السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجارب تحت سلطة التعميمات واليقينيات

تجارب تحت سلطة التعميمات واليقينيات
6 أكتوبر 2011 17:07
أسئلة كثيرة تثيرها الكتابة السردية باللغة العربية، سواء ما يتعلق منها بالمضامين في ضوء التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي تشهده المنطقة، أو ما يتعلق بالتقنيات المستخدمة في الأعمال القصصية المنجزة. حول تلك الأسئلة انعقدت، بدعوة من دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، الدورة الثامنة لملتقى الشارقة للسرد بمشاركة ثلاثة عشر باحثا إماراتيا وخليجيا وعربيا، في خطوة استكمال، ربما، لملتقى الشارقة السابع للسرد الذي تناول القصة القصيرة الإماراتية وانعقد شتاء العام الماضي. دون الدخول في سياق مقارَن بين الملتقيين، فإن اول ما يتبادر إلى ذهن المتابع هو أنه لا إطار نظريا جامعا للأبحاث النقدية، التي جاء البعض منها على شكل ما يسمى بـ”شهادات إبداعية” في حين تمّ إدراجها على أنها أبحاث نقدية، بحيث بدا أن مضامينها وعناوينها قد تحددت بناء على الفكرة الواسعة والشاملة للملتقى التي كانت أشبه ما تكون بعنوان فرعي هو: “القصة في أفق التلقي”، مثلما تحددت بناء على الفهم الخاص لكل من النقاد المشاركين، غالبا، لهذا العنوان العريض. هكذا بدت الأبحاث مغرقة في طابعها الأكاديمي وفي صلتها بمنصة الدرس البعيد عن المهتمين بشأن القصة القصيرة وتطبيقاتها في النقد الأدبي بل نزع البعض منها إلى إعادة كتابة تاريخ الظهور الحديث للقصة القصيرة على نحو كرنولوجي خلا من قراءة هذا التاريخ أو إعادة تركيبه وفقا لمناهج نقدية حديثة، كما أعاد البعض منها ما تمّ ذكره في الملتقى السابق حول المدارس النقدية التي تناولت القصة القصيرة المحلية أو العربية بأقلام باحثين آخرين دون زيادة أو نقصان إنما باستخدام أسماء وتعبيرات مختلفة عما جرى تداولها سابقا. مسألة الريادة أما في ما يتصل بالبعض من المضامين التي عبّرت عن نفسها بأفكار هي أقرب إلى اليقينيات من فرط الثقة المطلقة بها فكان الأبرز من بينها هو مسألة الريادة، والتي تعلّقت في هذا الملتقى بالريادة في كتابة القصة القصيرة جدا. وبناء على أن الريادة في هذا الحقل الإبداعي أو ذاك هي مسألة أثيرة جدا لدى الكثير من النقاد العرب أكاديميين وغير أكاديميين فقد وجدت طريقا لها إلى النقاشات والجدل الذي كان يعقب كل جلسة، وذلك على الرغم من أن مسألة الريادة أمر يختص بالتأريخ الأدبي والحقل الاجتماعي للأدب دون صلة لها بالنقد الأدبي بوصفه بحثا في جوهر النوع وشرطه وما يميزه عن سواه. واللافت في الأمر هنا هو تكرار أسماء الباحثين وكأن هذه الأسماء يتم اختيارها مسبقا ومن ثمّ إبلاغها بأمر الملتقى دون إشاعة أو إخبار بفتح باب المشاركة بناء على انشغالات نقدية بعينها على جاري عادة ما تفعل المؤسسات الأكاديمية وغير الاكاديمية، حتى العربية منها. بالتأكيد فإن ما سبق ذكره ليس سوى ملاحظات من بين ملاحظات أخرى عديدة، جاءت بناء على الأدبيات المرافقة للملتقى الذي خلت مطوية برنامجه