السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من المعارضة إلى الحكومة

من المعارضة إلى الحكومة
6 أكتوبر 2011 17:19
في كتابه “رجب طيّب أردوغان قصة زعيم” يسعى المؤلفان حسين بسلي وعمر أوزباي إلى تقديم صورة تركيا وقصة الزعيم رجب طيّب أردوغان في سيرته وحضوره على الساحة الدولية والعربية. ويعرض الكتاب كيف اتسمت الحركة الإسلامية في تركيا بخصائص مميزة فرضتها عليها ظروف تاريخية واجتماعية وسياسية خاصة، أضفت عليها طابع المحلية. فقد أفادت الحركة الإسلامية في تركيا ولا سيما حركة الفكر الوطني بزعامة نجم الدين أربكان التي تمثل الإسلام السياسي من حركات إسلامية كبرى تأتي في مقدمتها حركة الإخوان المسلمين، ونهلت من كتابات منظري هذه الحركات وقادتها مثل حسن البنا، وسيد قطب، وأبي الأعلى المودودي، وأبي الحسن الندوي، ومطهري، وبهشتي، وغيرهم. مخاض حزبي ومع تطور العملية الديمقراطية منذ عقد السبعينات في تركيا، وظّفت الحركة الإسلامية التركية خبرات وأدبيات الحركات الإسلامية الأخرى في إدارة حركة نهضوية وصراع سياسي مع النظام الحاكم في تركيا. غير أن الوسط السياسي والمؤسسة العسكرية التي تقف خلفه لم يسمحا للإسلام السياسي في تركيا بالوصول إلى مبتغاه والبقاء على سدة الحكم عام 1997 أكثر من عدة أشهر، وقامت المؤسسة العسكرية بانقلابها ضد حكومة اربكان. ولعل المتابع للشأن التركي يتذكر فترة تشكيل حزب الرفاه لحكومة ائتلافية عام 1996م، والتي وصفت آنذاك بأنها انتصار للإسلام السياسي ضد النظام العلماني المتشدد في تركيا. ويستعرض الكتاب كيف انبرت حينها حركات الإسلام السياسي في العالم العربي ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين في مصر لمحاكاة ذلك النموذج التركي الذي استطاع الفوز في صناديق الانتخابات وتمكن من تشكيل حكومة ذات مشروع إسلامي لأول مرة. إلا أن تطورات الأحداث داخل تركيا وخارجها استطاعت أن تكشف عن العجز الذي أصاب حركة الفكر الوطني بزعامة نجم الدين أربكان، وما اعترى أفقها الفكري من شيخوخة وتراجع، وعدم قدرة على التعاطي مع متطلبات الظرف السياسي والمتغيرات الدولية. حيث لم تعد الحركة قادرة على تلبية متطلبات الجموع العريضة من أبناء تركيا بأطيافها الفكرية المختلفة، خاصة في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار الشيوعية، فخفتت جذوة تأييد الناخبين للإسلاميين وبرامجهم التي اعتمدت لفترات طويلة على مخاطبة المشاعر الإسلامية قبل أي شيء. وكان انقلاب 28 فبراير 1997م الذي قامت به المؤسسة العسكرية التركية ضد الحكومة الائتلافية المشكّلة من حزبي الرفاه والطريق القويم علامة فارقة ونقطة تحول في مسار حركة الإسلام السياسي في تركيا. وتكشف المراجعة التاريخية أن ثمة مطالب من أجل تجديد استراتيجيات الإسلام السياسي في تركيا قد بدأت قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات؛ فهو الصراع المتجدد بين القدماء والمحدثين، بين الشيوخ والشباب، بين القادة والمرشحين للقيادة من الصغار. سيرة زعيم “لم أتغيّر ولكنني تطورت”، بهذه الكلمات الموجزة دشّن رجب طيّب أردوغان مرحلة جديدة في مسار حركة الإسلام السياسي، وارتاد تياراً وسطاً بين ثنائية العلمانية/ الإسلام، عرف بتيار الأردوغانية. نشأ أردوغان وتربى في كنف حركة الفكر الوطني منذ أن كان في المدرسة الثانوية للأئمة والخطباء. وقد أهّلته ملكاته الخطابية، ومطالعاته الثقافية، وشخصيته الجادة لأن يشارك في أنشطة الأحزاب السياسية التي أسستها حركة الفكر الوطني؛ بداية من حزب النظام الوطني وحزب السلامة