الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

معتمرو «الحمدانيات».. واحات من العطاء في صحراء الأردن

معتمرو «الحمدانيات».. واحات من العطاء في صحراء الأردن
23 سبتمبر 2012
(البادية الأردنية) - تتعالى صيحات “الفزعة” أمام مخزن تابع للمستشفى الإماراتي الأردني الميداني بمدينة المفرق الأردنية، “لقد وصلت سيارات النقل”. يتراكض “معتمرو الحمدانيات” تجاه سيارتي النقل الخضراوين، ويبدأون مناولة بعضهم بعضاً، صندوقاً وراء صندوق، وكيساً يتبعه كيس، وفراشاً يرصه فراش. هكذا هو يوم توزيع الطرود الغذائية والصحية على اللاجئين السوريين في قرى البادية الشمالية والشرقية من الأردن. فبعد اكتمال الدراسات والبحوث الميدانية والتأكد من حاجة اللاجئين وحصر أعدادهم، “تتحرك طرود الخير إليهم ولا تنتظر قدومهم إليها”، بحسب ماجد سلطان سليمان قائد فريق الإغاثة الإماراتي الموحد، الذي كان يشرف على تحميل الطرود في السيارتين. في غضون ساعة، ينتهي تحميل السيارتين، تغطى الحمولة وتثبت جيداً، ثم تسير “قافلة الخير” مثقلة إلى وجهتها في قلب البادية الأردنية، عابرة من مدينة المفرق إلى قرى أم الجمال وزملة الأمير غازي، ثم تنعطف باتجاه قرية الدفيانة الرابضة على سفح قريب من جبل العرب التي تفصلها عن قمته الحدود بين الأردن وسوريا. تظهر في الأفق القريب منازل قرى الجبل في الجانب السوري، ويلمع بين حين وآخر انعكاس أشعة الشمس على مركبات عسكرية يتناهى إلى مسامع أهالي المنطقة دوي مدافعها وأصوات قذائفها مراراً. ينتهي الطريق المعبد في مواجهة الحدود بين الأردن وسوريا، لكن سيارات القافلة تتابع سيرها على دروب ترابية، لتظهر بعد قرابة ثلاثة كيلومترات من الدفيانة وعلى مرمى حجر من الحدود مجموعة من الخيم أو “الخرابيش” التي خيطت من قطع قماش وبقايا أكياس، ثم نصبت على عجل في أرض خلت من الحجارة البركانية السوداء “الحماد” التي تغلب على تضاريس المنطقة. تتوقف القافلة. يتنادى ساكنو الخيم وهم أفراد 27 عائلة من إحدى بلدات ريف سلمية بمحافظة حماة السورية. هؤلاء فروا، على دفعات، بأرواحهم وأعراضهم من بلدهم خشية القتل، تاركين وراءهم كل ما يملكون، وفق ما يوضح موفق سليم وهو أربعيني مضى على وصوله إلى الأردن أربعة أشهر. ويتابع موفق الذي كان يرتدي ثوباً وحذاء باليين كبقية ساكني الخيم: “انهزمنا من ضيعتنا وتركنا بيوتنا وكل ما نملك بعد تعرض البلدة لقصف مدفعي متكرر”. يتدخل أبو حسين زاعماً أنه دفع 100 ألف ليرة سورية (نحو 5,5 ألف درهم) ليتمكن هو وعشرة من عائلته من النزوح إلى الأردن عبر منفذ جابر الحدودي، متابعاً أن أهالي قرية الدفيانة “جزاهم الله خيراً” قدموا لهم في الفترة الماضية أغذية وفراشاً وقطع قماش. يقول قائد فريق الإغاثة الإماراتي الموحد إن جمعية خيرية محلية عاملة في قرية الدفيانة أبلغت المستشفى الإماراتي الأردني الميداني بظروف هؤلاء اللاجئين السوريين، حيث تم إرسال متطوعين من “الهلال الأحمر” الإماراتي و”تكاتف” و”ساند” لدراسة أوضاعهم. ويؤكد إبراهيم الصمادي، وهو متطوع سوري في الهلال الأحمر الإماراتي أن أهالي المنطقة توصلوا مع المستشفى الميداني وأبلغوا المسؤولين بوجود هؤلاء اللاجئين. ما أن يهدأ الغبار حول القافلة، ويكتمل عقد المستحقين الذين يلتفون رجالاً ونساء