الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استعارات «نداء الوقواق»

استعارات «نداء الوقواق»
2 أكتوبر 2013 19:49
رواية “نداء الوقواق” التي صدرت في لندن، في شهر تموز الماضي، هي من نوعية روايات فن الجريمة، أو رواية بوليسية مفعمة بأجواء الخيال التقليدي السّاحر، والحوارات العميقة. وقد حققت هذه الرواية التي تتصدر حالياً واجهات الصحافة الثقافية أعلى مبيعات على المستوى العالمي، إذ بيع منها حتى الآن ما يزيد على ثمانية ملايين وخمسمائة ألف نسخة باللغة الإنجليزية، في غلاف فني. وما زالت الرواية تتصدر قائمة نيويورك تايمز للرويات الأكثر مبيعا، سواء للنسخ الورقية، أو الإلكترونية. أما موضوع رواية “نداء الوقواق” فيدور في مجمله حول محارب قديم، تحوّل لظروف استثنائية إلى محقق خاص إسمه “كورموان سترايك”، ووصفه الناشر بأنه يقوم على “تجربة جالبريث الخاصة وتجارب زملائه العسكريين”، لكن ما يبعث على الاهتمام بهذه الرواية غير موضوعها البوليسي ذات النزعة الإنسانية، أنها نشرت تحت اسم مستعار هو “روبرت جالبريث”، وهو الاسم الذي استخدمته الكاتبة العالمية صاحبة سلسلة “هاري بورتر” جيه. كيه. رولينج، التي أكدت في تصريحات نشرتها صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية، أنها تعمدت نشر هذه الرواية باسم مستعار “من أجل التّحرر من القيود، وردود الأفعال النقدية، التي ربما لا تكون في محلّها الصحيح”، وقد كان لهذا التصريح دوّيه الإيجابي، على المكتبات ودور النشر والجمهور، فقد زادت مبيعات الرواية بشكل ساحق، وبخاصة في إنجلترا، كما أن “نداء الوقواق”ـ وفي ترجمة ثانية “استدعاء الوقواق” وفي ترجمة ثالثة “صياح الوقواق”ـ حصلت على المديح والثناء من جانب كتّاب روايات الجريمة، كما أشاد عدد كبير من نقاد الأدب حول العالم بالكاتب باعتباره قوة جديدة في هذا النوع من التعبير الأدبي، الذي لا يخلو من المفارقات التي تذهب بعيدا في تفاصيل البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة في الولايات المتحدة. وفي السياق كتب الناقد الأدبي في صحيفة “الجارديان” فال ماك ديرمايد يقول: “هذا الكتاب يتضمن خيالا تقليدياً ساحراً، جمال الإيقاع، وسرعة بديهة المحقق الخاص، هو نوع من الكتابة التي تذكرني بسبب حبي لهذا النوع الأدبي الذي يعرّي القشرة الخارجية البرّاقة لشخصيات هشّة”. أما الكاتبة الأصلية للرواية فقد أعربت عن أسفها لاكتشاف هذا التمويه وحقيقة استخدامها لاسم مستعار، وقالت في بيان نشرته في صحيفة “لوس أنجلوس”: “كنت أرغب في الحفاظ على هذا السّر لفترة أطول من ذلك، لأن وجود روبرت جالبريث كان مثل تجربة التحرير، لقد كان من الرائع أن تنشر كتباً بدون ضجيج أو توقع، وتحقيق متعة خالصة، لتحصل على ردود أفعال باسم مختلف”. أما عنوان الرواية كما نرى فهو لافت للانتباه ويحمل دلالاته، فطائر الوقواق كما هو معروف يقطن في أوروبا، ويميل لونه إلى الرمادي، ويتمتع بصيحة خاصة ذات نغمتين، ومن الغريب أنه يحبذ وضع بيوضه في أعشاش غيره من الطيور. وفي الحديث عن هذه الرواية التي أحدثت ضجة كبرى في الأوساط الثقافية العالمية أن “الجارديان” في الأسبوع الأول بعد صدور الرواية كتبت مقالة نقدية مهمة بقلم فال ماك ديرمايد المتخصص في التحليل النفسي والمؤلفات الخاصة بالجريمة، قال فيه عن الكتاب انه “حصرياً” أفضل الكتب التي تعنى بالرعب والجريمة وله نظرة خاصة عن هذا النوع من المؤلفات، ومذكراً بسؤال “لماذا أحب مثل هذا النوع؟”