الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمر بن الخطاب أنقذ اللغة اليونانية

عمر بن الخطاب أنقذ اللغة اليونانية
6 أكتوبر 2011 17:18
أدى انتشار الإسلام في منطقة الشرق العربي الى تحول مهم في مسار الأدب البيزنطي، الذي مر بأزمات عديدة انتهت به لحظة ظهور الإسلام إلى ان كان أدبا متعلقا بالغيبيات ويهرب من الواقع، وجاء الإسلام ليحدث تغييرات إيجابية في هذا الأدب. كان الأدب البيزنطي يكتب باللغة اليونانية وكان رهبان الأديرة ورجال الدين يقومون بالكتابة بها، وكان هؤلاء خاصة في سوريا وفلسطين مشغولين قبل ظهور الإسلام بمواجهة ما يطلق عليه “البدع الامبراطورية” وهي بدعة وحدة العقل ووحدة المشيئة في شخص السيد المسيح، فضلا عن مجابهة اليهود، ولما ظهر نبي الإسلام وبدأت دعوته تنتشر في المنطقة أضيف إليه هدف صد الفتوحات الإسلامية. لغط وحقائق د. سامح فاروق درس تلك الفترة وكانت موضوعا للدكتوراه التي نالها من جامعة اثينا، ثم قدم طبعة عربية لها بعنوان “بيزنطة والعرب” ويضع فيها أيدينا على كثير من الحقائق لفترة قاتمة كثر حولها الكلام واللغط الذي وصل إلى حد الأساطير، لكن الوقائع تقول ان منطقة فلسطين فتحت صلحا، وذلك بفضل ذكاء ووعي القديس “صفردنيوس” فبمجرد اقتراب الجيوش العربية من فلسطين أدرك ان جيوش هيرقل لن تتمكن من صدها، ومن ثم اذا نشبت الحرب فقد يؤدي ذلك إلى هدم الأديرة وفقدان ما فيها من مخطوطات وأماكن للعلم ولذا قرر ان يسلمها صلحاً وان يتجنب خوض معركة يعرف انه لن يكسبها، كان “صفر دنيوس” من ابويين ذوي أصول يونانية لكنه ولد في مدينة دمشق، حوالي عام 550 ميلادية، والتحق بأحد الاديرة في فلسطين واشتهر بنشاطه السياسي والديني والروحي وانتقل إلى الاسكندرية وأقام بها عدة سنوات وتلقى العلم على ايدي كهنتها ورهبانها ثم انتقل الى سيناء وإلى القسطنطينية ثم عاد ليستقر في القدس “اورشليم” وقد ظل مواجها بدعة المشيئة الواحدة في شخص السيد المسيح، ومدافعا عن المعتقد الارثوذكسي إلى ان شعر باقتراب العرب من القدس، فاستبقهم بأن أبعد الصليب المقدس إلى القسطنطينية وقرر تسليم المدينة بعد ان اشتد الحصار العربي لها، وهو الذي فاوض الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على التسليم، وصح توقع “صفر دنيوس” حيث أمنه الخليفة المسلم على المسيحيين وضمن حياتهم وكذلك أمن الأماكن المقدسة التابعة لهم، ومن ثم فتحت أبواب المدينة أمام العرب، الذين التزموا تماما بما تعهدوا به، ومن ثم وضع عمر بن الخطاب مع “صفر دنيوس” البطريرك ميثاقا خاصا أطلق عليه “العهدة العمرية” وكان ذلك على جبل الزيتون، ومن ثم صلى عمر بن الخطاب على انقاض ما يسمى هيكل سليمان حيث قام فيما بعد “جامع عمر” وبذلك حفظ البطريرك كنائس المدينة المقدسة وأديرتها وشعبها كما حافظ على “وديعة الارثوذكس”. جدار أمان شكل الوجود العربي في الولايات الشرقية البيزنطية حائط صد وجدار أمان لسكان الأماكن المقدسة في فلسطين والشام وضمنت لهم الوثيقة العمرية حرية العبادة وحرية التعبير وسبل العيش الكريم، فضلا عن الأمان على حياتهم وأنفسهم وكنائسهم وأديرتهم، والأهم من ذلك كله أنها جعلتهم في مأمن من غضب الأباطرة البيزنطيين بسبب “حرب الأيقونات” التي تورطت فيها الحكومة البيزنطية