الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مناجاة النار

مناجاة النار
30 سبتمبر 2015 22:35
بعد موضوع الهوية التي كانت مركز اهتمام الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل في روايته الأسبق «العنقاء والخل الوفي»، والتي ركز فيها على أزمة الفرد من فئة عديم الجنسية، التي تعد أحد إشكالات قطاع من سكان الكويت، لأجيال متعاقبة، فها هو يقترح أن يخوض في قضية لها طابع سياسي واجتماعي هي قضية الأسرى الكويتيين في خلال الغزو. تدور وقائع رواية طيور التاجي، الصادرة عن منشورات ضفاف، للكاتب إسماعيل فهد إسماعيل، في ثلاثة مسارات سردية. تبدأ من المسار الواقعي الذي نرى فيه الراوي أو الكاتب في مكتبه، حيث يتلقى اتصالا هاتفيا من صحفي بمجلة «العربي» يطلب منه الاشتراك في ملف قصة تعده المجلة، ويلح الصحفي إبراهيم فرغلي على الأمر، مما يضع الكاتب تحت ضغط نوع من التحدي من جهة، ولإحساسه بأن الطلب موجه أساسا من رئيس التحرير الذي يكن له الكاتب تقديرًا كبيرا ومحبة، لا يود أن يرفض طلبه. ويبدأ في استعادة أحد النصوص التي كان قد كتبها عن موضوع الأسرى. مسارات السرد المسار السردي الثاني يتعلق بالنص الذي يعود إليه الكاتب يتناول سيرة أربعة من الأسرى الكويتيين الذين وقعوا في الأسر في زمن الغزو الصدامي للكويت، حيث يتم استدعاؤهم بعد مرور عشر سنوات على الغزو، كلٍّ من أحد السجون أو المعتقلات التي كانوا قد توزعوا فيها، إلى معسكر عسكري معزول، يعرف باسم معسكر التاجي، لا يضم سوى بنائين صغيرين، يخصص أحدهما لإقامتهم، أو بالأحرى لوضعهم تحت المراقبة، والآخر مخصص للنقيب العراقي المسؤول عن حراستهم ورقابتهم ومعه رقيب عسكري أكبر في العمر هو العريف ريسان. أما المسار الثالث فيقع في متن النص السردي الذي يتناول سيرة الأسرى أيضا، لكنه يخص أو يتناول سيرة الملازم أيمن، وهو شاب حديث التخرج، يعمل والده قائدا عسكريا لدى جيش صدام، ولكنه يبدو مختلفا ولديه أسئلة مختلفة عما يسود في الجيش العراقي من مسار دعائي يخدم فكر الديكتاتور، ويفكر في الكثير من نقاط النقد التي توجه للقائد العراقي من خلال خبراته في الدراسة في روسيا وعلاقته بشابة روسية، تدعى مارلين: والدتها من أصول عراقية، تقدم نقدا صريحا وكاشفا لأخطاء النظام العراقي ممثلا في ممارسات صدام حسين. وتتعاقب المسارات السردية الثلاثة بالتتابع، وبلا فواصل على امتداد نص الرواية كله الذي يمتد كأنه كتلة سردية واحدة بلا فصول أو عناوين أو فواصل. وبالرغم من أن المسارات السردية تبدو مختلفة عن بعضها، لكنها تتلاقى باستمرار، مرة من خلال اختيار الكاتب لشخصية بدر، القاضي الكويتي الأسير، وهو يجسد شخصية حقيقية في الجزء الواقعي الأول، حيث نفهم من سرد الكاتب أن له شقيقاً يصغره بنحو عشرين عاما، اسمه بدر وكان قاضيا، وشارك خلال الغزو في عمليات مقاومة مسلحة، ثم اعتقل خلال تغطيته لانسحاب زملائه في المقاومة خلال إحدى العمليات في نوفمبر عام 1990، وتعرض للأسر واختفى. كما نرى الكاتب نفسه، وهو شخص إسماعيل فهد إسماعيل، في متن النص السردي المتخيل، حين يأتي ذكره على لسان بعض الأسرى ومنهم غالب الذي كانت له اهتمامات بالفن التشكيلي، إضافة إلى