السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المستورات خلف حجب الكلام

المستورات خلف حجب الكلام
6 أكتوبر 2011 17:18
حاولت الدراسة الجديدة بعنوان “المرأة في المثل الشعبي في الأردن وفلسطين/ دراسة سوسيولوجية لواقع المرأة ومكانتها” التي قدّمها الكاتب والناقد الأردني حسين نشوان بناء على القراءة المسحية لنصوص الأمثال بوصفها مرجعية ثقافية استقراء محركات النظرة المتعددة الجوانب الى المرأة. في الواقع أن مراجعة هذه الدّراسة القيّمة تؤكد أنها دراسة لعلائق المجتمع وشروطه وبناه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجمالية والسلوكية من خلال أداة التعبير الأدبية الأكثر انتشارا ووضوحا وملامسة للمفردة اليومية والتّداول الواسع، وقد اتسعت جغرافيا لمساحة الأردن وفلسطين بوصفهما مجالين متداخلين في بناهما الاجتماعية انعكست على أداة تعبيرهما لدرجة يصعب الفصل بينهما. لقد عمد المؤلف من خلال توثيق دقيق لموضوعه الى تلمس مصادر المثل بوصفها مرجعيات هامّة لبنائه شكلا ومضمونا، منوها الى أهمية هذه المرجعيات التاريخية والدينية والتراثية والفكرية في النظرة التي انطوى عليها، كما حاول عمل مقاربة واقع المثل مع تطور التشريعات والقوانين وواقع المرأة التعليمي والعملي لتبيان أثر هذه التحولات على فنيّات ودلالات الأمثال الشعبية ومكانتها. ويخلص مؤلف الكتاب في النهاية الى أن “المثل” كأداة تعبير أدبية وثقافية يصدر عن الشرط الاجتماعي والثقافي للبنية الاجتماعية وقيمها وعلاقاتها، وتاليا فان المثل يبقى أداة مهمة ولها خصوصيتها للكشف عن هذه التّجليات وأداة لرصد تحولاتها في إطار علمي موثق تجاوز العديد من الدراسات السابقة التي تناولت واقع المرأة وصورتها في المثل الشعبي في إطار لم يتجاوز الدراسة المعجمية والمتنية التوثيقية. ولهذا كله يعدّ هذا الكتاب مرجعا مهما في دراسة الموروث الشعبي في بلدين يشكلان منذ زمن طويل لحمة واحدة. كتاب حسين نشوان يقع في ثمانية فصول وملحق. ويضم الكتاب ملحقا بالأمثال التي قيلت في المرأة، مع تصنيف لما قيل فيها بحسب مكانتها وواقعها ووظيفتها، مع تفسير، لتسهيل مهمة القارئ في فهم المثل. قوة المثل في مفهوم المثل وخصائصه وأهميته يقول المؤلف: “يعدّ المثل من أقدم الأشكال الأدبية، ان لم يكن أقدمها على الإطلاق، فقد تميز بسعة انتشاره بين جميع الفئات الاجتماعية بالنظر لسهولة عبارته ووضوح معناه ومباشرته، وسهولة حفظه، ومطابقته للواقع والحالة المراد وصفها وتناوله الأحداث والمناسبات بكل تفاصيلها، مما يحقق له تناقلا وتواصلا وتوارثا عبر الأجيال، ويقول المثل “المثل ما خلّى أي شي الا وقاله”. وهو بذلك نجح في التعبير عن الملامح الاجتماعية والثقافية للمجتمعات التي قيل فيها، ويصوّر ظواهرها وبواطنها بدّقة، ومن هنا فان المثل بمقدار ما شكّل الذخيرة المعرفية والأخلاقية للمجتمع فإنه من خلال حفظه كوثيقة برز كأداة لدراسة المجتمع وقيمه وعلاقاته الاجتماعية وتجلياتها”. أما في مجالات مفهوم المثل فقد استعان المؤلف بالعديد من الآراء والتوثيقات ومن بينها ما جاء عند عبد ربه، في “العقد الفريد” كقوله: “الأمثال هي وشي الكلام”، وجوهر اللفظ وحلية المعاني التي تخيّرها العرب، وقدّمتها العجم ونطق بها كل زمان، وعلى كل لسان، فهي أبقى من الشعر، وأشرف من الخطابة، لم يسر مسيرها ولا عمّ عمومها حتى