الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلاح بن بشر.. غواص في عمق الذكريات

فلاح بن بشر.. غواص في عمق الذكريات
20 أكتوبر 2014 22:00
الغوص في ماضي الآباء والأجداد له نكهته الخاصة التي تحيي في النفوس ذكريات مرت كالطيف، لكنها حين تلمع كالبرق في ذاكرة الذين عاشوا حياتهم في بيئة أقل ما توصف بتواضع أهلها، وألفتهم ومحبتهم والتفافهم على طرافة المذاق الشعبي الأصيل، وطابع البيت الإماراتي الدافئ الذي شهد حلاوة الروح، وهي تحنو على كل شيء، لتظل الصلة بين الأجيال حجراً في زاوية المستقبل، فجلسة ملامح المستشار التراثي فلاح عبدالرحمن بن بشر تدل على أنه لم يزل يسحب ظله الخفيف بثقة واطمئنان من صفحة طفولته العامرة بالقصص والحكايات إلى عصر تراكمت فيه القطرات العذبة حتى صنعت شلالاً دافقاً من النماء في أرض أضحت قبلة للزوار من كل مكان. مشاهد ولم تزل مشاهدها التراثية أشد حضوراً وثراء في الأذهان، وراح يصف بن بشر شكل البيت قديماً، خاصة الذي ولد فيه، ويذكر أنه كان مكوناً من ثلاث غرف طينية، ومجلس كبير وفناء واسع، في حين أن بيوتاً مماثلة كانت تتناثر بشكل تلقائي على الهيئة ذاتها في الفريج بأبوظبي. في هذه اللحظة يلتقط بن بشر خيطاً لمع في ثنايا ذاكرته حين تداعت بعض قطرات العرق على جبينه، وهو يشرب بعضاً من الماء ليكسر حدة الحر والعطش، فيقول: كنا نبرد الماء في إناء كبير من الفخار، يأخذ شكلاً بيضاوياً، يوضع على حامل مثبت في الأرض، وهذا الإناء الفخاري بمثابة البراد في عصرنا، وكان يوضع على غطائه «الخيش» ورغم حرارة الجو، فقد كانت المياه تُغترف منه باردة، فتطيب بها الروح، ويملأ الري الأجواف، لكنه يعاود صمته قليلاً ثم يورد أن الذبائح كانت تظل بنكهتها الطبيعية لأيام عدة وهي معلقة وسط الدار، خصوصاً بعد أن يتم تتبيلها بالملح والكركم. تمر وحليب ومن الخيمة التي يجلس فيها فلاح بن بشر، رأى عدداً من الإبل تتحرك أمامه، وهو ما دعاه إلى استحضار لقطات حية تعبر عن مدى حفاوة أبناء الصحراء بالإبل، ويبين أن غالبية الناس كانت لديها من 15 إلى 50 رأس إبلل أو أكثر من ذلك بحسب قدرة مالكها، ويرى أن حليب الإبل كان الشراب الأحب لأهل البادية، وكان التمر وحليب الإبل هما زاد تلك الأيام. صيد البحر ويذكر أن بيت أبيه كان موئلاً للعلم، ففي تلك الدار المتواضعة التي نشأ فيها على القيم الأصيلة كان وفود طلاب كتاب الله يأتون إليها لحفظ القرآن وتدبر معانيه، فكان يلتقي مع أطفال الفريج بعد انتهاء الدروس، لينطلق معهم صوب البحر، ليمارس هواياته المفضلة مع أقرانه في صيد الطيور بطريقة بدائية عبر قطعة حديد معكوفة تعلق عليها سمكة صغيرة جداً، وعندما يحاول الطير التهامها تجذبه قطعة الحديد ليظل معلقاً بها، وكان كل طفل يعود في نهاية الأمر بما لا يقل عن خمسة طيور توضع في فناء البيت، تأكل وتشرب وتمرح. مراكب وبضائع ويوضح بن بشر أن الناس قديماً كانت تعيش على خير البحر، سواء من صيد الأسماك أو الغوص عن اللؤلؤ، وأن نظام مقايضة السلع كان إلى جانب المال بالروبية، وأن مراكب «البوم» كانت تسافر بالتجار الإماراتيين إلى الهند وأفريقيا، وتعود محملة بالبضائع. وعندما ترسو كان يتجمع حولها التجار، فيحملون الأعمدة الخشبية التي توضع كقوائم لبيوت الطين في دكاكينهم، فضلاً عن البضائع من الأقمشة والملابس والعطور والأرز والسكر التي كانت تأتي من الهند، أما الأخشاب فكانت من أفريقيا ثم يذهب الناس للتجار في دكاكينهم لشراء المنتوجات والسلع. ذاكرة السرود ولم تزل تلمح بذاكرة بن بشر مشاهد «السرود» التي توضع عليها المأكولات بصنوفها في مجلس الضيافة، حيث كان الجيران يجتمعون كل يوم في أحد البيوت ومن ثم تدار الأحاديث، ومن هذه البيوت كان ينطلق جموع الناس لزيارة المريض، وفيها يقررون مساعدة المحتاج ،وبداخلها تفض المنازعات وتُحل أعتى المشكلات، وهو ما يدل على تأصل التآلف والكرم في البيت الإماراتي. خوف في صدري يتذكر بن بشر حادثة في عمر 11 عاماً، إذ ركب مع عائلته في مركب صغير، وكان الوقت ظلاماً، ويقول: «عندما أبحرت المركب ورمينا قراقير الصيد هبّت عاصفة، وراحت المركب تتراقص وسط الماء، عندئذ شعرت بأن قلبي سينزع من صدري، فانبطحتُ جاثياً على ركبتي وابن عمي يطلب مواصلة العمل، فتحركت زاحفاً ولم أستطع الوقوف، فما كان منه إلا أن اقترب مني وألقاني في الماء، وقال لي: سنتركك، في هذه اللحظة سبحت وزال الخوف، فمدّ يده إلي، ومن هذه الحادثة تعلمت الصبر وعدم الخوف، وهكذا تربى الجيل القديم على الشجاعة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©