الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إلى متى تبقى الثقافة شأناً نخبوياً؟

إلى متى تبقى الثقافة شأناً نخبوياً؟
30 سبتمبر 2015 18:05
المثقفون والمبدعون الإماراتيون، لاحظوا غيبة الشأن الثقافي عن برامج المرشحين لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي، لكنهم ـ مع دعوتهم لمن يريد الإسهام في العمل العام، لكي يعطي للقطاع الثقافي ما يستحق من اهتمام ـ فإنهم يتوسعون في تقديم تفسيرات جادة لهذا الغياب. استطلع «الاتحاد الثقافي» عدداً من المثقفين الإماراتيين حول موقعهم وموقع مجالهم في برامج المرشحين، فجاءت إفاداتهم كما يلي: يقول الشاعر الإماراتي كريم معتوق: «هذه الظاهرة صحيحة بشكل كامل. لكن آلية عمل المجلس الوطني لها قواعد وأصول متبعة. فما يحدث أن أغلب الأعضاء فيه يكونون أصحاب ميول اجتماعية واقتصادية شأنهم شأن غالبية أفراد المجتمع، لذا نراهم يلمون بهذه القضايا ويتفاعلون معها ويطرحونها للنقاش ويساهمون مع مجلس الوزراء في تطوير الأنظمة لمصلحة المواطن اقتصادياً واجتماعياً». ويضيف: «الشأن الثقافي هو شأن نخبوي، ففي كثير من الدول المتحضرة يلجأ أصحاب المهن الثقافية من تشكيليين ومسرحيين وأدباء وسينمائيين أو حتى جمعيات ومؤسسات، إلى أحد أعضاء المجلس الوطني ويقدمون رؤيتهم الثقافية له ليقتنع بها ويتبناها، ويقوم بطرحها بدوره أمام المجلس لمناقشتها مع بقية الأعضاء ومن ثم مع مجلس الوزراء. ولا أعتقد أن في دولتنا الأعضاء سيديرون ظهورهم لأي قطاع من قطاعات المجتمع، على العكس هم يرحبون بجميع المبادرات وينتظرونها». مبيناً أن هذا التقصير الحاصل يرجع إلى المثقفين أنفسهم بعموم أطيافهم. ومنه لا أستطيع أن ألقي اللوم على عضو أو مرشح ليس له علاقة بالشعر لعدم طرحه قضية الشعراء وهكذا.. فأعضاء المجلس الوطني هم أخواننا الذين يمثلوننا ويحملون قضايانا ومشكلاتنا. ويذكر ضمن هذا الصدد، أن معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، اجتمع بالعاملين والمعنيين بقطاع الثقافة وطلب منهم تدوين مطالبهم لتحقيقها، وبالفعل هذا ما حصل. ويقول: «بدروي أشكر جريدة الاتحاد متمثلة بالقسم الثقافي، لطرح هذه الإشكالية التي أشارك فيها لأول مرة، حيث لها أهميتها وصداها على الواقع المحلي”. أزمة وعي ويرى الشاعر الإعلامي راشد شرار أن ظاهرة غياب الاهتمام بالجانب الثقافي عن برامج ودعاية المرشحين يؤشر إلى أزمة وعي في فهم الثقافة. فالمثقف مُهيأ نفسياً وعقلياً لبناء مجتمع صالح عادل راقٍ متطور، لأنه مُتنورٌ ومُتحررٌ من قيود الجهل، ومُتعافٍ من أمراضه كالتعصب والأنانية والعدوانية. يبحث عن الحقيقة هنا وهناك، يواجه الباطل في معسكر الجهلاء، يضيء بعلمه وثقافته طريق المجتمع. وعلينا جميعاً أن نعي وندرك أن الفرق بين الدول الفاشلة والناجحة والأقل نجاحاً هو المعيار الثقافي المبدع والمقنع والدور الريادي للثقافة الإيجابية الواعية والمستنيرة. ومن هذا المنطلق فإن على أعضاء المجلس الوطني أن يدركوا ويعوا خطورة التغييب والتهميش والإقصاء للثقافة وأدوارها النامية والداعمة للنماء فإن استمرار غيابها تحت أي مبرر سيؤدي إلى ترك فراغ تستغله الثقافات السلبية البديلة ذات المفاهيم والتصورات العنيفة والثنائيات الصراعية الرافضة للنماء والتطور والتجديد المتناغم مع حركة الحياة وتطلعاتها مع معطيات عصر التكنولوجيا المتجددة. إن المشاركة في توجيه العملية السياسية جزء أصيل من التنمية السياسية، وإنجاحها بيد أطرافها جميعاً، فلا مجال لأي تقصير، خصوصاً في ما هو مطالب به عضو المجلس في ظل الظروف التي يشهدها وطننا العربي. نرجو