيث تثبت عليها خيوط التلي، أما الزري فهو النسج بخيوط الذهب، ولنفاسة هذا المعدن وندرته استبدلت به أسلاك النحاس المطلي بالذهب، واليوم نجدها متوافرة من أسلاك النايلون الملفوفة حول خيوط القطن، او الحرير الاصفر. ملابس الرجال ولم يقتصر استخدام التطريز فقط لتزيين أثواب النساء، ووفقاً لما أفاد إبراهيم صالح، فقد امتد فن التطريز إلى ملابس الرجال، وبشكل خاص في حياكة «البشت» إلا أنه عادة ما كانت تجلب القطعة مطرزة وجاهزة من دول الجوار، حيث تميز الحرفيون بمهارة عالية في تطريز البشت، فالدور الذي يقوم به الحرفيون بعد أن تجلب القطعة المطرزة، يتمحور في تعديل مقاساتها وعادة ما يطلق على هذه العملية بالكبانة، حيث يتم تقصير وتعديل البشت وفق المقاس المطلوب مع تطريز حوافه وإصلاحه. طقوس الحرفة رجع إبراهيم صالح مسؤول التراث الشعبي في متحف عجمان بذاكرته إلى أن النسوة كن يمارسن حياكة الملابس ضمن طقس معين، حيث يجتمعن في بيت إحداهن ممن برعت في حرفة الخياطة، ويمارسن هذه الحرفة بإشرافها ومتابعتها خطوة بخطوة، فتبدأ عندهن طقوس مزاولة هذه الحرفة بعد صلاة العصر وقرابة المغرب، حيث يفترشن باحة المنزل ويتجاذبن أطراف الحديث، ويتناولن التمر والقهوة، ولا تكف أناملهن عن شغل التطريز والحياكة، فكانت جلساتهن مثمرة ومنتجة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©