مجرد فكرة

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان وأنعم عليه بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن أكبر تلك النعم العقل· فبالعقل ترى الأمور وتميز بينها، وبه توزن الناس وتقدر· فالبعض يؤمن بالذكاء والغباء، فنقول لهم إن علماء النفس يؤكدون أنه لا يوجد طفل ذكي وطفل غبي طالما ولد بدماغ سليم· والحياة مليئة بالآيات الربانية والأحداث والمواقف، وعلى الإنسان أن يتأمل ويتفكر ويتدبر ما فيها ليفهم ويدرك ويعي الأمور، قال تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة:242)· وتذكر بعض الأبحاث أن الإنسان يتلقى في اليوم الواحد من 30 إلى 60 ألف فكرة، ويحددها البعض بقولهم 45 ألف فكرة· إنها مسألة ليست بالأمر الهين، فعقولنا مرصد ضخم لاستقبال الأفكار وصناعتها، ولكن من يستفيد من ذلك الكم الهائل من المعلومات الواردة إلى عقولنا؟ والتاريخ العربي يسجل لنا أسماء من ذهب أدركوا هذه الأمور ونهلوا منها وصاروا أعلاماً· وأحد هؤلاء صاحب كتاب ''صيد الخاطر'' للإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي· ولعل اسم الكتاب يكفي ويغني عن الشرح، فمؤلفه اقتنص من رزق الله أجمل الأفكار فصاغها لنا في كتاب جميل· وهناك غيره ممن تصيد الفكرة وراء الفكرة فصاغها على أرض الواقع آلة وجهازاً ومشروعاً ومنشآت واختراعات وغيرها· فالمصباح كان مجرد فكرة، والمصنع مجرد فكرة، ومستقبلك مجرد (····)· فالغالبية من الناس تعلم أن كثيراً من المنجزات تبدأ بفكرة تراود الشخص، فإن قبلها جرت منه مجرى الدم في العروق، فيسعى لتحقيقها ويشيد الآخرون بما حقق· ومع هذا كله إلا أن هناك فئة من الناس -وهي تزداد من وقت لآخر- تجد في التفكير صعوبة، وتعباً وإعياء وإرهاقاً، الأمر الذي جعل أديسون يقول: ''أصعب ما على الإنسان أن تقول له فكر''· ويتضح هذا الأمر في المسابقات الإذاعية والتلفزيونية، عندما يطرح المقدم سؤالاً ما تجد كثيراً من المتصلين أول جملة يتلفظون بها ''هل هناك خيارات''، ''ممكن تبسط السؤال''، ''ممكن تقرب الإجابة''· ونحن نقول لك: ''ممكن تفكر وتستخدم عقلك للتفكير؟''· أتتني بعض الحالات للاستشارة، فمنهم من قال لي: ''ممكن تخطط لي حياتي؟'' و''أريدك أن تقول لي: افعل كذا ولا تفعل كذا''، وغيرها من الطلبات التي تدل على الاستسلام للضغوطات الحياتية والمواقف المؤلمة والمشاكل الحياتية· إن التفكير نعمة كبيرة عرفها الفلاسفة والمفكرون منذ الأزل، فقال أحدهم: ''أنا أفكر إذن أنا موجود''· فبالتفكير:تتضح الأمور أكثر، وتبنى رؤى المستقبل لمشاريع الحياة، تخرج الحلول والبدائل والخيارات· لا تستخف بأفكارك، دوّنها مهما كانت، واسقها بعقلك يوماً بعد يوم، لترى أوراقها وزهورها اليانعة· فاجعل تفكيرك يسير محاذياً للإيجابية والفأل الحسن، وأعلم أن ''مجرد فكرة'' قد تنقلك لحياة أفضل، فالفكرة فكرتك وأنت الساقي والحاصد· الدكتور عبداللطيف العزعزي dralazazi@yahoo.com