الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دجل حماتي

دجل حماتي
6 أكتوبر 2011 20:42
بلغت الثانية والثلاثين من عمري، ولم تتم خطبتي بعد، رغم أنني متوسطة الجمال ومقبولة الشكل وخفيفة الظل وقد تزوج أخواتي وإخوتي السبعة، وأنا وهم وزوجات الإخوة وأزواج الأخوات كلنا حاصلون على مؤهلات عالية ونعمل في وظائف مختلفة وأنا أعمل معلمة في مدرسة إعدادية وأبي أُحيل إلى التقاعد منذ سنوات وأقيم معه هو وأمي التي تخطت هي الأخرى الستين من عمرها، ولا أستطيع أن أصف سعادتي وأنا بينهما أحظى بحنانهما الغامر وأرى في عيونهما الإشفاق على حالي لأنني لم أتزوج بعد واستشعر قلقهما الشديد وأنا مقبلة على لقب عانس ولا أخفي أنني كنت أكثر قلقاً، ولكن لا أبدي إحساسي أمامهما وأحمل الموضوع على محمل المزاح. رغم تلك الظروف لم أكن أريد عريساً والسلام وإنما أرغب في أن يكون شريك حياتي، كما أراه في خيالاتي وأحلام اليقظة ليس بالضرورة ثرياً وأنيقاً وإنما إنسان ذو مشاعر ويقدس الحياة الزوجية ويعرف كيف يتعامل مع المرأة ويكون بيننا تفاهم حتى تسير حياتنا بشكل طبيعي وبأقل المشاكل وبطبعي أعيش الواقعية حتى عندما أترك لأفكاري العنان فلست تلك الفتاة التي تفكر بعقليات المراهقات الحالمات اللاتي تغرقن في الرومانسية والوهم وتعتقدن أن الحياة الزوجية ربيع دائم وإنما أنتظر رجلاً بمعنى الكلمة. فاجأني زميلي الموظف كاتب المدرسة بمحاولاته التقرب مني وإيصال رسالة بأنه يريد أن يتقدَّم لي، لكنه يقدم رجلاً ويؤخر الأخرى لأنه حاصل على مؤهل متوسط ويخشى أن أرفضه بسبب الفارق التعليمي بيننا، وقد تجاهلت محاولاته عن عمد وادعيت عدم الفهم حتى أمنح نفسي فرصة كافية للتفكير واتخاذ القرار المناسب بلا تسرع فالتوقيت غاية في الحرج والكفاءة بيننا فيها أقوال ولا أريد أن أندم على الاختيار وبعدما ازدادت حيرتي قررت أن أستعين بخبرة أبي وأمي وأستنير برأيهما وقد كان رأي أمي بالموافقة طالما أنه يريدني، بينما يرى أبي أن هناك فجوة بيننا قد يصعب تجاوزها وأن الرجال لا يتأقلمون مع زوجات أعلى منهم تعليماً أو مستوى ثقافياً أو اجتماعياً ولا مادياً وإن بدت هذه الاعتبارات في البداية بلا أثر إلا أنها لا بد وأن تظهر مع العشرة والمواقف والأيام. كنت في موقف الحيرة لا أستطيع أن أحسم أمري بالرفض أو القبول ولم أتعجل القرار لعجزي عن الحسم، خاصة بعد تباين رأيي أبي وأمي إلا أن زميلي اتخذ خطوة جديدة نحوي عندما أرسل لي صديقتي ليطلب يدي مباشرة مع تأكيده أن يكون الأمر سراً في كلتا الحالتين سواء كان بالإيجاب أو الرفض ولا يتم الإعلان إلا إذا وافقت حتى لا يكون هناك أي حرج لأي من الطرفين وزادني حيرة وهو يمنحني أسبوعاً واحداً للرد النهائي ومع بداية مطلبه الرسمي وجدتني أميل إليه وأقتنع به ولا أجد فيه عيباً ولا يمكن أن تكون مسألة الفارق التعليمي بيننا مؤثرة لدرجة كبيرة فشخصيته القوية وثقته بنفسه واتزانه عوامل قد تعوض هذا الفارق الذي أراه خطاً وهمياً لا وجود له. ناقشت الأمر مجدداً مع أبي فكرر وجهة نظره إلا