الوطني في السبعينات، ثم حزب الرفاه، وانتهاء بحزب الفضيلة. ثم هو بعد ذلك يعلن قراره بالانشقاق عن حركة الفكر الوطنين وتأسيس حزب سياسي جديد مستقل باسم حزب العدالة والتنمية. وتنشق معه قيادات شابة كثيرة كانت تمثّل التيار التجديدي داخل حركة الفكر الوطني، منهم عبدالله غول، وبولنت أرينتش، ومليح غوكتشاك، ليتركوا حزب السعادة آخر أحزاب الفكر الوطني في أيدي شيوخ الحركة وقادة تيارها التقليدي وحدهم. ويعلن أردوغان منذ اليوم الأول لتأسيس حزب العدالة والتنمية أن حزبه يحمل طابعاً ديمقراطياً محافظاً، وأنه مفتوح أمام كل المواطنين ليحقق مشروعاً وطنياً نهضوياً ينقذ تركيا من كبوتها الاقتصادية والسياسية، ويؤهلها للانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وما هو إلا عام وبضعة أشهر حتى خاض ذلك الحزب الناشئ غمار الانتخابات العامة المبكرة في الثالث من نوفمبر عام 2002م، ينافس فيها الأحزاب التركية الكبرى ذات التاريخ السياسي الطويل في خوض الانتخابات وتشكيل الحكومات. وإذا بنتائج الانتخابات تعلن فوز حزب العدالة والتنمية بالمركز الأول ليصبح قادراً على تشكيل حكومة بمفرده بعد نحو عشر سنوات لم تتشكل فيها سوى حكومات ائتلافية. وإذا كان تحقيق النجاح أمراً صعباً، فإن الحفاظ عليه أشد صعوبة. فها هو أردوغان يخوض بحزبه الانتخابات العامة للمرة الثالثة ايضاً، ويحظى مرة أخرى بثقة الشعب به وبوعوده. ولا ريب أن ثمة عوامل داخلية قد دفعت الناخبين إلى تجاهل الأحزاب السياسية العتيقة بمكوناتها الأيديولوجية المتمايزة، ومنها وعودها الزائفة، وصراعاتها الداخلية والبينية التي أوقعت تركيا خلال تلك الفترة في أزمة اقتصادية طاحنة جعلتها على وشك الإفلاس العام. ولقد اندفعت جموع الناخبين نحو تأييد حزب العدالة والتنمية وبرنامجه الطموح، حيث كانت قيادات الحزب الشابة وفي مقدمتها أردوغان تحمل رصيداً من الثقة لدى جموع المواطنين قد تراكمت في أثناء تولي هذه القيادات للمجالس المحلية والبلديات في محافظات تركيا المختلفة؛ حيث قدمت خدماتها للمواطنين، وتصدّت للفساد والمفسدين، ونفذت مشروعات تنموية جعلت محافظات مثل اسطنبول في قائمة أفضل مدن العالم. تيار ثالث وكان المناخ السياسي المتخبط، وصراع المصالح الشخصية داخل الأحزاب السياسية جميعها سببين في انشقاق عدد من القيادات البارزة في تلك الأحزاب على اختلاف أطيافها الأيديولوجية، وانضمامها الى حزب العدالة والتنمية، ومجالس إدارته رغبة منهم في تنفيذ برنامج حزب العدالة والتنمية، ومشاريعه الطموحة التي تستهدف إنقاذ مكانة تركيا السياسية، وتحقيق النهضة والتقدم للوطن والمواطنين كافة من دون التمييز بين عرق أو دين أوأيديولوجية. ويمكن القول، بحسب الكتاب، إن حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان قد تبنى تياراً ثالثاً في معضلة الهوية التركية العلمانية ـ الإسلام، وقام بتطويره، وإعادة صياغته في نسق سياسي ليبرالي ذي طبيعة ديمقراطية ـ محافظة، ليصبح بذلك مفهوم الديمقراطية معبراً عن إرادة الشعب في اختياره حكامه وتشريعاته، بينما يعبر مفهوم المحافظة عن وجدان الشعب التركي، ووعائه القيمي والتراثي. وبهذه الكيفية استطاع تيار الأردوغانية أن يشق طريقاً وسطاً يحقق إجماعاً وتوافقاً بين رغبات الشعب ومتطلباته من أجل مرحلة جديدة تسمو فوق الأيديولوجيات المتطاحنة، وتنشد مصلحة الوطن والمواطنين كافة، ولا تصطدم بالنظم السياسية العالمية. المؤلف: حسين بسلي وعمر أوزباي ترجمة وتقديم: د. طارق عبد الجليل الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©