بالعنف والاضطهاد والقوة في موضوعات دينية وكنسية مما أدى إلى طرد واضطهاد رهبان ومعلمين كثيرين. هذا الشعور بالأمان مع حرية التعبير والتفكير وتميز الحكم العربي بالتسامح مع وجود مواد القراءة والتثقيف “الكتب والمخطوطات والمصادر” أدى إلى ازدهار الادب والفكر وكذلك ازدهار اللغة اليونانية بين المثقفين في فلسطين وبلاد الشام بل وحتى بغداد نفسها، وظلت الأديرة في القرون الهجرية الثلاثة الأولى عامرة بالمترددين عليها وشكلت معقلا للثقافة والفكر. وفي تلك الفترة جاءت حركة الترجمة من اليونانية الى العربية واتسعت خلال العصر العباسي ويعني ذلك وجود مخطوطات يونانية ونشاط جم لهذه اللغة. وتكشف الدراسة عن مفارقة مهمة تتمثل في ان القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية والتي كانت بعيدة عن الفتوحات الإسلامية سواء في دمشق او بغداد حدث بها هبوط حاد في مستوى تعلم وتعليم اللغة اليونانية وسادت الأمية وعم الجهل في مناطقها رغم ان الدوائر الحكومية والدينية كانت تفرض استخدام لغة يونانية صحيحة وسليمة، بينما كانت المناطق الشرقية التي حكمها الإسلام والمسلمون تشهد ازدهاراً للأدب اليوناني واللغة اليونانية التي ظلت تدرس وتعلم حتى بعد وفاة هارون الرشيد، ووجدنا بين هؤلاء المسيحيين في الشرق من اعتنق الإسلام ومن ظل على إيمانه المسيحي، لكنهم استبدلوا اللغة العربية بلغتهم اليونانية التي نفروا منها في البداية على انها لغة غريبة واصبح الأدب اليوناني يكتب باللغة العربية لأول مرة في تاريخه عندما أصبحت العربية هي لغة الكنيسة المكتوبة وانعكس ذلك على الأدب البيزنطي وبمجرد ان وقع ذلك التحول انتشرت اللغة العربية بين مسيحيي الشرق وأخذ المسيحيون يطورون الأدب العربي وصاروا هم انفسهم حملة شعل الثقافة في العالم الإسلامي وتمركز نشاطهم الثقافي في مدينة انطاكية وجنوب فلسطين وخاصة في دير القديس مار سابا الذي كان مركزا ثقافيا تنويريا، ففي هذه المنطقة ظهرت ترجمات لنصوص من اليونانية الى العربية ومن هذا الدير ظهرت شخصية عظيمة كان لها اثر كبير في الأجيال التالية وهو القديس يوحنا الدمشقي الذي درس أعمال افلاطون ومحاوراته الفلسفية وكذلك منطق أرسطو وله كتاب بعنوان “حوار بين مسيحي ومسلم” فقد كان هناك حوار عقائدي بين المسلمين والمسيحيين ليس في الشارع بل على مستوى الكتاب والمثقفين ويوحنا الدمشقي اسمه الأصلي منصور ابن سرجون منصور الذي ولد في دمشق لعائلة عربية عريقة ووالده وجده كانا وزيري الخراج في دولة الخليفة عبدالملك بن مروان ومن هنا كان على صلة بالبلاط الحاكم وارتبط بالتقاليد العربية وظهر في ذلك الدير أيضا “دير مارسابا” مترجم مهم هو تيوذ وردس ابو قرة أسقف حران الذي كان اول من ترجم كتاب ارسطو “التحليلات الأولى” الى اللغة العربية وذكر كتاب الفهرست لابن النديم انه هو نفس من ترجم إلى العربية كتاب “فضائل النفس”. وبفضل منصور وأبي قرة عرفت العربية فكر ارسطو الفلسفي وكذلك أعمال أفلاطون. أهمية هذا الكتاب انه برغم من كون مؤلفه مصريا عربيا فإنه نوقش في لجنة علمية يونانية واشرف عليه استاذ يوناني. الكتاب: بيزنطة والعرب المؤلف: د. سامح فاروق حنين الناشر: مكتبة الانجلو المصرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©