الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المدن السورية وتجربة الحكم الذاتي

المدن السورية وتجربة الحكم الذاتي
23 سبتمبر 2012
بورزو داراجاهي صوران - سوريا قرر قادة المجلس الذي يحكم "صوران" وهي مدينة تقع في إحدى المناطق السورية التي تسيطر عليها قوات المعارضة، عقد اجتماع طارئ على أحد ممرات المشاة الممتدة على طول الطريق الرئيسي لتلك المدينة، في خطوة تدل على نظام الحكومة المفتوحة الذي تدار به البلدة المحررة، والذي يمكن أن يكون محلاً لإعجاب دول عريقة في الديمقراطية مثل السويد وكندا. ويجمع القائمون على الاجتماع عدداً من الكراسي البلاستيكية وطاولة، ويبدأون في صب الشاي، ومناقشة أعمال الحكومة التي أقاموها لكي تحل محل مسؤولي حزب "البعث"، والجهاز الأمني التابعين لنظام بشار الأسد ، اللذين حكما المنطقة بيد من حديد لعقود طويلة. ويقول "فايز حماشو" رجل الأعمال، وأحد أعضاء مجلس المدينة الأحد عشر: "هذا شيء جديد بالنسبة لنا، ولكننا اضطررنا إليه عندما فر رجال بشار هاربين، ولم يعد هناك أحد كي يحل المشكلات اليومية في المنطقة". وفجأة يسود الاضطراب الجلسة، بعد أن تسربت أخبار بأن صاروخاً أطلقته إحدى مقاتلات الأسد القاذفة النفاثة قد أصاب قرية مجاورة ما أدى إلى إصابة العديد من الأشخاص. وعقب ذلك بدقائق شوهدت أعداد كبيرة من الدراجات البخارية والسيارات المكتظة بالأطفال والمحملة بالحقائب وهي تمر أمام مكان الاجتماع، هرباً من القصف. وفي أثناء ذلك كان يمكن سماع أصوات الطائرات وهي تحوم في السماء ما أثار موجة من الفزع بين الجميع. وهكذا لم يكن أمام تلك التجربة في الديمقراطية المفتوحة سوى أن تعلق أعمالها ويهرع القائمون بها إلى داخل المباني طلباً للحماية. وفي الوقت الذي تحتدم فيه نيران حرب ضروس بين الثوار السوريين ونظام الأسد، بدأت تجربة الحكم الذاتي ترسخ وجودها في تلك الأجزاء من سوريا الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وخصوصاً المناطق الشمالية من البلاد. وعلى رغم أن النظام ما زال يسيطر على العاصمة دمشق، إلا أن مناطق واسعة أخرى عديدة تحولت إلى بؤر للمقاومة. وتحت تهديد مقاتلات الأسد، والقصف، والمروحيات، يقوم النشطاء الثوار، بإدارة الشؤون المحلية مثل جمع القمامة، وتوزيع الطعام، وإيواء المدنيين العزل ممن شردتهم الحرب، بالإضافة إلى أعمال عديدة أخرى مثل تحقيق العدالة، وحل الخلافات بين العشائر المختلفة التي يمكن أن تتطور إلى كوارث، وذلك قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة. ومن المعروف أن تجربة السوريين في الديمقراطية محدودة للغاية، وذلك بعد أن عاشوا لعقود تحت حكم نظام بشار، ووالده حافظ الأسد، المفرط في قمعيته ومركزيته. كما يشار كذلك إلى أن العديدين ممن يقودون المجتمعات المحلية الآن في أجزاء مختلفة من سوريا، قد شاركوا من قبل في الاحتجاجات السلمية العام الماضي التي يعتبرها كثيرون منهم فترة من التوعية السياسية، والحوار الحر المفعم بالروح الديمقراطية التي أطلقتها الثورات في بلدان مثل تونس ومصر. ولكن عندما تدهور الموقف الأمني، اضطر العديدون من هؤلاء لحمل السلاح استعداداً لخوض المعركة ضد قوات الأسد، ولكن البعض منهم بدأ أيضاً في إعداد الخطط لتشكيل حكومات محلية، إذا ما تداعت سلطة الدولة. وجميع أعضاء تلك المجالس -أو الغالبية العظمى منهم على الأقل- من الرجال. وهم يقولون إنهم يعملون بموجب تعاليم "الشريعة الإسلامية"، غير أن الحقيقة هي أن إلمام بعض منهم بتعاليم الدين محدود نسبياً، وهم عندما يشيرون إلى الشريعة فإنما يشيرون إليها كمصطلح شامل للتمييز بين حكمهم، وبين الحكم القسري، الوحشي، والفاسد