الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معلم يخرج الجغرافيا من الكتب إلى حيز التطبيق

معلم يخرج الجغرافيا من الكتب إلى حيز التطبيق
25 سبتمبر 2012
الجغرافيا علم يزخر بجباله وسهوله وأنهاره، وهو علم متجدد ومتطور بجزأيه البشري والطبيعي، والجغرافيا ليست مجرد علم بل هي فن فمنها اقتبس الشعراء صورهم الجميلة، وهي الاقتصاد والاجتماع وهي كذلك الحساب.. بهذه الشمولية يرى المعلم أحمد النعيمي مادة الجغرافيا، وقد عبر عن حبه الشديد للمادة بتحويل أساليب تدريسها من التقليدية إلى الإبداعية إذ يحث طلابه على ابتكار وسائل تعليمية تفيدهم في فهم المقرر فهما راسخا، وتحول الطالب من متلق إلى عنصر فاعل في العملية التعليمية، متوجا ذلك بإطلاق برنامج "الإبداع في الجغرافيا". (أبوظبي) - نقل معلم الجغرافيا ومشرف الدراسات الاجتماعية في مدرسة التفوق للتعليم الأساسي، حلقة ثانية، أحمد النعيمي حبه الشديد لمادة الجغرافيا، التي يدرسها منذ 9 سنوات، إلى نفوس طلابه، ممزوجا بالرغبة بالابتكار والإبداع، فقد حول النعيمي أسلوب التدريس التقليدي لمادته إلى أسلوب مبتكر غيّر به تفكير الطلبة، وجعلهم بذرة مخترعين تكبر يوما بعد يوم، وترجم ذلك عبر إطلاقه برنامج “الإبداع في الجغرافيا”. الشرارة الأولى قبل أن يعرف النعيمي برنامج “الإبداع في الجغرافيا”، يشير إلى الشرارة الأولى التي دفعته إلى التفكير به. ويقول “لأنني كنت طالبا في المدرسة، وأعي جيدا تفكير الطلبة، وكيف يجدون صعوبة في حفظ المعلومات النظرية، ويشعرون بأنها عبء ثقيل عليهم، وبمجرد انتهاء امتحاناتهم النهائية فيها ينسونها أو ينتهي ارتباطهم بها، فكرت بعد أن أصبحت مدرسا لمادة الجغرافيا أن أغير الطريقة النمطية في تدريس هذه المادة والتي يعمد فيها المدرس إلى إحضار وسيلة تعليمية جاهزة مثل الخريطة أو مجسم الكرة الأرضية ونحوه ليستعين به أثناء الشرح، وذلك بأن يقوم الطالب بنفسه بصناعة هذه الوسيلة التعليمية من مواد وخامات موجودة في بيئته، وتم استهلاكها ويراد التخلص منها، ما يعني ربط المادة العلمية التي يدرسها الطالب بحياته وبيئته المحلية عبر تحويلها إلى واقع ملموس يعده بيديه ويقدر قيمته”. وحول أهمية البرنامج في العملية التعليمية، يقول “البرنامج فرصة كبيرة لاكتشاف مواهب الطلاب في الميدان التعليمي، وتقديم المنهاج المدرسي بصورة محببة ومشوقة للطلاب، وفرصة لاستثمار الطاقات الطلابية، وتوجيهها إلى الجهة الصحيحة، وهو يسعى إلى الخروج من الإطار النظري للمنهاج المدرسي وتحويله إلى جوانب عملية مبدعة يقوم خلالها الطلاب باستغلال الخامات المتوفرة في البيئة، وتحويل الدروس من المواد المختلفة إلى تصاميم متميزة، عبارة عن ألعاب وأشكال تعليمية كهربائية وميكانيكية ووسائل من تدوير النفايات المختلفة والتي ترمى بلا طائل، يصممها الطلاب تحت إشراف المدرس، فنسعى بها إلى إثراء العملية التعليمية، وتشجيع العمل المهني لدى طلابنا، لمحو الصورة المرتبطة بالعمل المهني، وتشكيل وسائل تعليمية من صنع الطلاب، ما يساعد في تثبيت المعلومة بسبب الارتباط الوثيق بين الجانب النظري والجانب العملي، ويصنع علاقة قوية وصداقة حميمية بين الطالب وبيئته، إلى جانب النظر إلى الأعمال المقدمة من هذه الابتكارات بعين التقدير وتعزيز الذات، من خلال تفجير هذه الطاقات لصنع العديد من هذه الإبداعات، ونشرها على مستوى الميدان