أنه ترك لي اتخاذ القرار طالما أنني واثقة برؤيتي وراضية بقراري ومستريحة للرجل الذي لا يعيبه شيء بعد ذلك ورحبت أمي بشدة، ولكن من ناحية غلبت عليها العاطفة وخشية تضييع الفرصة التي قد لا تعود وافقت عليه وأبلغت صديقتي فكاد زميلي يطير من الفرحة وهو لا يصدق وبدأ يحدثني عن نفسه وما لا أعرفه عنه فهو من أسرة متوسطة الحال يقيم مع أمه لأنه وحيدها ولا يمكن أن يتركها، وكانت أول وقفة لي أننا نحن الثلاثة سنعيش في نفس الشقة ولم أتوقف أمام ذلك فأنا تربيت في بيت عائلة ولا يضيرني ذلك بل أحب الحياة العائلية وأرحب بها. اصطحب خطيبي أمه وحضرا إلى بيتنا ليطلب يدي رسمياً من أبي، وكانت جلسة للتعارف لم يتم خلالها الحديث عن أي تفاصيل حول المهر أو الشبكة أو تكاليف وإجراءات الزواج على أن يتم ذلك فيما بعد بيني وبين خطيبي ونقرر معاً ما نراه مناسباً ولم تكن بيننا أي خلافات فقد اكتفى هو بالشقة المتواضعة التي كان يقيم فيها من الأصل ولم يشترها من أجلي وألقى على كاهلي مهمة الأدوات الكهربائية والأثاث والمفروشات وقمت بذلك من المبلغ الذي استطعت ادخاره من خلال عملي وتحمل أبي مصروفات العرس. في بيت زوجي اكتشفت الوجه الآخر الخفي لأمه التي تتحكم فيه مثل قطعة الشطرنج لا رأي له في أي شيء حتى ما يخصه وحتى في عمله، وكانت طاعته عمياء بلا نقاش ولم أنزعج في البداية فلا ضير أن يكون مطيعاً لأمه وباراً بها، لكن تدخلها في حياتنا تجاوز الحدود، فقد تصدر عليه حكماً بأن ينام في غرفتها لتعاقبني على أي هفوة قد تصدر مني بلا قصد أو تعرقل خطتنا في الخروج كي ننفس عن أنفسنا في عطلة نهاية الأسبوع وتختلق سبباً تفسد به اليوم حتى وإن ادعت المرض والذهاب إلى الطبيب وأصبحت ألاعيبها مكشوفة ومتكررة ومتوقعة وإذا بي أقابلها بالضحك من سذاجتها من دون أن أظهر لها أنني أفهمها، لكن الغريب أن زوجي لم يكن له أي رد فعل ويوافق على أفعال أمه ويعتبرها عادية وطبيعية ولا يستنكرها وعلى عكس ذلك يحاول أن يظهر لي أنه رجل البيت والمتحكم فيه ولا يكف عن الأوامر والمطالب المبالغ فيها وأنا أعتبرها من حقوقه حتى لا تنشأ أزمة من توافه الأمور. أما في المدرسة التي نعمل بها فقد تجنب تماماً التعامل معي كأننا غريبان لا يذهب ولا يعود بصحبتي وظهرت ملاحظات أبي بوضوح عندما تمت ترقيتي إلى درجة معلم أول، بينما هو لا أمل في ترقيته بسبب شهادته المتوسطة التي لا يتاح لأصحابها الترقي وازدادت حدته في التعامل بأنه لا يقبل بهذه الفوارق التي لم أتحدث عنها ولم يكن لها أي أثر من جانبي ولم تغيرني، ولكن إحساسه بالنقص هو الذي كان يحركه وقد عبر عن ذلك صراحة وحاول أن يمنعني من العمل بلا سبب لكن حماتي لم تسكت وبدأت تبحث لي عن المنغصات وأولها سؤال عن أسباب عدم الإنجاب رغم مرور ثلاثة أعوام على زواجنا وبالطبع لم أجد جواباً لأننا لم نفكر في ذلك من قبل. بعدما عدت من العمل مساء ذات يوم وجدت حماتي تستضيف رجلاً ذا لحية كثة أشعث أغبر غير مريح نظراته مريبة وفهمت أنه مشعوذ استعانت به كي يعرف المانع عندنا من الإنجاب وانتحيت