السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جريمة الزوج الرابع

جريمة الزوج الرابع
6 أكتوبر 2011 20:42
اختفت «سعدية» فجأة، واختفاء المرأة يثير العديد من الأزمات والمشاكل والتكهنات، وهب الجميع للبحث عنها خصوصاً زوجها وأبناءها الأربعة، لم يدعوا مكاناً يمكن أن تذهب إليه إلا وبحثوا فيه، وحتى بعد أن أبلغوا الشرطة لم تكن هناك بارقة أمل في العثور عليها، وهي امرأة اقتربت من الخمسين ولا تحوم أي شبهة في تغيبها حول أخلاقياتها فهي مع التزامها ليست على قدر من الجمال ولا هي مطمع لأحد وليس بينها وبين أحد أي خلافات أو مشكلات يمكن أن ترجح وجود جريمة. «حسن» هو الزوج الرابع الذي ارتبط بها بعد وفاة الأول وطلاقها من الثاني والثالث، وأبناؤها الأربعة كلهم أشقاء من الزوج الأول ولم تنجب من أي من أزواجها الثلاثة الآخرين، بمن فيهم هذا الذي ما زالت على ذمته رغم أنه تزوجها قبل خمس سنوات، المرأة لم تكن أبداً محظوظة في حياتها، فبعد أن تقدم لها أول شاب يطلب يدها مع أنها لم تكمل السادسة عشرة من عمرها وافق والدها عليه ليتخلص منها ومن أعباء إخوتها العشرة الذين يثقلون كاهله مع فقره المدقع، فانتقلت من فقير إلى أفقر، ومن تعاسة إلى أتعس، وزادت الأمور تعقيداً بأن زوجها سلبي لا يعرف معنى الأسرة والمسؤولية ولم يتغير حتى بعد أن رزق بأبنائه الأربعة فألقى على عاتقها كل المهام الأسرية، بما فيها الإنفاق الذي هو المهمة الأولى له، وكان يطالبها بأن تنفق عليه، حتى الدخان الذي ينفثه من منخاره عليها أن تدبر له ثمنه. وعندما توفى هذا الزوج لم تكن الزوجة حزينة كثيراً لفراقه، إلا لأن أبناءها أصبحوا أيتاماً وهم صغار وان كان رحيله لن يؤثر عليها إلا بالإيجاب، فهي تعمل في وظيفة بسيطة تضمن لها دخلاً ثابتاً وبجانبه تتكسب بعض الأموال من خلال العمل في البيوت، وتستطيع أن تدبر أحوال المعيشة، وعندما تقدم لها الرجل الثاني للزواج وافقت عساه أن يحمل عنها بعض المسؤوليات، خاصة أنها ما زالت صغيرة وبالكاد تخطت العشرين من عمرها، وربما يساعدها حتى في تربية الصغار الذين يحتاجون إلى رجل يوجههم، ولكن عندما اقترن بها لم يكن أفضل حالاً من سابقه، وتحول إلى عبء جديد يضاف إلى أعبائها وزاد الأربعة واحداً ليصبحوا خمسة في عنقها، وما كان إلا طامعاً في أموالها القليلة. كما أن الزيجة الثالثة لم تختلف عن الثانية كثيراً وقد رفضت «سعدية» في البداية وترددت كثيراً حتى لا تكرر نفس الخطأ، إلا أن العريس هذه المرة أكد لها أنه مختلف وأنه سيعامل أبناءها مثل أبنائه الذين أنجبهم من زوجته السابقة التي توفيت وتركت له ثلاث بنات، فوافقت لأنها بحاجة إلى رجل تعيش في ظله، وان لم تكن بحاجة إليه إلا لإغلاق الباب أمام القيل والقال خاصة أنها تضطر للخروج كثيراً من أجل العمل، لكن الرجل لم يف بوعوده ولم يكن قادراً على العدل بين أبنائه وأبنائها، وكانت التفرقة بين الأولاد هي السبب هذه المرة في الطلاق وانتهت الزيجة الثالثة بالفشل. وعندما تقدم «حسن» لخطبتها كانت أحواله مختلفة فهو عامل، ويمتلك «عشة» صغيرة من الخوص يعد فيها الشاي ويقدمه للعمال في المنطقة المجاورة للمزارات السياحية حتى أن بعض الأجانب يعجبهم مجلسه البسيط ويتوافدون عليه طلباً للمشروبات الرخيصة، والأهم عندها أنه ليس طامعاً في أموالها ولم يسبق له الزواج رغم أنه بلغ الخامسة والأربعين وهو الوحيد من بين أزواجها الذي يصغرها في العمر وترى أنها يمكنها السيطرة عليه، ومن ناحية أخرى يخلو من العيوب والملاحظات التي كانت عند سابقيه، إلا أن هذا كله لم يكن حقيقة وبدت مطامعه فيها، فلم تمنحه الفرصة ووقفت له بالمرصاد ومنعته من الاقتراب من أموالها وحقوق أبنائها الذين كبروا وأصبح بعضهم في مرحلة الشباب، وليس لديها نقاط ضعف تضطرها للتنازل. السنوات الأربع التي عاشتها معه كانت بين شد وجذب، مستقرة مرة ومتوترة مرة، تسير بين حالتين، لا تريد أن تخسره، ولا يريد أن تخرج من حياته، وليس من السهل على أي منهما أن يجد زوجاً بعد هذا العمر، لأنه أصبح