الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان والهند... شراكة من أجل «التوازنات»

أفغانستان والهند... شراكة من أجل «التوازنات»
7 أكتوبر 2011 22:06
وقعت أفغانستان قبل ثلاثة أيام على شراكة استراتيجية جديدة وأساسية مع الهند في خطوة اعتبرها المراقبون أنها تهدف في جزء منها على الأقل إلى ممارسة المزيد من الضغوط على باكستان لبذل جهود أكبر في لجم المتمردين وإقناعهم بالتفاوض للتوصل إلى تسوية سلميـة مـع الحكومـة الأفغانية، لا سيما في ظل النفوذ الكبير لإسلام آباد في البلاد وتأثيرها الكبير على جماعات المتمردين التي تشير مزاعم إلى أنها مرتطبة بها ولديها معها علاقات وثيقة. فقد وصل الرئيس الأفغاني، إلى نيودلهي للتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقية مع الهند بعدما أقر بلا جدوى التواصل مع "طالبان" ومحاولاته الأخيرة للتفاهم مع قياداتها. وتسمح هذه الاتفاقية الاستراتيجية مع الهند، والتي تعتبر الأولى من نوعها التي تجمع بين البلدين بنقل الأسلحة واستكمال الإجراءات لقيام الهند بتدريب القوات الأمنية والعسكرية الأفغانية. ومع أن عدداً قليلاً من الضباط الأفغان يتلقون تدريبهم في الهند، إلا أنه بموجب الاتفاقية الجديدة يتوقع ارتفاع العدد وتعميق التعاون العسكري بين البلدين، لكن باكستان أعربت في أكثر من مناسبة خلال العقد الأخير عن مخاوفها من تعرضها "للتطويق" من قبل تحالف قوي يضمن الهند وأفغانستان يضرب مصالحها في المنطقة ويزعزع أمنها. واليوم تأتي الشراكة الاستراتيجية لتعطي لكرزاي ورقة أخرى يلوح بها في وجه إسلام آباد، مهدداً بتوسيع التعاون العسكري مع الهند والدخول في شراكات أعمق إذ استمرت باكستان في تعطيل مسيرة التعاون ولم تضغط على أصدقائها في أفغانستان للجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء النزاع بين الحكومة و"طالبان". ورغم العلاقات التاريخية والودية التي تجمع بين كابول ونيودلهي اقتصرت هذه الأخيرة في علاقتها مع أفغانستان على أعمال التطوير والاستثمار الاقتصادي دون الإقدام على إرسال جنود إلى الأراضي الأفغانية لدعم الحكومة ووضع حد لـ"طالبان"، والحقيقة أن هذا النوع من التعاون الذي يستثني إرسال الجنود لن يتغير كثيراً مع الهند حتى بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، لا سيما في المدى المنظور. فقد أكد السفير الهندي لدى أفغانستان، "جوتوم موكوباثاي" أمام الصحفيين في نيودلهي أنه فيما يتعلق بالتدريب العسكري "فإن الهند تبذل كل جهدها" دون الإشارة إلى رفع مستوى العلاقات العسكرية إلى ما فوق تدريب القوات الأفغانية كالمشاركة في ضرب التمرد، أو غير ذلك، وفيما تشدد الاتفاقية على متانة العلاقات الثنائية بين البلدين وضرورة توطيدها لضمان استقرار المنطقة فإنها تحجم عن الدخول في التفاصيل، حيث نصت الشراكة على "موافقة الهند على مساعدة، كما اتفق على ذلك ثانياً، في تدريب وتجهيز وبناء قدرات القوات المسلحة الأفغانية". هذا وحرصت الاتفاقية على التوضيح بأن "الشراكة ليست موجهة ضد بلد معين أو مجموعة من البلدان"، ويضيف السفير الهندي أن ما جاء في الاتفاقية ليس جديداً، ذلك أن التعاون العسكري كان قائماً في الماضي، لكن الاتفاقية في المقابل تمهد الطريق وتفسح المجال أمام "تعاون تدريجي وتصاعدي" ومستوى "إضافي" من التنسيق يستند إلى احتياجات أفغانستان من جهة وقدرة الهند على التنفيذ من جهة أخرى، وبحسب مسؤول أفغاني تسمح الاتفاقية لبلاده بطلب مساعدات عسكرية أكبر من الهند في حال حاجتها إلى ذلك، قائلاً "ربما لا نحتاج هذه المساعدة قبل 2014 مع استمرار تواجد حلف شمال الأطلسي، لكن الوثيقة تعطينا الضوء الأخضر لطلب المساعدة بعد هذا التاريخ عندما تنسحب القوات الأميركية ومعها باقي قوات التحالف الدولي". وتعكس الاتفاقية الموقعة مع الهند الواقع الجديد الذي يحاصر كرزاي ويفرض عليه