بزوجي جانباً وأنا أرفض هذا الأسلوب المتخلف البعيد عن الدين وعن العلم، لكن المفاجأة الكبرى أن ذلك كله تم بعلمه وموافقته وفشلت في المقاومة وأجبراني في النهاية على الجلوس بين يدي رجل غريب يضع يده على رأسي وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة وبعدها قرر أنني مسحورة من طرف أحد أقاربي ويجب أن يتم حل العمل بدم خروف أسود وطلب من حماتي أن تقوم بذلك وأن تضع من هذا الدم على رأسي وجسدي وبالفعل قامت بذلك ولم تعر استيائي اهتماماً وجاء بعد ذلك بماء وورقة عليها طلاسم وأجبرتني على شرب بعضه وقامت برش الباقي على عتبة الشقة. كل ذلك يتم وزوجي مسلوب الإرادة تأمر أمه فيطيع ورفض أن نتعامل مع الحالة بالعقل ونتوجه إلى الأطباء لنعرف السبب وأكد أن ما تفعله أمه أكثر فاعلية وتكررت زيارات المشعوذ الدجال إلى بيتنا وهو يبتز زوجي وحماتي ويطلب مطالب ما أنزل الله بها من سلطان على مدى تسعة أشهر ولم يرحمني من هذا العذاب إلا سقوط الرجل في أيدي الشرطة بتهمة الدجل والشعوذة ومع ذلك ما زال زوجي وحماتي يدافعان عنه وعن تصرفاته وأنه رجل مبروك وأن سمعته تخطت الآفاق، وكان لأعماله نتائج مبهرة. عندما مرضت فوجئت بحماتي تأتي برجل على شاكلة الأول ليفحصني ويشخص المرض فإذا به يؤكد أنني بي مس شيطاني وأحتاج إلى جلسات علاج وإذا بهم يوثقونني والدجال يحشو فمي بالقماش ثم يردد أيضاً كلاماً غير مفهوم ثم يوسعني ضرباً بعصاه وأنا أصرخ، لكن لا يسمعني أحد بسبب الحشو الذي في فمي وأصابني بكدمات وجروح في كل أنحاء جسدي وهو يدعي أنه يحاول أن يخرج الجان العنيد الخبيث من جسدي ولم يتوقف إلا بعد أن فقدت الوعي وأصبح وجهي مشوهاً. كل ذلك يحدث وأنا غير قادرة على الشكوى أو إخبار أسرتي ولو حتى بمجرد التلميح، وذلك فقط بسبب أنني اخترت زوجي رغم ملاحظات أبي عليه التي لم أتنبه لها فكنت أخشى اللوم أو التوبيخ إلا أنني كنت مخطئة أيضاً لأن أبي وأمي وإخوتي بعدما علموا بما حدث لم يوجه أي منهم لي أي كلمة لوم أو تقريع وإنما وقفوا بجانبي ساندوني واصطحبوني إلى الأطباء للعلاج وأنفقوا على ذلك الكثير من المال، بل تدخلوا لإصلاح ما بيني وبين زوجي وحماتي غير أن المصالحة لم تفلح لإصرارهما على ما هما عليه من غي وضلال. أصبح بيت زوجي أو بالأحرى بيت حماتي مزاراً وملجأ للمشعوذين والدجالين تستدعيهم عند كل شاردة وواردة وتوافه الأمور وعظائمها وقد أرادت أن تعيد الكرة معي للمرة الثالثة لنفس السبب الذي جاءت بهم من أجله من قبل وهو الإنجاب الذي تأخر وهي تستعجله بأي شكل وبتلك الوسائل المحرمة والمتخلفة لكن هذه المرة استجمعت قواي وجرأتي وأعلنتها صراحة رافضة كل ذلك حتى لو كانت النتيجة فقدان هذا الزوج الذي لم يكن له وجود في حياتي وبالفعل جاءت النهاية فلم أجد منه أي تمسك بي وتخلى عني وان حزنت في البداية لكن بعدما أفقت وجدت أنني نجوت من هذه الأسرة المسحورة وقد يكون لقب مطلقة أحياناً أكثر قسوة من لقب عانس، لكنه في مثل حالتي هو الأفضل.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©