عمله كمفتش موانئ، وسبق له الالتقاء بالكاتب في أحد المعارض. كما يأتي ذكره طبعا على لسان شقيقه الأسير بدر، أو على لسان جعفر الصحفي الذي يعرفه كأحد الشخصيات التي لها حضور ثقافي في الكويت بشكل عام. شخصيات الأسرى يمثلهم أربع شخصيات هم فهد، البيطري، الذي كان مسؤولا عن وحدة بيطرية في جزيرة فيلكا خلال مداهمة الكويت، وغالب، الفنان التشكيلي ومفتش الموانئ، الذي كان متزوجا من عراقية، ويداهمها مخاض الولادة في ليلة الغزو الأولى، وفي الطريق للمستشفى يتعرضان لوابل من الطلقات النارية التي تودي بحياتها وحياة الجنين. مما يتسبب في إصابة غالب بصدمة عصبية يسب على إثرها أحد الضباط العراقيين ويتم اعتقاله بتهمة ملفقة هي سب النظام العراقي. ثم شخصية بدر، شقيق الكاتب، القاضي، الذي كان أحد أفراد المقاومة العسكرية المسلحة ضد الغزو، أما الشخصية الرابعة فيمثلها الصحفي جعفر، الذي كان يعمل صحافيا في جريدة القبس، لكنه رفض الكتابة في الجريدة التي تحولت إلى نشرة باسم «النداء» في زمن الغزو فيتم اعتقاله وأسره. ونفهم من سياق السرد أنه من فئة البدون. ونرى في النص كيف أنه تعرض للتعذيب لنزع الاعترافات منه قبل أن يتنقل بين عدد من المعتقلات العراقية. على مستوى الموضوع يتناول النص عدداً من المفارقات التي تجسد مفارقات الأنظمة الحاكمة والديكتاتورية بشكل خاص، لكنها تكشف تناقضات اللعبة السياسية أيضا وبينها مثلا ما يأتي على لسان مارلين الروسية صديقة النقيب أيمن، حين تذكر أن النظام العراقي اعتبر سوريا عدوا بعد حرب الخليج الأولى لأن النظام السوري وقف مع إيران في حربها ضد العراق، وشارك في حرب الخليج الثانية ضد العراق، بالرغم من أن النظامين العراقي والسوري يمثلان حزبا سياسيا واحدا هو حزب البعث. مفارقات وملاحظات من المفارقات أيضا أن الشعوب تؤخذ بجرائر أنظمتها، بالرغم من أنها قد تكون هي أيضا ضحية النظام الحاكم لها، حيث يرصد النص، ما تعرض له الشعب العراقي تحت حكم صدام من قتل، أو ترهيب، أو إبادة جماعية بالكيماوي، وغيرها من ممارسات شديدة القسوة مارسها النظام ضد شعبه. يبدو جليا في النص طبعا أن شخصية أيمن النقيب العسكري المختلف فكريا عن الطابع العام المتعارف عليه في الجيش العراقي في عهد صدام، يقدم نموذجا لفئة من الشعب، ترى أن ما يقترفه النظام ضد الشعوب وضد الآخر لا يمثلهم. ولهذا بدا متعاطفا ومقدرا لأوضاع الأسرى الكويتيين، راغبا في توفير احتياجاتهم، خصوصا وأنه مدرك لمفارقة أنهم ليسوا عسكريين وإنما مجموعة من المدنيين في الأساس، ويمثلون جميعا جانبا من نخبة المجتمع الكويتي. وتظهر طبعا جوانب أخرى من شخصيته التي تبدو أقرب لتكوين مثقف حساس من كونه رجلاً عسكرياً، خلال العلاقة التي تنشأ بينه وبين ابنة الرقيب ريسان. ويتداخل الصراع النفسي للكاتب في حزنه الشديد على مصير شقيقه مع أحداث النص، وعلى طريقة تفكيره في مسارات الأحداث، مع إحساسه بالذنب المستمر، بأن له دوراً ما في تورط أخيه في هذا المصير، لأنه لم يكن قاسيا بما يكفي لمنع شقيقه من خوض المقاومة المسلحة وإقناعه بالمقاومة المدنية، فيما يتجاوب مع الاقتراحات الفنية التي يقترحها عليه الصحفي إبراهيم فرغلي لكي يصبح النص مقبولا للنشر