التحرك، فهو يواجه من جهة قرب الانسحاب الأميركي من بلاده بحلول 2014 مع ما يستتبع ذلك من صعوبات أمنية وأسئلة جوهرية متعلقة بمدى قدرة القوات الأفغانية على تسلم المهام الأمنية، والضغط الذي تمارسه عليه من جهة أخرى الأقليات المؤتلفة معه في الحكم بعدما فقدت ثقتها في التصالح مع "طالبان" وتسهيل باكستان لهذه العملية الصعبة، وهو ما دفع الرئيس إلى التوجه إلى الهند التي تنظر إلى بلاده كصديق تاريخي وبوابة الهند العريضة أمام أسواق آسيا الوسطى ومواردها الغنية. كما أن البلدين معاً يشتركان في نفس العدو المتمثل في "طالبان" التي تواصل عملياتها العسكرية في أفغانستان، واستهدافها أيضاً لمصالح هندية، ناهيك عن التجربة التي تتوفر عليها الهند في تدريب جنود الدول النامية والخبرة التي راكمتها في هذا المجال، وهو ما يوضحه "راميش تشوبرا"، الجنرال الهندي المتقاعد قائلاً: "إنه أسهل لنا مقارنة بالقوات الغربية تدريب الجنود والضباط الأفغان، فنحن نتواصل على نحو أفضل مع القوات الأقل تعليماً والذين ينحدرون من بيئة صعبة وقاسية". وحالياً تكتفي الهند بتدريب عدد محدود من القوات الأفغانية لا يتعدى العشرات في السنة حسب المحللين، لكن بموجب الاتفاقية الجديدة يرى الجنرال الهندي أن بلاده تستطيع تدريب ما لا يقل عن 20 ألف جندي أفغاني في العام إذا طلب منا ذلك، بحيث يمكن توزيع بضعة آلاف جندي على المراكز والمدارس العسكرية المنتشرة في مختلف الولايات الهندية. لكن أي زيادة في عدد الجنود المستفيدين من التدريب في الهند سيكون تدريجياً، وفي هذا الإطار يقول "موهان جورسواني"، رئيس مركز البدائل السياسية في نيودلهي: "لن يتم الأمر دفعة واحدة بقبول آلاف الجنود الأفغان في وقت قصير، بل سيتطلب وقتاً كما سيقتصر ربما على الضباط الذين يفترض بهم معرفة اللغة الإنجليزية للتواصل مع مدربيهم الهنود". وتمثل الاتفاقية مع الهند قطيعة مع الجهود المتواصلة التي بذلها الرئيس كرزاي طيلة السنة الماضية لإقناع باكستان بالانخراط في دعم جهود السلام والتأثير على "طالبان" بالجلوس إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب المستمرة في البلاد منذ الإطاحة بها من قبل القوات الأميركية. كما تأتي الشراكة الاستراتيجية في أعقاب عملية الاغتيال الأخيرة للرئيس الأفغاني السابق، برهان الدين رباني، الذي كان يتزعم جهود الوساطة مع "طالبان"، وسرعان ما وجه المسؤولون الأفغان أصابع الاتهام إلى الجارة باكستان، مشيرين إلى أنها لا تريد الاستقرار في أفغانستان. ورغم الأدلة التي يقال إن الرئيس نفسه سلمها إلى السلطات في باكستان للتحقيق في الاغتيال ومعاقبة الجناة نفت إسلام آباد بشدة في بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية الاتهامات قائلة: "إن باكستان ترفض هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، وأضاف البيان أن "الأدلة المزعومة التي سلمت إلى السفارة الباكســتانية في كابــل هي في الحقيقة اعترافات مسجلة لمواطن أفغاني يدعى حميد الله أكوندازاده متهم بالتخطيط للاغتيال"، وتعهد البيان بالتحقيق في المعطيات مشدداً في الوقت نفسه على إدانة باكستان القوية للاغتيال ومشيرة إلى دعمها القوي لجهود السلام في أفغانستان. ومع أن الهدف من اتفاقية الشراكة مع الهند هو الضغط على باكستان وتحفيزها على التعاون مع كابل لدحر "طالبان" ودفعها للسلام، يشكك العديد من المراقبين الأفغان في قدرة الاتفاقية على زحزحة مواقف باكستان، أو التأثير عليها، وهو ما يعبر عنه "داوود سلطانزوي"، العضو السابق في البرلمان الأفغاني قائلاً "يبدو أن أفغانستان في مسعاها للضغط على باكستان كمن يحمل مسدساً فارغاً، ويبدو أيضاً أن ذلك يتم بتشجيع من الغرب، لكن باكستان اعتادت على الضغوط الواهية التي لا تثمر شيئاً في النهاية". بن أرنولدي - نيودلهي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©