السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليس مجرد حجاب!

27 فبراير 2008 01:51
مثلما أن العلَم ليس مجرد قطعة قماش، فإن الحجاب لم يعد مجرد قطعة ثوب أو حرير، وفي هذه الأثناء، تبدو تركيا مصممة على إلغاء قانون حظر ارتداء الحجاب في الجامعات، وهو ما فجَّر جدلا محتدما حول الصراع الطبقي وحقوق الإنسان وصعود المد الإسلامي في بلد متوجس من التأثير الديني أصلا، غير أن العلمانيين الأتراك الغاضبين لأنه سيصبح باستطاعة النساء المسلمات ارتداء الحجاب حتى في المدارس النخبوية في المناطق الحضرية، لجأوا إلى ازدراء مواطنيهم والحط من قدرهم، وكما قال الفيلسوف السياسي التركي ''أتيلا يايلا'' -لصحيفة نيويورك تايمز- فإن الأتراك العلمانيين ''لا ينظرون إليهم (الأتراك المتدينون) كبشر، بل يريدونهم أن يتبخروا، أن يختفوا في أسرع وقت ممكن''· الواقع أن الزوبعة التي أثارتها قضية رفع حظر ارتداء الحجاب في الجامعات تمثل تذكيرا مهما لنا جميعا، فالخلاف، وبخاصة إذا كان داخل المجتمع الواحد، يصبح خطيرا عندما يُشرع في تجريد الإنسان من إنسانيته، فأن تعرب عن عدم اتفاقك مع وجاهة وصواب حمل الرموز الدينية وإظهارها في الأماكن العامة، وتنخرط في النقاش، ويَحدث الانقسام بخصوص الحاجة إلى فصل الكنيسة والدولة -أو في هذه الحالة المسجد والمدرسة- شيء، وأن تجرد بالكامل مجموعة من الناس من إنسانيتهم شيء آخر· لقد رأينا إرهاصات بداية هذه العملية في تركيا، فتجريد الإنسان من إنسانيته يكمن في أحيان كثيرة في اللغة القاسية، وإطلاق الأوصاف الغاضبة، والتعميمات الدنيئة والجائرة، كما رأينا نهاية هذه العملية في الأمثلة المأساوية لرواندا والبوسنة والشرق الأوسط، وحتى في المصير الذي لقيه ضحايا جرائم الكراهية في أميركا مثل ''ماثيو شيبرد'' و''جيمس بيرد'' وآخرين· فما الذي يحدث ياترى بين البداية غير المتعقلة والنهاية المأساوية؟ وما الذي يؤدي إلى الانتقال من الخطاب المجرّد من الإنسانية إلى العنف المجرّد للإنسانية؟ أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد ''ألبيرت باندورا'' يقدم جوابا مثيرا للاهتمام بقوله: يحدث ذلك عندما نجرد ''الآخرين'' من الآمال والأحاسيس -ونجعلهم دون البشر أو مجرد موضوع كراهية، فيصبحون في نظرنا مجردين من الأحاسيس والقيمة· قد لا يتفق تركي علماني، وجاهة فكرة منح النساء المسلمات حق ارتداء الحجاب في المدارس، غير أنه لن يقفز إلى الكراهية، ثم إلى العنف، لو أنه استطاع فهم تجربتها العاطفية: الارتياح والارتباط والفخر الذي يعنيه ارتداء الحجاب بالنسبة لها· إذا أردنا أن نتجنب الحرب الأهلية والإبادة الجماعية وجرائم الكراهية، والتعصب بصفة عامة، فعلينا أن نسعى جاهدين لتلافي تجريد الناس من إنسانيتهم، وذلك عبر تقلد مسؤولية التحلي بالوعي العاطفي والذكاء الاجتماعي· الخبر السار يتمثل في أن لدينا نماذج لما تعنيه هذه الأمور بفضل مجال ''الذكاء العاطفي'' الفتي -الذي لفت انتباهَ الجمهور إليه لأول مرة الكتابُ الذي أصدره ''دانيال جولمان'' في 1995 تحت نفس الاسم، وقد ألقى ''الذكاء العاطفي''، الذي تحدد شكلَه القدرةُ على تحديد العواطف وإدارتها داخل الذات وفي الآخرين، صخرة في مياه طريقة فهم العاملين في قطاع الصحة والتربية والتعليم ومدراء الشركات وحتى السياسيين للعلاقات الإنسانية· إذا كان تجريد الإنسان من إنسانيته هو سوط زمننا، فيبدو أن الوعي العاطفي هو الدهان أو البلسم، إذ كيف كان سيستطيع أحد أنصار ''كيباكي'' أن يضرب أحد أنصار ''أودينجا'' في كينيا لو أنه كان يعلم المشاعر الكامنة وراء الاختلاف السياسي؟ وكيف كان سيتسبب جندي إسرائيلي أو فتى فلسطيني في الأذى للآخر لو أنهما كانا واعيين بالدوافع العاطفية التي تدفع الآخر للدفاع عن بلده وأسرته ودينه؟ وكيف كان سيستطيع جندي أن يغتصب فتاة مدنية لو أنه كان يفهم خوفها ومشاعرها وحاول وضع نفسه في مكانها؟ في النهاية، لن تحمينا القوانين أو القنابل، ولن نكون محميين سوى عبر السعي الدائم لمحاربة تجريد الإنسان من إنسانيته بكل أشكاله، والتركيز على تطوير الوعي العاطفي في أطفالنا وأنفسنا، إن العلم ليس مجرد علم، والحجاب ليس مجرد حجاب، والأكيد أن قلب الإنسان ليس مجرد عضو، إنه سلاحنا ضد المحق والإبادة، وأقرب حلفائنا لخلق عالم أكثر سلما· كورتني مارتن كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©