لنظام "البعث". ويشير "حماشو" إلى الكيفية التي كانت تدار بها الأمور تحت حكم حزب "البعث" فيقول: "في السابق كانت القيادة القطرية لحزب البعث تتحكم في كل شيء، وإذا ما كنت تعرف مسؤولاً في تلك القيادة فإن كل الأبواب المغلقة كانت تفتح أمامك، وتصير أمورك كلها على ما يرام... أما إذا لم تكن تعرف أحداً فإنك كنت تتعرض للتجاهل أو إلى ما هو أسوأ من ذلك". وقد تكاثرت أعداد المجالس المحلية خلال الشهور القليلة الماضية في المناطق السورية المحررة الخاضعة لحكم المعارضة، واختصت في المقام الأول، كما سبقت الإشارة، بمعالجة الشؤون المحلية مثل توزيع المياه، والطعام ، وتوفير المأوى للنازحين عن ديارهم. وأعضاء تلك المجالس ذوو خلفيات أيديولوجية متعددة، والبعض منهم أكثر تديناً من غيره. وفي بعض المناسبات يعترض المدنيون على سلوك مقاتلي المعارضة. ومن الأمثلة على ذلك أنه منذ عدة شهور، وفي مدينة "مارع" التابعة لحلب، طالب سكان المدينة المدعومين من قبل المجلس المحلي مقاتلي المعارضة بإيقاف ما يقومون به من إعدامات لأعوان نظام الأسد، والاكتفاء بحبسهم انتظاراً لمحاكمتهم فيما بعد. ولم يجد مقاتلو المعارضة طريقاً آخر سوى الاستجابة لطلب السكان. وفي الوقت الراهن يتم توزيع قانون بقواعد السلوك التي يتعين على رجال المقاومة الاهتداء بها، ويتم وضعه موضع التنفيذ -اسمياً على الأقل- خصوصاً بعد أن نشرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تقريراً اتهمت فيه رجال المقاومة بتنفيذ عمليات إعدام والقيام بعمليات تعذيب خارج نطاق القانون. ويعترف الناشطون والزعماء المحليون بدرجات -تختلف اختلافاً بيناً- بالسلطة المدنية على المقاتلين المسلحين في الخطوط الأمامية من المعركة ضد نظام الأسد. ويقول "عمر بريمو" عضو مجلس مدينة صوران في معرض إشارته للتوتر الذي يحدث في كثير من الأحيان بين المقاتلين وبين السلطات المدنية: "ما نريده هو التفرقة بين ما هو عسكري وبين ما هو مدني". ويضيف بريمو: "لقد كافحنا كفاحاً مريراً كي نبعد العسكريين عن ظهورنا، ومن ثم فنحن لا نريد حكومات عسكرية مرة أخرى". يشار في هذا السياق إلى أن المجالس المحلية في حلب تتبع للمجلس الثوري في مدينة "تل رفعت" غير أن الملفت للنظر أن التنسيق بين المجالس المختلفة يمضي أحياناً على نحو سيئ، وهو ما يمثل عرضاً من أعراض ظاهرة التشظي التي ابتليت بها الانتفاضة السورية. فبسبب ضعف التنسيق هذا يمكن لناشط، أو صحفي، أو عامل في مجال الإغاثة يعمل بحرية في قرية معينة أن يتعرض لاتهامات بالجاسوسية إذا ما نقل نشاطه إلى قرية مجاورة. وكذلك تواجه عملية عقد الاجتماعات ذاتها صعوبات مختلفة بسبب الضربات الجوية، إذ يخشى المجتمعون أن ترصد طائرات الأسد أو مروحياته تجمع عدد كبير من السيارات في منطقة واحدة فتقوم بقصفها. وعلى رغم التهديد الذي تمثله تلك الطائرات، وتواجدها بشكل كثيف، إلا أن المجالس المحلية المكونة حديثاً عادة ما تنجح في عقد اجتماعاتها على نحو ما لمناقشة أدق تفاصيل المشكلات التي تعاني منها منطقة من المناطق. ففي يوم الخميس الماضي، استمعت اللجنة القضائية لمجلس "مارع" لقضية "راجية طبشو" التي هجرها زوجها إلى امرأة أخرى من دون أن يترك لها ما يمكن أن تواجه به أعباء حياتها. ولعدة أسابيع ظل الزوج يتجاهل دعوات اللجنة للحضور -كما قالت أم الزوجة- قبل أن تقوم اللجنة بإرسال بعض المسلحين لضبطة وإحضاره. ويقول إبراهيم النجار (وهو محامٍ) تعليقاً على ذلك: "تحت النظام القديم كان الأمر يستغرق شهرين حتى يتم إحضار شخص ما للمحكمة أما الآن فيتم إحضاره خلال يومين فقط". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©