التعليمي، وإشراك الطلاب بها في العديد من المسابقات التربوية، ما يؤدي إلى بيئة مدرسية جاذبة للطلاب”. جدلية الكلفة عما إذا كانت صناعة الوسائل التعليمية مكلفة بالنسبة للطالب، يؤكد النعيمي أن عملية صناعة الوسائل التعليمية المبتكرة التي تخدم المنهاج المدرسي لا يكلف الطالب درهما واحدا، حيث يحضر الطلبة ما لديهم من مواد مستهلكة ينوون التخلص منها إلى المدرسة، ويقومون بفصلها في صناديق ومن هذه المواد أقمشة أو ملابس، وأوراق، وصحف ومجلات، وأكياس بلاستيكية، وزجاجات، وعبوات بلاستيكية ليعيدوا تدويرها بطريقة نافعة وصديقة للبيئة. وما يقوم الطلبة بصناعته من وسائل تعليمية يندرج تحت نوعين، وفق النعيمي، هما الأول هو محاكاة لوسائل تعليمية جاهزة عبر صناعة مجسمات تماثلها، مثل مجسم الدورة المائية ومجسم التضاريس ومجسم مصغر لقرية ومجسم الأنشطة الاقتصادية كالزراعة والصناعة، وفي كثير من الأحيان يحاول الابتعاد عن النماذج الجاهزة، ويحضر لهم صورا تعبر عن الدرس، ويطلب منهم نقلها إلى مجسمات ملموسة، وبذلك يضعهم أمام تحد كبير لأنهم أمام صورة ليست ثلاثية الأبعاد كالنموذج الجاهز، ويكلفهم بالعمل في مجموعات، وقد يوزع نسخا من الصورة نفسها على جميع المجموعات ويطلب منهم صناعة المجسم الذي يعبر عنها، فيثير حماسهم وتنافسهم في أيهم يصنعها بشكل متقن أكثر وفي وقت أقل وبشكل يحقق الهدف المنشود. إلى ذلك، يقول النعيمي “لا أعتمد في إحضار الصورة المراد بناء مجسم يعبر عنها من الصحف والمجلات والإنترنت بل أطلب من أحد الطلاب صورة حقيقية تعبر عن الدرس يصورها بكاميراته، وعلى سبيل المثال في درس الثروة الحيوانية للصف الثامن طلبت من طالب تصوير عزبتهم، وبعدما أحضر الصورة قمت بتكبيرها أمام الطلبة باستخدام جهاز عرض الشرائح “داتا شو”، وطلبت من مجموعات الطلبة أن يقوموا بمحاكاتها. وفي هذا المثال بالتحديد ربطت الطالب ببيئته المحلية وطرقت جانبا مهما ألا وهو الاعتزاز بالتراث، ووجهت أنظار الطلبة لقيمة تدوير الخامات البيئية وتوظيفها في خدمة المنهاج المدرسي، وفيما بعد في خدمة الأسرة عبر قيام بعض الطلبة بنقل فكرة صناعة المجسمات إلى بيوتهم عبر صناعة مجسمات أشبه بديكورات ذات قيمة فنية وجمالية”. طريقة الصنع حول النوع الثاني من الوسائل التعليمية التي يصنعها الطلبة، يقول النعيمي “النوع الثاني هو ابتكار الطلبة وسائل تعليمية غير موجودة أصلا معتمدين على أحد المصادر التالية للمعلومة وهي سرد الدرس نفسه، أو قصاصة من صحيفة، أو معلومة من أحد المواقع الإلكترونية، أو معلومة من مطوية تربوية، والتي يتم في ضوئها تكليف الطلبة بتصميم وصناعة وسيلة تعليمية مبتكرة تخدم المنهاج المدرسي، وبشكل أكثر تفصيلا بعد أن أقوم بطرح الفكرة على الطلبة على هيئة مادة نظرية من أحد المصادر سابقة الذكر أسألهم عن الوسيلة التعليمية المناسبة لهذا الموقف التعليمي، وبعد أن يذهب الطلبة إلى بيوتهم يقومون بالتفكير والتشاور مع أسرهم، ويكتبون لي الأفكار التي توصلوا إليها في ورقة يحضروها لي في اليوم التالي، لأقوم بقراءة الأفكار أمامهم وغربلتها وفرزها معهم، ونختار أكثرها دعما للمنهاج وارتباطا به ليقوم الطلبة بتطبيق هذه الفكرة المختارة على هيئة وسيلة تعليمية ملموسة”. ويضيف “نحتفظ ببقية الأفكار في سجل “الاقتراحات والأفكار”، ليكون أحد المصادر بالنسبة لي كمدرس أستعين به في المواقف التعليمية