قيل أسير من مثل. بهذا المعنى الذي أورده المؤلف يمكن القول إن المثل يعتبر بصياغاته الفصيحة أو الدّارجة، احد أشكال الأدب وصنوف الثقافة التي تتميز باتساعها وانتشارها، وتناول كثير من الكتّاب والمراجع أمثال: الجرجاني، العساكري، المعجم الوسيط، ابن رشيق، الثعالبي، وكذلك تناول القرآن الكريم الأمثال تذكرة للنّاس، وعظة ومنبهات للتفكير في أفق الحياة والخلق الانساني في وفير من الآيات الكريمة. من الإشارات المهمة للمرأة في الدراسة ما أورده حول المصادر التاريخية وصورة المرأة فيها، فيذكر: “ترسم المراجع التاريخية صورة مشرقة للمرأة في الحضارات القديمة، التي ارتبطت بدورها الإنتاجي ومكانتها في الاسرة “كأم” والمجتمع الذي ارتبط بالخصب، ممّا قرّبها ووضعها مكانة الآلهة، الا أن صورة المرأة في المجتمع العربي القديم تراجعت عبر عدد من التحولات وتوزيع الأدوار المتعلقة بفكرة العمل “قبل الإسلام” اذ أنها كانت تفتقد لأدنى الحقوق الإنسانية، وهو حقّها في الحياة، حيث كانت تتعرض (للوأد) فور ولادتها، وبغض النظر عن حجم هذه الممارسة ومبرراتها كانت عادة الوأد تسود واحدة من القبائل العربية بحسب ما ذكره بعض المؤرخين”، الا أنها كانت تستند لمبررات معروفة اجتماعيا وثقافية، كأن يقول العربي القديم للتهنئة في قدوم الفتاة: “أمّنكم عارها، وكفاكم مؤنها، وصاهركم قبرها”، ويستعرض المؤلف هذا الجانب وتطور نظرة المجتمعات والحضارات للمرأة في المصادر الدينية والثقافية مثل قوله “للنصوص الثقافية من شعر وقصص وأراء العلماء أثر في تعزيز بعض الصور السلبية وتسربها للمثل الشعبي، آخذة في ذلك مشروعية ثقافية. أمثال العالم الى أن يصل المؤلف في توصيفاته لذلك بعقد مقاربة لصورة المرأة في الثقافة العالمية، متوصلا الى ان دراسة سريعة لهذا الجانب ستؤكد دون أدنى شكّ تشابه الموقف من المرأة عالميا، حيث يقوم المثل على سيادة الذكورة ودونية المرأة وهامشيتها، وهو موقف يسلب المرأة إنسانيتها وفرص مشاركتها الاجتماعية والابداعية، ومن الصور التي يسجلها المثل الصيني هذا القول: “أنصت لزوجتك ولا تصدّقها”، فيما يقول المثل الإيطالي “المهماز للفرس والجواد والمرأة الجموح”، والمثل الاسباني بقول “احذر المرأة الفاسدة ولا تركن الى المرأة الفاضلة”، والروس يقولون “المرأة مثل البساط بين الحين والآخر تحتاج للنّفض”، والألماني يقول: “ما لايقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة”، وفي المثل العربي هناك من يقول “لا تثق بامرأة ولا تفش سرّك لأمة”. في الفصل الثالث من الكتاب ثمة معلومات لافتة ومهمة حول صفات المرأة، ويقول المؤلف في هذا الشأن: “ينظر المثل للمرأة فيم يتعلق بالصفات المادية المعنوية من خلال المناسبة، فالمرأة كأي انسان لها من الصفات الحسنة وبالعكس، وهناك صفات طبيعية وأخرى سلوكية مادية، فالصفات الحسنة مثل الجمال والعقل والأدب والشرف والنسب والأصل والإنجاب والأمومة الرحيمة والقوة، أما الصفات السلبية فتتمثل في الحسد والثرثرة والضعف وحب النّميمة”. يفرد المؤلف لصفات المرأة مساحة طيبة في كتابه الممتع ففي باب العفة والشرف يستثمر معنى المثل الذي يقول “الشرف مثل الزجاج اذا انكسر فإنه لن يعود كما كان”، ولعل ذاكرة الرجل الرعبي مسكونة بالمرأة (حواء) التي سبّبت خروج آدم من الجنّة، ومسكونة أيضا بظاهرة الغزو السائد في الأزمان الغابرة، لذلك