وأطفالاً حول سيارتي النقل، حتى يقف عبدالله بورقيبة، وهو من متطوعي الهلال الأحمر، منادياً بصوته الجهوري على الأسماء المدونة في كشف يحمله بيده. يصيح بورقيبة: “مريم الشبلي”، لتتقدم سيدة تخفي نصف وجهها بحجابها المغبر، وتحمل طفلتها رفيف ذات الستة أشهر التي أخفى الغبار لون شعرها الأشقر. ينزل المتطوعون صندوقين؛ أحدهما يحوي أدوات صحية مثل فرشاة الأسنان والمحارم الورقية والمنظفات، والآخر يحتوي على حليب أطفال وأرز وسكر وطحين وتمر، إضافة إلى فرشتين ووسائد، وجميع هذه المساعدات تكفي بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لعائلة مكونة من خمسة أشخاص. تنظر مريم حولها تنادي على أحد أقاربها ليحمل لها حصتها من طرود الخير، لكن فتاتين من المتطوعات تهبان لحمل الصندوقين وإيصالهما إلى خيمة مريم. وتتقدم عجوز سبعينية تقطن وحيدة في إحدى الخيم، تسأل عن حصتها، لكن بورقيبة يدقق في الكشف فلا يرد اسمها، فيبادر ماجد سلطان بتسليمها طرداً غذائياً وصحياً، قائلاً: “نحن نحرص على جلب مزيد من الطرود لحالات مماثلة، فهذه العجوز لا يمكن أن نردها خائبة”. ?وفي مكان آخر، وعلى تلة مواجهة لقرية خشاع سليتين، إحدى قرى بادية الأردن، تجتر 14 عائلة من لاجئي ريف حماة صبرها منتظرة العودة إلى ما تبقى من بيوتها ومزارعها وأغنامها. بدأ وصولهم مع بداية الأزمة السورية قبل عشرين شهراً، وتوالى انضمام آخرين حتى أصبح عددهم 72 شخصاً بين طفل وامرأة ورجل. لم تصل إليهم أية إعانة، ولم تسأل عنهم أي منظمة إغاثة، “ولولا الله ثم أهالي القرية المجاورة لمتنا من الجوع والعطش”، بحسب ما قال أبو محمد الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خشية تعرض أهله للأذى في سوريا. سكان القرية الأردنية أبلغوا فريق الإغاثة الإماراتي الموحد بظروف هذه العائلات، لتسارع متطوعات ومتطوعون إلى دراسة حالاتهم وحصرهم، وخلال سويعات كانت طرود الخير الإماراتية تحث الخطى باتجاههم. وفور وصول القافلة، يترجل الدكتور محمد عتيق الفلاحي الأمين العام الذي رافق الحملة من سيارته، يلقي التحية على من هبوا لاستقبال قافلة الخير، ثم يوعز ببدء توزيع المساعدات، حاملاً صناديق الطرود وأكياس المواد الغذائية لتوصيلها لأول المستفيدين. ولأن الدعم النفسي جزء مهم من واجبات فريق الإغاثة، تجلس متطوعات من “الهلال” و”تكاتف” و”ساند” إلى جانب فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، يستمعن لروايتها للأحداث التي عاشتها قبل نزوحها إلى الأردن، ثم ينتقلن لمواساة أم محمد، وهي سيدة خمسينية ترعى بناتها وبنات أخوة زوجها في ضوء غياب زوجها وأخوته. وتسح إحدى المتطوعات دمعاً غزيراً وهي تداعب طفلة، منصتة لما تقصه والدتها موزة موسى عما عانوه من أمراض سببها الشتاء الماضي وبرده القارس. في خضم تسليم المساعدات، يصل فرحان الماضي وهو رئيس جمعية الهدف السامي الخيرية إلى المكان، مبادراً بشكر دولة الإمارات العربية المتحدة “بلد خليفة العطاء” على سرعة الاستجابة لنجدة “الأشقاء” السوريين وتخفيف محنتهم. ويشير الماضي في هذا السياق إلى أنه تقدم لأكثر من جهة إغاثية دولية طالباً مساعدات لهؤلاء اللاجئين، ولكن دون استجابة إلا من “عيال زايد”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©