على حد قول الكاتب. وهذا النوع من الروايات والظهور الأول له قاد صحيفة “صنداي تايمز” إلى البحث عن كاتب هذه الرواية لغرض منحه لقب (مؤلف أفضل الكتب البريطانية مبيعاً). في الواقع هذه ليست (فضيحة أدبية)، كما يتخيل البعض، فصاحبة سلسلة هاري بوتر التي أصدرت روايتها هذه بلسان رجل، غنية عن التعريف، وليست بحاجة إلى شهرة إضافية حققتها عبر سنوات مميزة ومؤثرة من الكتابة، وقد اختارت اسم روبرت جالبريث لأنه واحد من أسماء الرجال النسائية المفضلة لديها، أما جيه. كيه. رولينج فهي كاتبة إنجليزية ترجمت أعمالها لأكثر من 74 لغة ووزعت أكثر من 450 مليون نسخة من رواياتها، حاصلة على وسام الشرف البريطاني، وحائزة أيضاً على جائزة الحرية لمدينة لندن التي يعود تاريخها إلى 775 عاماً، وقد تم اختيارها من قبل لجنة تحكيم، قررت منحها هذه الجائزة تقديراً للخدمات الجليلة في مجال تطوير الذائقة الثقافية لدى أطفال وشباب العالم، وبهذه الجائزة المهمة تنضم رولينج إلى قائمة من الشخصيات المعروفة التي حصلت على هذه الجائزة مثل الملكة إليزابيث الثانية وديانا أميرة ويلز الراحلة، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشيرشل، ورئيس جنوب أفريقيا الأسبق الحائز على جائزة نوبل للسلام نيلسون مانديلا. ومن المعروف أن رولينج بفضل موهبتها النادرة وأجوائها الخصبة حققت نجاحاً وافراً في ثنائية الأدب والفن، بعد أن تحولت سلسلة هاري بوتر إلى أفلام، وبعد أن تحولت روايتها الأولى للراشدين بعنوان “مقعد شاغر” إلى مسلسل تلفزيوني من إنتاج هيئة الإذاعة البريطانية التي ستبدأ بثه مطلع العام القادم. ولدت رولينج في تشيبنج سودبري، جنوب جلوسيستر شير في الحادي والثلاثين من يوليو عام 1965، وبحسب إحصائية لمجلة “فوربس” عام 2004 لمشاهير الثراء من العاملين في قطاع الأدب والثقافة، تعتبر رولينج أول مليارديرة في العالم من الكاتبات، إذ تجاوزت ثروتها المليار دولار، وكانت سلسلة هاري بوتر سبب شهرتها، وقد أصدرت منها سبعة أجزاء في الفترة ما بين1975 إلى 2007 وكان أول هذه الأجزاء بعنوان “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” وآخرها بعنوان “هاري بورتر ومقدسات الموت”. ومن الكتب الأخرى ذات الصلة بعوالم هاري بوتر، “الوحوش المذهلة وأين تجدها”، “كويدتش عبر العصور”، “حكايات بيدل الشاعر”، وبعدها سال الحبر مع المال بعد أن أصدرت العديد من الرويات والكتب. تأثرت رولينج تأثراً واضحاً بالعديد من العوامل، ومزجت في رواياتها عناصر كثيرة من الأساطير العالمية، كما أنها تأثرت بقوالب من سبقوها في مجال الكتب الخيالية، وقد أضحت خلال فترة وجيزة من خيرة نماذج الكاتبات في التعبير الإنساني من خلال مخيلة ساحرة خصبة، إنها في الواقع كاتبة من طراز خاص، قادرة على أن تجعل من القصص التي لا تقرأ شيئا آخر في يديها بفضل موهبتها ولغتها ومفرداتها والمزاج الفني الذي تصنعه داخل أحداث الرواية، وجعل شخوص رواياتها إنسانيين بالفعل، ومن ذلك روايتها الشهيرة “المقعد الشاغر” التي حققت أعلى مبيعات في بريطانيا وفرنسا منذ صدورها في سبتمبر من العام الماضي. الجدير بالذكر