فان العفّة والشرف من القضايا الخطيرة التي يتساهل فيها العربي فيقال “الثأر ولا المعيار”. غير أن المثل أحيانا يضع الفتاة في محل اتهام قبل ارتكابها الذّنب كقوله “البنت بتجيب العار والمعيار لباب الدّار”، ولهذا فإن لزوم الفتاة لبيتها وعدم خروجها ومشاركتها في الحياة العامّة، يعدّ من الفضائل التي تتمتع بها الفتاة البكر كما تقول بلسان حالها “عيش صبري وبيتي قبري”. اما أهل الفتاة فلهم موقف حازم من هذا الموضوع، والمثل هنا يئد الفتاة حسّيا أو ضمنيا من خلال عزلها عن العالم “البنت يا سترها يا قبرها”، وعدم اختلاطها بالرجل من باب الابتعاد عن الشبهات “الباب اللي بيجيك منو الريح سدّه واستريح” وأيضا “قالت مين أشرف النسا؟ قال بعد الذّكر عن الأنثى” و”ما اختلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما” و”المرة والزلمة مثل الكاز والنّار”. ولعل من بعض هذه الأمثلة الكثير من المبالغة المرتبطة بثقافة التشكيل القبلي التي كانت تسود فيه ظاهرة الغزو والسّبي، فيؤدي احرصه على المرأة الى وضعها موضع الاهتمام كمقدمة لعزلها والحجز عليها وإلزامها البيت، وسلب حريتها وإرادتها ومصادرة طموحاتها في الحياة والكرامة التي وهبها لها الإسلام. أخذت المرأة من أسف نصيب الأسد من التعليق على صفاتها السلبية، ويقول المؤلف: “فالمرأة والفتاة تعتبران في وجدان المثل وخبراته فأل شؤم ومصيبة، وبرأي المثل الشعبي فان الرجل يمكن أن يربّي الثعبان ويأمن له، في حين لا يطمئن للفتاة”، و”ترباية الحيّة ولا ترباية البنيّة”، فالخطأ والعوج بحسب العادات البالية والسلبية هو أصيل فيها على حدّ قول المثل الذي يقول “المرأة مخلوقة من ضلع عود اذا عدلته كسرته”، وهذه الامثال في الواقع تنقل الموقف الاجتماعي تجاه الجنسانية من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه حالة هجومية لإبقاء المرأة على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية لضمان تبعيتها إبقاء حالة التراتب الاجتماعي وفق المنظور، ومن هنا جاءت عدد من الصفات التي تتخذ طابع السخرية أو النّكتة كصفات مرتبطة بالمرأة ومنها الضعف والكيد والحيلة والأنانية والغيرة والشره واللامبالاة والخجل والحياء والثرثرة والكذب. كيد النساء في باب الكيد والحيلة عند المرأة يتناول المؤلف العديد من القصص والحكايات التي تصور هذا الجانب، والذي يفسره البعض على أنه جاء نتيجة لواقع القهر الاجتماعي والضعف. ومن الأمثلة التي أوردها المؤلف في هذا الباب: “المرة لو دقّت ركبتها بتطلع حيلتها”، وقيل أيضا “حوا طردت آدم من الجنّة” و”كيد النسوان غلب كيد الرجال”، وهذا المثل كما يبدو يحذّر من هذا السّلاح الفتّاك الذي تمتلكه المرأة “احذر عناد الرهبان وكيد النّسوان وغضب السّلطان”، وبموازاة ذلك فإن المواقف التي يراها المثل لوصف حال المرأة على الأغلب هو أنها المخلوق الضعيف الذي يحتاج للرأفة والشفقة والعطف والحنان كقوله “المرة ضلع قصير” و”النسوان وداعة الأجاويد”. يختتم المؤلف هذا الباب الجميل بتعرضه لصفة الخجل والحياء عند المرأة فيقول: “هذا الموقف أو السّلوك يشكل موقفا متناقضا اجتماعيا من خلال نظرته للمرأة، فهو يتعامل بالمعايير نفسها التي تعطيه حق الوصاية عليها أو اتهامها، فهو يرى أن الحياء المبالغ فيه للرجل أو المرأة يمكن أن يقود الى مواقف غير محمودة، ويربط في ذلك بين الحياء