الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحراج

2 أكتوبر 2013 19:51
سهير السمان * لم يكن أمامه سوى أن يترك ولده هناك! ما الذي سيضيفه إلى باقي إخوته سوى أن يزيد من فقرهم ومن فاقتهم. عشرة من الأبناء لا يجد لهم مرتعاً، أملاً في مستقبل جميل وآمن. ما الذي سيحدث الآن إن تركه رهناً عند صاحب الدين حتى يسدد ما عليه، أو يتركه عنده لفترة من الزمن ليلقي عن كاهله حملاً أضيف إليه من سنتين، لا يدري هل سيقبل به أم سيرفضه مقابل المال، كيف سيكون رد فعل زوجته، هل تقبل أن تفرط بولدها مقابل المال؟ إنه آخر أولادها بعد أن قررت عمل العملية لمنع الإنجاب مستقبلاً، والتي كانت سبباً في تراكم الديون عليه.. صحتها التي بدأت تتدهور بسبب الإنجاب المتكرر، وسوء التغذية. هذه المرة كاد باب المنزل أن يكسر، صوت الدائن يصل إلى طرف الحارة. فز الأطفال من مخدعهم، والآمال تتهاوى ليصبح الأفق معتماً، والمنزل الذي يجب أن يكون عشا هادئاً أصبح ساحة معركة، مارد الفقر رابض عليه، تنطلق نظرات الدائن ملتهبة كشبح.. لم تفد كلمات الأب الراجية معه نفعاً، كان إصراره يتزايد لاسترجاع أمواله. يشرح الرجل مأساته التي لم تنته قائلاً: ? أنت ترى بنفسك حالي الذي لم يتحسن يوماً، أكاد لا أجد قوت وجبة واحدة للأولاد، فمن أين السداد؟ ألا تصبر وتحتسب ذلك عند الله؟ ـ صبرت كثيراً وها نحن ذا سنكمل السنتين وأنت لم تسدد ريالاً واحداً. ? حسناً ضع حلاً أنت. ـ الحل الوحيد أن أبلغ الشرطة حتى تأخذ بحقي منك. ? ولكنك لن تستفيد من سجني، بل ستجني على أسرة بأكملها أنا عائلهم الوحيد. ـ ماشاء الله أقرضتك المال، وإلى الآن لا أستطيع أن أسترجعه منك. ? ماذا أفعل؟ لو لم تعمل زوجتي تلك العملية؟ لو لم ننجب ذلك الطفل الذي جاء بالوبال علينا ما كان هذا الذل حالي. توقف لحظة واضعاً يديه عل رأسه، عله يوقف الدم الفائر فيه، ويفكر ما الذي سيعمله لإسكات الدائن أمامه، طرأت فكرة غريبة في رأسه، وبسرعة وجهها إليه قائلاً: ? سأقترح عليك اقتراحاً.. وهو أن تأخذ ابني المولود حديثاً وتتركه وديعة عندك، إلى أن أسدد ما علي! وهل أغلى من الولد. فلزاماً علي، طال الوقت أم قصر، أن أوفيك ما علي من مال.. طرق الحديث رأس الدائن، وأشعل ما كان خامداً في خفايا نفسه من ألم حرمانه من الذرية: لماذا لم يفكر من قبل أن يتخذ ولداً ما دام أن الله قد أحرمه من الإنجاب. رد بحماس للرجل أمامه: حسناً أنا موافق. دخل الرجل إلى زوجته المصعوقة من الذي دار بين زوجها والرجل، الذي أعادها إلى الوراء قروناً عديدة، هل تتخلى عن ولدها من أجل حفنة من المال؟ كان وجهها كقطعة من الجليد، توقفت عنه الدماء، عندما دخل عليها زوجها شارحاً موقفه من الذي حدث: أنت تعرفين الحال التي أصبحنا عليها بعد أن جاءنا العاشر، لم نعد نجد قوت يومنا، يا امرأة! ليتك تدركين مقدار معاناتي، أراكم تتلوون جوعاً، ولا أملك لكم نفعاً، انظري إلى صحتك التي تتدهور يوماً بعد يوم، حتى الحليب الذي في صدرك قد جف، ولا يشبعه. لا ضير أن نتركه فترة عند أناس لا يوجد لديهم أطفال، فهم يتشوقون لهم، وسيعتنون به، لن يعاني الحرمان. كان يتكلم والألم يضرب بأرجاء قلبه، ووجه زوجته ينبئ بتصدع أركان بيته، تفرس في ملامحها منتظراً الرد. تمسكت بوليدها وانطلقت تغلق عليها باب الغرفة. خرج يشرح للرجل صعوبة القرار على الأم: ولكني خلال يوم أو يومين سأحضره لك بعد أن أقنع أمه بذلك. وبعد أن استيقظت في يوم لم تجد فيه ولدها في حضنها. وقطرات الحليب اللبن تتساقط من ثدييها لتجف على ملابسها.. خواء مهد وليدها، ورحيل مناغاته، وضياع إشراقة عينيه ولمسة أصابعه الصغيرة، أطرحها الفراش. وبعد أن مر وقت ليس بقليل لم تره فيه، تأكدت بعده أنها لن تراه أبداً، لأن حالة زوجها ازدادت سوءاً، اشتد المرض الذي لم يتحمله جسدها الضعيف، أسلمت روحها وهي تضم ذراعيها على صدرها وكأن وليدها هي من تضمه. تهاوت آخر قلاع الصبر لدى الأب اليائس بموت زوجته، منظر أطفاله الذين يحتاجون للرعاية المتواصلة، من ذا الذي سيأتي ويأخذ مكان أمهم، لا أحد من الأسرة سيتحمل تربيتهم لأن لديهم ما يكفي، مرت الأيام ومعاناته تتزايد، وألمه يتضاعف، لا يستطيع أن يتركهم فترة طويلة، للجري وراء رزقه، من أين يأتي بأم لهم؟ وكل من يرى عدد أولاده يدعو له بالصبر. رياح من كل اتجاه تعصف به، وأشباح أولاده وهم يتضورون جوعاً وفقراً لأمهم. تذكر يوم أن رهن ابنه ولم يستطع أن يحصل على المال ليسترد ولده. تيقن الآن أن هذا أفضل له ولوليده، فهو الآن في حضن أسرة تعتني به. عادت إليه الفكرة بشكل آخر مجنون! وكان أن أخذ أولاده إلى سوق حراج، أحد الأسواق المنتشرة التي يباع فيها الأثاث المستعمل في هذا الزمن. وهناك في سوق الحراج أخذ ينادي: أولاد... أولاد... بنات.. بنات.. خذ ولد واحظ بفتاة معه... أولاد بصحة جيدة يتمتعون بقوة الأبدان. من لا يملك أولاداً فعندي الأولاد.. من لا يملك بناتاً فعندي البنات. * عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©