الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ديمقراطية المجر: مؤشرات «الوحل الأحمر» !

7 أكتوبر 2011 22:06
في الثالث من أكتوبر 2010 كان "جوزيف كونكولي" قد انتهى من تركيب نظام تدفئة كلفه مبلغاً كبيراً من المال في منزله الكائن بمدينة "ديفيسير" المجرية، تحسباً لمقدم الشتاء الوشيك. وفي اليوم التالي بدأت أوحال حمراء تتدفق من نافذة منزله. كانت تلك هي بداية كارثة لقي بسببها عشرة أشخاص مصرعهم وأصيب أكثر من مئة وعشرين بعد انهيار جدار إثر انفجار مستودع للنفايات السامة ما أدى إلى تدفق سيل من مواد كاوية من الطين الأحمر الذي أدى إلى تلويث مدينة وبلدتين وتسبب في انبعاث مليون وتسعمئة ألف متر مكعب من الطين على مساحة كبيرة من الأراضي. وحالة "كونكولي" ليست إلا وجهاً واحداً من وجوه تلك الكارثة التي تعتبر أكبر كارثة بيئية تتعرض لها المجر، وهي المعروفة بكارثة "الوحل الأحمر السام" التي ضربت هذا البلد الصغير الواقع في وسط أوروبا في شهر أكتوبر الماضي، لكنه تحول بعد مرور عام على وقوعها إلى رمز نادر -وغير متوقع- للديمقراطية المجرية، وقد رفع كونكولي عدة قضايا ناجحة ضد المصنع الذي كان مسؤولاً عن الكارثة، ما جعله مصدراً لإلهام المئات من الناس العاديين الآخرين في مدينتي "ديفيسير" و"كولونتار"، الذين قلدوه وقاموا بدورهم برفع قضايا ضد المصنع المذكور وكسبوها هم أيضاً. وضحايا تلك الكارثة لا يشملون فحسب هؤلاء الذين غمرت الأوحال السامة بيوتهم، والذين انتقلوا الآن إلى منازل شيدتها الحكومة، ولكنهم يشملون أيضاً جيران هؤلاء الضحايا الذين وإن كانت الأوحال السامة لم تغمر بيوتهم، فإن قيمة تلك البيوت ذاتها قد انخفضت انخفاضاً كبيراً بين ليلة وضحاها بسبب تلك الكارثة التي لم تتمكن الحكومة حتى اللحظة من إزالة كافة آثارها. وفي نفس الوقت فإن كونكولي وزملاءه الآخرين الذين تقدموا بشكاوى للحصول على حقوقهم كانوا سبباً في تسليط الضوء على العديد من الحقائق المتعلقة بالمجر اليوم، بعد مرور ما يقرب من عقدين على التحول من نظام ديكتاتوري شيوعي إلى نظام ديمقراطي رأسمالي، ومنها أنه على الرغم من خيبة الأمل التي يشعر بها البعض ممن أعربوا عن انخداعهم بالنظام الديمقراطي الرأسمالي والذين يتباكون على الأوضاع التي كانت سائدة في الماضي تحت نظام حكم قاس وعتيق. إلا أن الديمقراطية على الرغم من ذلك، تتجذر تدريجياً وعلى نحو بطيء في التربة المجرية خلال العهد الجديد "ما بعد السلطوي". ويقول كونكولي مشيراً إلى دعاوى التعويض التي رفعها واستطاع من خلالها الحصول على تعويض بعشرين مليون فورين مجري (94 ألف دولار)، منها 3 ملايين فورين قيمة تعويض معنوي، والذي استطاع أيضاً اختراق عمود آخر من أعمدة الديمقراطية متمثلاً في وسائل الإعلام التي أجرت معه عشرات اللقاءات للحديث عن تفاصيل الكارثة التي تعرض لها، وشكلت ضغطاً على المحاكم التي تنظر في قضايا التعويض المرفوعة من جانبه ومن جانب غيره من الضحايا. وعند النظرة الأولى قد لا يلمح المراقب الخارجي الكثير من علامات التقدم في المجر، فالمناخ السياسي والاقتصادي هبطا إلى مستوى متدن، كما حدث نزاع بين بروكسل وبودابست على الطريقة التي تعامل بها رئيس الوزراء فيكتور أوربان مع المعارضة، كما يتحدث العديد من المجريين بأسف عما آل إليه استقلالهم المنشود، كما تتردد همسات من العائلات المتعلمة الشابة وهي تتحدث عن الطرق التي يمكن لها أن تهاجر عبرها من البلاد. وعلى ضوء ذلك كله يمكن إدراك حقيقة أن المطالب الشعبية بالعدالة في المناطق التي تعرضت لسيول الأوحال السامة لا تفعل الكثير من أجل رفع الروح المعنوية للناشطين الليبراليين. ويعبر" استفان هيجيدوس" الذي كان في شبابه ناشطاً منشقاً مناوئاً للشيوعية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، والذي يترأس الآن جمعية معروفة باسم "جمعية أوروبا المجرية"، عن ذلك بقوله إن الكارثة التي حدثت في مدينتي "ديفيسير" و"كولونتار"، والتعويضات التي حصل عليها الضحايا، لا تمثل نمطاً ثابتاً بقدر ما تمثل استثناءً أو خروجاً عن السائد؛ فكل ما حدث هو أن عدداً قليلاً من الناس تعرضوا لكارثة، كان من بينهم من قام برد فعل على ما حدث باستخدام وسائل قانونية، وقام الآخرون بتقليده. ولمزيد من توضيح الصورة يقول هيجيدوس إن "الصورة العامة ما زالت غير إيجابية... فالناس العاديون، وإلى حد كبير، يشعرون بأنهم لا يتمتعون بأي سلطة أو نفوذ في مواجهة الحكومة وسطوتها أو حتى في مواجهة الإدارات المحلية، أو أصحاب المشروعات الكبرى. لقد كنا نأمل بعد مضي عشرين عاماً من التحول من الديكتاتورية الشيوعية إلى الديمقراطية الرأسمالية، أن يكون الناس جميعاً -وليس طائفة صغيرة تمكنت في ظروف استثنائية من الحصول على ما تريده من تعويضات- قد تعلموا كيف يستخدمون الوسائل الديمقراطية ضد الحكومة أو أصحاب المشروعات. لكن كل شيء هنا للأسف بات محكوماً بالمناورات السياسية الحزبية". لكن هيجيدوس وغيره لا ينكرون أن النظام بشكل عام يختلف اختلافاً جذرياً عن أيام الحكم الشيوعي. ففي تلك الأيام، لم يكن هناك محاكم مهمتها حماية الناس الذين لا يمتلكون نفوذاً، كجزء من منظومة عامة للعدالة، لكن المحاكم في ذلك الوقت كانت تمثل أعمدة لحماية الديكتاتورية نفسها، وكانت مصممة لدعم أسس الحكم الشيوعي ذاته، وكان تحدي ذلك الوضع في تلك الأيام كفيلاً بزج صاحبه في غياهب السجون، إن لم يكن أسوأ. لذلك لم يكن أمام الجماهير سوى أن تتكيف مع هذا الوضع وأن تتعلم كيف تطأطئ رأسها دائماً، وتغلق فمها. مايكل جوردان ديفيسير - المجر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©