والايمان معتبرا أن الدّين يحضّ على ذلك مستشهدا بقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بقوله “الحياء من الدّين”، على اعتبار أن الإنسان الذي لا يستحي، يمكن أن يقوم بأي سلوك يخالف عادات المجتمع وقيمه وتقاليده، الاأن ارتباط ذلك من المرأة يرتبط بالنموذج المرسوم والمسبّق من المرأة التي يكون معها الحياء مدخلا للضعف الذي يقود للخطأ”. من الأمثلة التي أوردها المؤلف في صفة الطمع والحسد عند المرأة: “طنجرتها عالنّار وعينها على طنجرة غيرها”، و “حماتي بتحسدني على قصري وطول عباتي”، ومن أمثلة الالحاح والتملق “اللي بيتجوز أمّي بقله يا عمّي”، ومن أمثلة صفة نقصان العقل والسذاجة “النسوان ناقصات عقل ودين” و”المرة انخلقت من ضلع أعوج إذا عدّلته كسرته”. وعرض المؤلف لحقوق المرأة في المثل الشعبي، ومن ذلك حقّ الملكية ومن الأمثلة الشهيرة التي قيلت في ذلك “النسوان منهن تجارة ومنهن خسارة”، ودليل هذه الملكية تشبيهها بالملكية الشخصية “ثلاثة ما بتنعار الفرس والمرة والبارودة” وكذلك “اللي معاه فلوس بنت السّلطان عروسه” وايضا “يا ماخذ الزغار يا غالب التّجار”. ومن حقوق المرأة الأخرى حقّ الرّاي والمشاركات الاجتماعية، ويشير المؤلف الى ذلك بقوله “لقد طرأ مؤخرا الكثير من التطور على مكانة المرأة ومشاركتها الاجتماعية والسياسية، ولكن الخبرة الشعبية ما زالت تقلل من أهمية هذه المشاركة، بل انها تحاربها بطرق شتّى، على اعتبار أن القضايا العامة ليست من شأن المرأة، ومن الأمثلة التي قيلت في ذلك “إذا انطلقت البنت على خاطرها، يا بتوخذ طبّال يا زمّار”. ويرى المؤلف أنه كان للتحولات الاجتماعية والثقافية واتساع التعليم وانخراط المرأة في العمل وتطور التشريعات وانفتاح المجتمعات على العالم عبر الانترنت ووسائل الاتصال المختلفة كالتلفزيون والسينما وغيرها دور كبير في تغيير مفاهيم المجتمع وسلوكه وقيمه وعاداته، واندثار وإهمال الكثير من نصوص الأمثال التي تقلل من شأن المرأة، ألا أن ذلك لم يلغ بعض الصور القاتمة التي ما زال المثل الشعبي مسؤولا عن سيادتها ومنها: العنف ضد المرأة “الولايا بلايا” و”النسوان حبائل ابليس”، كذلك صفة التبعية ومنها المظهر الاقتصادي وما جاء به من أمثال شعبية “أهلي باعوني وجوزي اشتراني”، والمظهر الاجتماعي “بنت الجود شاورها، شورها من شور أبوها”، ومظهر التمييز وتفضيل الذكر على الأنثى في المجتمعات العربية فقيلت في ذلك أمثلة كثيرة منها “للصبي فرحة ولو انه قدّ القمحة”، وأيضا مظاهر العزلة والاستلاب “اللي ما يقدر على الفرس وعلّيقها يبعد عن طريقها”. ومن الصور المهمة التي عرض لها المؤلف في ختام كتابة صورة تبرز المرأة إيجابيا من خلال تشبيهها بالفرس والقمر والشمس والبارودة والأرض، وهي في الواقع تشبيهات تدلل على قيمة المشبّه والمشبّه به، غير أن هذه التشبيهات مقارنة بصور سابقة تشير الى تناقض وقلق في مجال الصورة المشبهة، وفي صورة المرأة والفرس مثل يقول “ثلاثة يطولن العمر: الدار الوسيعة والفرس السريعة والمرأة المطيعة”. وفي صورة المرأة الوطن يقول المثل “الأرض مثل العرض لا بتنباع ولا بتشرى”. الكتاب: المرأة في المثل الشعبي في الأردن وفلسطين/ دراسة سوسيولوجية لواقع المرأة ومكانتها المؤلف: حسين نشوان الناشر: دار أزمنة للنشر والتوزيع ـ عمّان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©