الأخرى، وأرسل رسائل شكر وشهادات تقدير لأولياء الأمور على تفاعلهم مع أبنائهم ومعي كمدرس، ما دعاني لعمل سجل خاص بأولياء الأمور الأكثر تفاعلا، وتضمن هذا البرنامج أيضا تنظيم زيارات صفية لأولياء الأمور ليشاهدوا ابتكارات أبنائهم تعرض في الحصة الصفية”. وحول طريقة صنع الوسائل التعليمية، يوضح النعيمي أن الطلبة يقومون بصناعة بعض الوسائل التعليمية في مجموعات في المدرسة أو في بيوتهم مع أسرهم، ويقومون بتصوير كل جزء انتهوا منه، ويأتون لعرض ما وصلوا إليه عليه أولا بأول ليعدل على العمل قبل انتهائه، أو ينصحهم بمواصلته طالما أنه يسير في الاتجاه الصحيح ما يضمن أن يعمل الطالب بيديه، ولا يستعين بإحدى ورشات النجارة أو الحدادة في صناعة وسيلته. جسور التواصل يشدد النعيمي على تحقيق برنامج “الإبداع في الجغرافيا” لهدف مهم جدا ألا وهو مد جسور التواصل والتكامل مع المواد الدراسية الأخرى التربية الإسلامية واللغة العربية والرياضيات واللغة الانجليزية والعلوم والتربية الفنية والرياضية، ويضرب مثالا على العلاقة التكاملية بين المناهج الأخرى والجغرافيا. ويقول “أربط بين دروس الجغرافيا والتربية الإسلامية عبر تكليف الطلبة بالبحث عن آيات قرآنية وأحاديث نبوية يستشهدون بها على الدرس كدرس التضاريس والمياه والثروة الزراعية والفلك والمجرات والنجوم. وأربطهم باللغة العربية عبر توجيههم إلى المراجعة اللغوية والنحوية للشرح التوضيحي الذي يرفقونه مع وسيلتهم التعليمية التي صنعوها، وأربط العلوم بالجغرافيا باستقطاب الدائرة الكهربائية وتوظيفها بشكل جغرافي خصوصا في دروس المراجعة، ومن الوسائل التي صنعها الطلبة مستعينين بالدائرة الكهربائية عمل وسيلة فيها شقان الأسئلة والأجوبة فيقوم الطالب بإيصال سلك السؤال بضوء الإجابة فإذا أضاء المصباح كانت إجابته صحيحة، وإن لم يضء كانت إجابته خاطئة، إذ إن المصابيح مبرمجة على إجابة محددة”. ويتابع “أما بالنسبة للغة الإنجليزية فأكلف الطلبة بكتابة المصطلحات والمفاهيم الجغرافية على وسائلهم باللغتين العربية والإنجليزية فأحقق بذلك أحد أهداف مجلس أبوظبي للتعليم وهو إنشاء طالب ثنائي اللغة، ولعل التربية الفنية موجودة في كل وسيلة يصنعونها، ويخدم الرياضيات الجغرافيا الرقمية وهي الجغرافيا المرتبطة بالأرقام مثل المرتفعات والمنخفضات ومساحات الدول وأطوال المسافات ومقاييس الرسم التي يستندون إليها في صناعة أي وسيلة تعليمية، ومن أجل الربط بين الجغرافيا والتربية الرياضية تم طرح برنامج رياضي جغرافي أسميناه “أولمبياد الجغرافيا” يضم فقرات جغرافية رياضية ضمن معسكر مدرسي يقام على فترات، يدخل الطلبة خلاله في منافسات رياضية ومحاضرات تربوية وجوانب تطبيقية عملية بالتعاون مادتي الجغرافيا والتربية الرياضية كأن يقوم الطلبة بعمل تشكيلات بأجسادهم تمثل التضاريس أو مظاهر فلكية”. توصيات وشهادات المعلم أحمد يوضح “وجدت أن لديهم قدرات ومواهب ومهارات عظيمة وتحتاج إلى من يدعمها ويشجعها ويصقلها ويوجهها الوجهة الصحيحة”. ويتوجه النعيمي، الحاصل على جائزة خليفة التربوية، وجائزة حمدان للأداء التعليمي المتميز، وجائزة الشارقة للتميز التربوي، وعدة جوائز تربوية أخرى بنصيحة إلى طلبته المبتكرين بألا يظنوا أن الابتكارات حبيسة عام واحد، وبأنهم يستطيعون أن يصمموا للسنوات القادمة، وأن عليهم وضع خطة متكاملة تضم عناصر هذه الابتكارات، وأهدافها، وخاماتها، والفترة