من الصعوبة بمكان بالنسبة لها أو من المستحيل أن تتزوج للمرة الخامسة، وهو لن يجد امرأة مناسبة ولا واحدة ترضى به، فتمسكا ببعضهما على مضض. كل هذه المعلومات تجمعت بعد أن اختفت «سعدية» حتى يتم البحث عنها وأيضاً الوقوف على الاحتمالات والتوقعات التي يمكن أن تشير إلى أسباب اختفائها وما يمكن استنتاجه فيما إذا كانت هناك شبهات جنائية أم أنها هربت وما هي الضغوط التي تتعرض لها في حياتها المعيشية، ومع هذا لم تتوصل الجهات الرسمية ولا الأهل إلى أي أثر. الأبناء كانوا في غاية الحزن والألم واقترب زوج أمهم منهم لأن المصاب واحد وترددوا في إقامة سرادق عزاء، وفي النهاية تم الاتفاق على عدم تلقي العزاء فيها مؤقتاً لأنهم لم يتأكدوا بعد من مصيرها وربما تكون على قيد الحياة، بل إنهم لو عثروا عليها ميتة لكان أهون عليهم من تلك الحيرة التي تفتك بعقولهم ولا يعرفون كيف يخرجون منها، وتعاطف الجميع معهم خاصة أن المرأة عانت في حياتها بما فيه الكفاية وقاست مع الأزواج ولم يرحمها أي منهم، واستطاعت أن تربي أبناءها بجهودها، مع ما تلقاه من الأزواج. قبل أسبوع حدث خلاف من النوع المألوف والمعتاد بين «سعدية وحسن» عندما طلب منها مبلغاً مالياً ليتوسع في المقهى الذي يديره ويشتري بعض الأدوات والاحتياجات اللازمة، لكنها لم تسمح حتى بمجرد طرح الموضوع للنقاش ورفضت رفضاً قاطعاً أن ترد عليه فهو يكرر ما فعله أزواجها الآخرون، وحذرته من طلب أي أموال منها وصارحته بأنها لن تعيد نفس الأخطاء وأيضاً قد لا تتمسك به إن أصر على موقفه، فاستشاط غضباً واتهمها بأنها تتخلى عنه في وقت احتياجه إليها، ورفضت أيضاً عرضه بأن يكون المبلغ ديناً في عنقه وسيقدم لها الضمانات المكتوبة والكافية لكي يطمئن قلبها وتثق به، وانتهى الموقف بمشاجرة وخلاف جعله يترك المنزل غاضباً. وقبل أن تختفي بيوم واحد تجدد الخلاف عندما تبدلت الأدوار وذهبت هي إليه تطلب منه أن يقوم بواجبه نحوها في الإنفاق عليها لأنه زوجها، وأعلنت غضبها منه ومن تصرفاته، وراودتها أفكار الانفصال لأن هذا الرجل يمثل عبئاً عليها بدلاً من أن يتحمل مسؤولياتها وقد بدأت قواها تضعف مع تقدمها في العمر وتتساءل متى إذا سيكون زوجاً مثل كل الرجال؟ عاش «حسن» حياته بشكل طبيعي بعد أن ودع الأحزان بسرعة ولم يعد يذكر زوجته المختفية ولا يفكر في مصيرها المجهول، وانغمس في عمله ولم يعد للعشرة التي كانت بينهما عنده أي اهتمام، حتى أن أحد زبائنه لامه على مشاعره تلك وألقى على رأسه بالسؤال المهم كيف يعيش حياته بشكل طبيعي وهو لا يعرف أين ذهبت زوجته؟ فجاء الجواب مفاجئاً، بأنه يعرف وحده مكانها ولا يستطيع الذباب الأزرق أن يتوصل إليها، ورغم أنه ردّ متسرع وسقطة وزلة لسان فقد أصر ووصل الأمر بالطبع إلى أبنائها الذين أخذوا الكلام مأخذ الجد وأبلغوا الشرطة عن زوج أمهم فتم القبض عليه وبمواجهته لم ينكر واعترف بأنه يعرف مكانها. بعد ثمانية أشهر جاء حل اللغز على لسان «حسن» واعترف بأن «سعدية» توجهت إليه تطلب الطلاق بعد الخلافات التي حدثت بينهما وتحوَّل الحوار إلى تبادل السباب وتطاولت عليه ووصفته بأنه ليس رجلاً لأنه يطمع في أموال امرأة ولا يريد أن يتحمل المسؤولية، وعندما حاول أن يبعدها عن المكان الذي يتخذه لمقهاه أمسكت بتلابيبه فشعر بالإهانة وصفعها على وجهها فحاولت أن تدافع عن نفسها فأمسك بقطعة من الحديد وهوى بها على رأسها ففارقت الحياة من أول ضربة وحتى لا يقع تحت طائلة القانون وليخفي جريمته حفر لها حفرة عميقة في نفس المكان وقام بدفنها وتوقف عن العمل لعدة أسابيع مدعياً الحزن عليها، ولكنه في الحقيقة لا يريد لأحد أن يذهب إلى المكان. وبعدما هدأت الأحوال واطمأن بأن أمره لن يكشف عاد إلى عمله فوق قبرها الذي حوله إلى مزار سياحي لزبائنه، وتم استخراج الهيكل العظمي بين ذهول الجميع وكاد أبناؤها يفتكون به لولا أن النيابة أمرت بحبسه، وأثبت الفحص الطبي أن القتيلة ماتت بسبب ضربة على الرأس، كما اعترف زوجها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©