في مجلة «العربي». أخيرا تبقى إشارة إلى نقطتين تثيران الانتباه في تناول إسماعيل فهد إسماعيل لمجموعة الأسرى بعزلهم في وسط متجانس يتكون من وجودهم معا كأسرى معزولين عن المساجين الآخرين، ومدى موفقية هذه الفكرة درامياً في ضوء ما هو معروف عن شراسة النظام العراقي في تعامله مع الخصوم. مع التأكيد أن اختيار الكاتب فنيا لهذا الموقع ـ المسرح انطلق من حلم راود الكاتب، ووصف تفاصيل الكثير مما جاء فيه، وبينها موقع شبيه بهذا الموقع. مع التأكيد بطبيعة الحال، أن هناك مشاهد أخرى مما يرويه أبطال آخرون للعمل مثل آدم يوسف السجين التشادي مثلا، وغيرهم عن وقائع ما تعرضوا له من أتباع ومستفيدين من نظام ديكتاتوري يدير الأمور بالحديد والنار. النقطة الثانية تتعلق باللغة، وفيها يعود إسماعيل فهد إسماعيل مرة أخرى إلى أسلوبه اللغوي الذي يعتمد على التكثيف، وعلى إزالة حروف الجر وبعض أدوات التأكيد، مما يجعل اللغة صعبة نسبيا على من يقرأ لإسماعيل فهد لأول مرة مثلا. وهذه السمة التي تجعل نص إسماعيل فهد له سمت خاص يذكرنا مثلا بالطريقة التي يتحدث بها الممثلون في أفلام يوسف شاهين بطريقته في الكلام، لكن هذا الأمر يعكس رغبة إسماعيل فهد، من جهة أخرى في وجود قارئ ذكي قادر على ملء فجوات النص أو اللغة، مما يجعله متوافراً خلال عملية القراءة. تتناول الرواية سيرة أربعة أسرى كويتيين في زمن الغزو الصدامي للكويت شاعرية وتشويق تصدرت رواية «الفتاة في شبكة العنكبوت ـ الجزء الرابع» للكاتب الكندي دافيد لاجير كرانتز قائمة «نيويورك تايمز» للروايات الأكثر مبيعاً. تتحدث الرواية التي بيع منها أكثر من 5 ملايين نسخة في الولايات المتحدة وحول العالم، عن «يزبيث سالاندر» صاحبة وشم التنين، ومساعدتها لصديقها الصحفي السويدي العنيد المجعد الشعر «ميكائيل بلومكفست» صاحب التحقيقات والاستطلاعات والمقالات الساخنة، في كفاحه ضد الفساد السياسي والمؤسسي، في إطار عصرية المنافسة على الإنترنت، وما يتعرضان له من تهديدات جراء ما يقوم به بلومكفست، خبير الذكاء الاصطناعي، الذي اخترع التكنولوجيا السّرّية وآلات للتعليم الذاتي فائقة الذكية، في ملاحقة هؤلاء ومحاولة كشفهم. هذه الرواية لا تخلو من الجدل والتشويق، حينما تكشف لك في سرد بديع حقيقة الواقع من حولك، فالساسة والسياسيون ليس كما تراهم على شاشة التلفزيون وهم يدلون بتصريحاتهم بكل جمال وهدوء، بقدر ما هم دهاة وهم يصدرون لنا الديموقراطية الأشد فتكا، فقد نسج كاتب الرواية الأحداث بطريقة دراماتيكية، مشحونة بشخصيات مرسومة بدقة وعناية وعمق، إلى جانب بنية سردية تقوم على مواكبة تكنولوجيا العصر، وأخطرها في مجال القرصنة الإلكترونية، كما أنها لا تخلو من لحظات ولمسات شاعرية رومانسية في تصوير قصة عشق خاصة، مقابل قصص لا تخلو من الشر والتدمير والقبح، وجميعها تدور في محور ثنائية القلم والرصاصة. إن دافيد لاجير، ليس روائيا فحسب، إنّه شاعري متفرد بفن السرد الأنيق القابل للترجمة لكل اللغات، لأنه الثابت على أسلوبه المحكم ولغته المعاصرة، واللغة الشعرية والمحصلات الاستنباطية، فكل شخصيات روايته أبطال مع مرتبة السرد الأولى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©