الزمنية التي استغرقت صناعتها، والنتائج المتوخاة والتقييم لهذا الابتكار، فيسهم هذا التوثيق بدعم الطلاب في المستقبل، وبدعم دولتهم في مختلف المجالات. على صعيد متصل، ذكرت مجموعة من الطلبة ما تتضمنه بعض الوسائل التعليمية المبتكرة التي قاموا بصناعتها، ومنهم الطالب أحمد بدواوي، الذي يقول “قمت بتصميم لعبة مرتبطة بالبيئة المحلية وهي عبارة عن صندوق يحتوي على شخصيات المسلسل الكرتوني الإماراتي “فريج”، بحيث تقوم شخصيات المسلسل التي صنعتها بطريقة مبسطة بتوجيه أسئلة للطلاب عن الدرس أو الوحدة المنجزة من المنهاج المدرسي، ما ساعدني على تطور مهاراتي في الأنشطة اللاصفية وإثارة دافعيتي للمشاركة الصفية، وربط بين المدرستي ومجتمعي المحلي”. وقام الطلبة حمد العفاري وحمد الكتبي وغانم الظاهري بتصميم لعبة إلكترونية تخــدم المنهاج، عنها يقولـــون “صممنا لعبة إلكترونية عن طريق الارتباط بين الشرائح الإلكترونية مستخدمين عدة برامج في الكمبيوتر، وقمنا بإدارة الحصة ووزعنا المشاركات على الطلاب، بحيث يقوم كل طالب باختيار الرقم وبالضغط عليه ينقله مباشرة إلى السؤال الإلكتروني فيجيب عليه الطالب، ثم تخرج الإجابة الصحيحة ونعود من جديد، وساعدنا المشروع على تنمية المهارات التقنية لدينا، وتوظيف هذه المهارات في خدمة المنهاج المدرسي، والدخول لمواقع الإنترنت التربوية، وتصميم ألعاب تقنية من أحدث البرامج التعليمية، ونشر جو من المتعة والمرح في الحصة”. ويشير الطالب منصور الكعبي إلى أنه قام بتصميم لوحة “المظاريف التربوية”، وكل مظروف يحتوي على تكليف معين أو مهمة أدائية أو سؤال جغرافي، وفي بعض المظاريف يأخذ الطالب مكافأة. ويوضح الكعبي أنه استفاد من صناعة هذه الوسيلة في اكتسـاب الجرأة والإرادة في مقابلة الجمهور حيث عرض عمله أمــام الطلاب في طابور الصباح، ما فتح له آفاقاً جديدة لتقديم أعمال مبتكرة أخرى. ويلفت الطالبان سلطـان النعيمي ومحمد الكعبي إلى أنهما قاما بتصميم دائرة كهربائية كوسيلة تعليمية تضم مجموعة من الأسئلة، وعند الإجابة الصحيحـة يضيء المصباح، وعند الإجابة الخطــأ لا يضيء، ما ساعدهما على تطويــر المهارات التقنية والكهربائية لديهما، وإعادة تدوير بعض الخامات البيئية بصورة مفيدة، وصقـل مهاراتهما الشخصية كالتواصل وفن الإلقاء من خلال عرض الوسيلة أمام الطلبة. تعميم الفكرة يتمنى أحمد النعيمي مدرس الجغرافي، ومشرف الدراسات الاجتماعية في مدرسة التفوق للتعليم الأساسي / حلقة ثانية أن تصبح مدرسته نواة وبؤرة إشعاع لأحد المراكز المهمة في تصميم وصناعة الوسائل التعليمية من الخامات البيئية المتنوعة، وصنع الابتكارات الطلابية المختلفة، وأن تتواصل مع بقية المدارس لنشر الأفكار التربوية الإبداعية في صناعة وتصميم تلك الوسائل، وطرح مسابقات ذات صلة بالألعاب التربوية. بالنسبة لتعميم فكرته، يقول النعيمي إن برنامج الإبداع في الجغرافيا لا يقتصر على الطلبة الذين يدرسهم، بل يطبق من قبل جميع معلمي الجغرافيا في المدرسة، وذلك لأنه يقوم بعقد اجتماعات مع مدرسي المنهاج بوصفه مشرفا للدراسات الاجتماعية في المدرسة، كما يتم تعريف بعض المدارس الأخرى بهذا البرنامج للاستفادة منه عبر التنسيق مع مكتب العين التعليمي التابع لمجلس أبوظبي للتعليم لعقد زيارات مدرسية تتبادل فيها الخبرات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©