من أية إشارة إلى الأسس والحجج التي انبنت عليها محاور نقد القصة القصيرة أو اتجاهات هذا النقد ودون أن تقوم بتعيين قضية نظرية محددة ومثيرة للجدل تتصل بنقد القصة اتفاقا أو اختلافا، بالطبع ما عدا ما حملته كل جلسة من عنوان خاص بها نأت عنه بعض الأوراق النقدية. أيضا فقد جاءت هذه الملاحظات بناء على متابعة عيانية لأربع جلسات من بين جلسات الملتقى المتوالية بواقع ثماني جلسات وأخرى ختامية، وقراءة بعض آخر من الأبحاث التي طُبعت وتمّ توزيعها على الصحافة. ثمة بحثان مثيران للاهتمام بسبب انشغالاتهما النقدية القائمة على تلخيص الخبرة المعرفية بحقلي القصة القصيرة ونقدها، هما على التوالي: “القصة القصيرة وجدلية الحياة” للناقد المغربي محمد برّادة، و”أي مستقبل للقصة القصيرة في زمن العولمة؟” للقاص البحريني عبد القادر عقيل، فضلا عن بحث ثالث من الممكن قراءته من جهة التأريخ الأدبي هو: “القصة العربية والقصة الغربية: تقاطع أم استقلال”، للناقد المصري حسين حمودة، وتنبع أهميته من ميله إلى التطرق إلى فن القصة القصيرة جدا بناء على ما تجري كتابته راهنا وأثر التقنيات الحديثة فيه علما أن إثارة الجدل حول ما يربط القصة العربية بالقصة الغربية هو أمر يحتاج وحده إلى ملتقى خاص به وربما أكثر. يطرح البحثان الأول والثاني مساءلات عميقة على جوهر فن القصة القصيرة بناء على “تشريح” نقدي لأزمتها الراهنة التي هي أزمة تلقي أكثر مما أنها أزمة إنتاج لهذا الفن. فيذهب الدكتور محمد برادة في ورقته القصيرة والمكثفة إلى جوهر أزمة التلقي بدءا من الكل الجامع، أي أزمة تلقي الدب في المجتمعات العربية عموما، ثم يذهب إلى التفاصيل الخاصة بالقصة القصيرة في ضوء ما تم تشخيصه من إشكاليات تخص تلقي الأدب. قطيعة معرفية يحدد الناقد برادة ثلاثة مظاهر لتعطل التلقي الأدبي في الفضاء الاجتماعي العربي يتمثل الأول منها “في محدودية بيع الانتاج وعجز المبدعين عن أن يتعيشوا من أقلامهم في فضاء يشمل أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة” ثم “في كَوْن أن اختلال التلقي يحرم مجتمعاتنا من استثمار الخطاب الأدبي في تحريك ومساءلة بقية الخطابات المؤطرة للمجتمع والمشَكِّلة للمتخَيَّل الاجتماعي ورموزه”، وأخيرا “غياب معاهد وتخصصات جامعية لدراسة سوسيولوجيا الأدب في جوانبها الملموسة والإحصائية لمعرفة عدد القرّاء ومستويلتهم وتحديد أذواقهم ومقاييس اختيارهم للأجناس الأدبية والتعرف على نماذج من تأويلاتهم للنصوص التي يقرأونها ومدى تفاعلهم مع الأشكال والدلالات”. أمام هذه الإشكالية المعرفية التي يحددها هو، والتي يبدو ألا حلّ لها في الأفق المنظور على الأقل، يذهب برادة إلى نوع من التعميمات النقدية بشأن القصة القصيرة العربية فيجنح إلى ذِكْر روّادها عربيا وخصائص النوع بحسب ما أفرزه تراكم الكتابة في هذا النوع خاصة لجهة أنه صوت الفرد الذي يراقب الحراك الاجتماعي للجماعة، غير أنه يضع هذا المنجز في مقارنة، كي لا نقول مواجهة، مع ما ينجزه راهنا كتّاب هذا النوع راهنا، فيلاحظ في هذا السياق أن هناك “قطيعة