الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قربت البعيد وأبعدت القريب

22 أكتوبر 2014 00:16
صحيح أن التكنولوجيا قربت البعيد، لكنها أيضاً- أبعدت القريب. وقد يبدو للبعض أنها حولت العالم إلى قرية صغيرة، غير أنها في الحقيقة، صنعت لكل فرد، وقع في أسرها، عوالم شاسعة مليئة بالأصدقاء والمتابعين والتغريدات والأخبار التي تتدفق بلا انقطاع على مدار الساعة. فاتسعت الدوائر من حول الإنسان، وتعددت الاختيارات، وصار الفرد منا في مواجهة بحر متلاطم من معلومات وأفكار تحاصره أينما ذهب في أي وقت، بما يتجاوز بكثير القدرة البشرية على الاستيعاب. وتراجعت العائلة- النواة الأولى والأهم للمجتمع- إلى الخلف أو الهامش بعض الشيء واحتل قلب الصورة الأصدقاء على الهاتف أو في الفيسبوك أو الواتس أب أو انستجرام أو تويتر. حتى كلمة الصداقة أو الأصدقاء نفسها تبدل معناها الكلاسيكي وفقدت حميميتها ودفئها وأصالتها، كأحد أنبل المشاعر الإنسانية منذ القدم. فالآن صارت الصداقة ملساء، باردة على الإنترنت. ولم تعد تعني شخصيات ربطتنا بهم علاقات وطيدة وتجارب إنسانية عميقة على مدى سنين، بل أضحت سهلة يسيرة بقدر ضغطة زر على الكيبورد، تكفي لأن تصبح صديقاً لمئات البشر الذين ربما لم تقابل معظمهم في الواقع من قبل. لقد اختلطت الأمور وصار الافتراضي أقرب للحقيقية والخيال أقوى من الواقع. وبالتالي، يعتبر الأصدقاء الإلكترونيون- إن جاز التعبير هم- التطور غير الطبيعي للعائلة، وتراجع الحضور الحقيقي الفعال للأب والأم والأخوة والأقارب. فهم الآن يقومون بأدوار ثانوية في حياة الصغار والجيل الجديد شبان وشابات. وياليت الأمر توقف عند ذلك الحد، بل صارت منظومة القيم والأفكار التي كانت تترسخ في نفوس الأبناء بين جدران المنزل عبر العائلة الصغيرة أو الكبيرة، صارت تتسرب لعقول الأجيال الجديدة من مصادر أخرى، عبر الإنترنت بعيداً عن كل رقابة، وهو ما ينذر بخطر شديد يهدد مجتمعاتنا العربية التي تلعب فيها الأسرة الدور الأساسي في التنشئة، وتراجع دورها في هذا الشأن يهدد بمخاطر كثيرة. أحمد مروان- أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©