أن “مقعد شاغر” هو أول عمل روائى لرولينج، موجه للكبار بعد سلسلتها الشهيرة للأطفال “هارى بوتر”، ورغم أنها تحمل قدراً من الخيال، إلا أنها تندرج أيضاً تحت الكوميديا السوداء، حيث تروي كيف يتحول الموت المفاجئ لعضو مجلس بلدة باجفورد الذى يخطو خطواته الأولى فى عقده الرابع إلى لغز يتسبب فى أزمة تضع البلدة فى صدمة وتثير مخاطر عدة خلال عقد انتخابات على مقعده الشاغر بالمجلس، لتكشف عن صراع جديد وموجة من النفاق غير المتوقعة من أبطال الرواية تخلف حالة من الحرب الداخلية على عدة جبهات بين الفقراء والأغنياء، وبين الأجيال المختلفة، وبين أفراد العائلة الواحدة، حتى بين المعلمين وتلاميذهم، ليصبح المقعد الشاغر حافزاً وجائزة كبرى لأكبر حرب وصراع تشهده البلدة من أجل الفوز به. وفي السياق فقد اعتبر العديد من النقاد أن روايتها “نداء الوقواق” هي رواية المساحة المفتوحة لنماذج تتساقط إلى الأعلى، أو رواية المقايضة في زمن تم فيه تسليع كل شيء، من خلال قصة بوليسية تعكس جانباً من سيرة الكاتب المفترض جالبريث، تفترض أنه كان يعمل محققاً سرياً في الشرطة العسكرية، وقد ترك القوات المسلحة في العام 2003، للعمل في شركات الأمن المحلية. ومن الغريب أن تنتقد صحيفة “نيويورك دايلي” رواية “نداء الوقواق” بتعليق قالت فيه: إن رولينج نفسها قالت أسوأ ما يمكن أن يقال: إنها في تصميم بنية هذه الرواية فظيعة ومروعة ومبالغة، كان يجب عليها أن تظل تكتب للأطفال. ومن التداعيات أن تتطابق الأسماء والعنواين في عالم الأدب والفن والفكر، فقد أصدر الكاتب الليبي إبراهيم الكوني من جيل الرومانسية الجديدة في الرواية العربية (نال جائزة الدولة الاستثنائية الكبرى من الحكومة السويسرية، كما فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2008) رباعية بعنوان “رباعية الخسوف”، وتضمنت روايات: “البئر”، “الواحة”، “أخبار الطوفان الثاني”، و”نداء الوقواق”، والأخيرة التي صدرت عام 1989، كما يبدو لنا من عنوانها تتماهى مع رواية رولينج، وكاتبها المستعار روبرت جالبريث. والدارسون لأعمال الكوني يرون أنه يمارس في نصوصه لعبة المزاوجات، فالمكان خيالي/ تجريدي، والزمان أسطوري/ واقعي، مما يجعل الدخول إلى مروياته، والخروج منها انتزاعا، وأشدّ صعوبة. و”نداء الوقواق” العربية خاتمة رباعية “الخسوف”، فيها تتجمع عواطف الأحداث وبؤرها بعد توزعها في أوان موشور واسع. تتضح الأسرار وتتبلور معاني الرحلة العظيمة للإنسان. هل تعبر المصائر التراجيدية التي يقود الروائي شخصياته إليها عن اتجاه فلسفي أم هي خط بياني لانقراض الحقيقة وغرق البشرية في هدير قادم أشد سواداً من الموت بمعناه الحسي؟ إشارات الرواية الفكرية تبقى مفتوحة وعرضها لفترة كبيرة من تاريخ الصحراء يحتفظ بأهميته على الصعيد الاجتماعي ـ الثقافي، ومثل مايسترو لأوركسترا ضخمة ينهي إبراهيم الكوني رباعيته بزخم نفسي هائل ومشاهد لا تنسى، فهل يبدو أن هناك تماهياً إنسانياً ما بين الروايتين؟ ربما تكون ثمة تماهيات، فالكوني بنى موضوع روايته على الأسطورة، من خلال بناء المكان في السرد، ورولينج بنت روايتها على حدث مفترض، من خلال خيال واسع، لكن كليهما لعب في خانة (نقد الحالة الاجتماعية والسياسية) كل على طريقته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©