معرفية” بين ما كتب وتم إنجازه من قبل الروّاد خلال القرن العشرين وما يُكتب الآن من قبل قاصين “يكتبون متحررين من قيود طالما أثقلت كاهل الروّاد ومَنْ تلاهم” فـ”هم لا ينشغلون بالتساؤل عما إذا كانت القصة القصيرة قد وجدت في التراث العربي، ولا يصغون إلى مَنْ سوَّروا القصة الحديثة داخل تعريفات مدرسية تحدد الطول وتلح على صوغ الحبكة صياغة متصاعدة من البداية إلى انفراج العقدة” والحال أن هذه القطيعة المعرفية قد أوصلت القصة القصيرة العربية إلى تجربة وسياق ابداعيين مختلفين جعل من المُنتج الفني في هذا الحقل مؤسسا، بدوره، لطرائق جديدة في القص تبدو البؤرة الحقيقية لها متمثلة في التعبير عن الذات بوصف هذه الذات أيضا “تجربة” مخيضة في الحياة وخبرات في العيش مكتسبة من الصراعات الاجتماعية بتجلياتها المختلفة والمتعددة، وهو ما يلاحظه أيضا الناقد برادة فيصف التجربة ببعدها الشخصي والإنساني بأنها “متماسة مع جميع وسائط التواصل والتفكير” ف”القصة تأخذ شكل الطلقة السريعة لاقتناص الهدف أو تنحو صوب الاستبطان الشعري أو تستعرض الفضاءات المتجاورة، أو تستعيد ما تبقى من حفيف الذاكرة” ملاحظا في هذا الصدد أن هذا المستوى من القطيعة مثلما من الرفعة في تحقق الشرط الفني قد جاء نتيجة “التراكم والتواصل مع النماذج الجيدة العالمية وهو ما أتاح التحام المحلي والخاص بالكوني الانساني، المستوحي لقيم تعلو على المبتذل والمهَدِّد للبشري العميق فينا”. أما في “أي مستقبل للقصة القصة القصيرة في زمن العولمة؟” ورقة عبد القادر عقيل، فالسؤال الذي يفتتح به ورقته هو السؤال عينه الذي يختتمها به، وما بينهما ثمة أسئلة أخرى أيضا، غير أن الأبرز من بينها هو أن الكاتب هنا يمزج بين الخاص والعام، بين تجربته في كتابة القصة القصيرة وموقفه النقدي من العالم ومن المعرفة من جهة وبين التطورات التقنية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمعات العربية من جهة أخرى، وذلك بحثا عن أسئلة أكثر جوهرية لأزمة القصة القصيرة العربية دون الانشغال بطرح الإجابات، إنما بالانشغال بما تتركه تلك التطورات الراهنة عليه كمبدع وعلى التلقي كسؤال يمزج ما بين الإبداعي الفردي والفضاء الاجتماعي الحاضن لهذا الإبداعي. ويطرح عبد القادر عقيل التغييرات الحادثة راهنا دون أن يقوم بعزلها عن خيبات فردية وجمعية تسبب بها انهيار أحلام كبرى وأشواق عليا، وأيضا ليس بعيدا عن أثر التطور التكنولوجي بسلبياته وإيجابياته ومجمل تأثيرات على الإبداع الذي هو هنا القصة القصيرة تحديدا، غير أنه يكاد يكون على يقين “المتشائل” إذ يرى أن للأجناس الأدبية “دورة حياة مثل الكائنات الحية، تولد في سياقات اجتماعية وضرورات فنية تلبي حاجات المجتمع ثم تموت”، فيتساءل: “هل سنشهد بداية نهاية الأجناس الأدبية التقليدية، هل ستصبح القصة القصيرة مثلها مثل المقامة والأساطير والحكايات الشعبية والملاحم شيئا من الماضي؟ لا أستطيع أن أجزم بذلك، لكنني أجزم أن هذا العالم لن يتوقف عن التغيير والبحث عن الجديد”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©