أن يكون مرشح المجلس الوطني، مدركاً لدوره ملماً بأبعاده. أن يلتحم المرشح مع المشهد الذي تمثله الإمارات في هذه اللحظة للعالم. فما معنى أن يتقدم مواطن إماراتي لشغل مقعد من مقاعد المجلس الوطني الاتحادي دون أن يعي ما هو مقبل عليه من مسؤوليات جسام. فكثير من المرشحين غير مدركين بحقيقة وواقع دور البرلماني الناجح، ومنهم من غابت عنه قيمة الثقافة ودورها في بناء الإنسان، ولا يريد معرفة ذلك الدور، وأكثرهم إذا تحدثت معهم فستكتشف أن اهتماماتهم أبعد ما تكون عن الشأن المحلي والهم العام. فما أحوجنا اليوم إلى الثقافة وجهود المثقفين لبناء مجتمع قوي متماسك متطور. نحن كمثقفين وشعراء وأدباء ومبدعين كنا ولا زلنا وسنظل نتطلع إلى العمل المؤسسي الثقافي لخطط وبرامج التنمية المستدامة وكنا ولا زلنا وسنظل نطمح ونأمل استشعار النائب البرلماني بأهمية الدور الريادي والحيوي للثقافة والمثقفين. وأن الثقافة هي الوسيلة الوحيدة والهامة لتحقيق التنمية باعتبارها تتولى مهمة الإقناع والإبداع المرتكز على قيم العلم والمعرفة المرشد والمصوب للاتجاهات الاختيارية المتصلة بالقيم والقناعات المجتمعية تخلق مفاهيم وتصورات مفيدة وداعمه لعمليات التنمية والتطور. ويضيف شرار إلى أن العديد من المرشحين ينظرون إلى الشأن الثقافي خارج اهتمامات ناخبيهم وهذا عائد لكون غالبية المرشحين من خارج الوسط الثقافي. ومن هذا المنطلق فإني أوصي مرشحي المجلس الوطني بضرورة أن تتضمن برامجهم الجانب الثقافي كأن تهتم بتفعيل العمل الثقافي والإبداعي المؤسسي ودعمه بكل الإمكانات اللازمة لتنشيطه ومن ثم إيصال رسالته. والتواصل مع كل المنظمات والهيئات الرسمية والمجتمعية ذات الاهتمام الوطني والإقليمي والدولي لدعم الثقافة والمثقفين والإبداع والمبدعين. والعمل على التنسيق التكاملي بين الثقافة والسياحة والآثار. أين موقع المثقَّف؟ ويقول الكاتب الإعلامي خالد الظنحاني صاحب كتاب «البرلماني الناجح»: من خلال متابعتي للبرامج الانتخابية للمرشحين في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي للعام 2015 لاحظت غياب المحور الثقافي في هذه البرامج، وهذا الغياب ليس في هذه التجربة الانتخابية فقط بل في التجربتين الانتخابيتين السابقتين 2006 و2011، وهو ما يؤشر إلى عدم إدراك المرشحين لأهمية الثقافة ودورها المحوري في تنمية المجتمع وبناء الحضارات، ذلك أن أكثر المرشحين يعتبرون النشاط الثقافي أو الأدبي مجرد ترفيه وليس حاجة ملحة أو ضرورة، وبالتالي فإن غياب المحور الثقافي عن برامجهم لا يؤثر كما يتصورون. وهذه في الحقيقة نظرة سائدة في المجتمع حول الثقافة والأدب؛ يجب على المؤسسات الثقافية والمثقفين تغييرها بأي وجه من الوجوه. وفي ذات السياق، فهناك سؤال مهم يفرض نفسه أيضاً وهو: أين موقع المثقَّف في المجلس الوطني الاتحادي للدولة طوال هذه العقود؟ ألا يستحق المثقَّفون والأدباء أن يكون لهم عضو برلماني يمثلهم وينقل طموحاتهم وقضاياهم إلى أصحاب القرار، وبالتالي مناقشتها مع الوزراء والمسؤولين في القطاع الثقافي في الدولة، أسوة بالقطاعات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ. إن الحركة الثقافية الكبيرة التي تشهدها الدولة، وما يتخللها من مهرجانات، وملتقيات، وندوات وبرامج ثقافية محلية وعربية ودولية، وازدهار حركة الطباعة، تحتم النظر بعين فاحصة للدور الكبير الذي يلعبه الأديب والمثقَّف والمبدع سواء في إقامة هذه الفعاليات وتنظيمها والمشاركة فيها، أم عبْر بثه لروح الإبداع والابتكار في تلك النشاطات الأدبية والثقافية والإبداعية المتنوعة على مستوى مناطق الدولة جميعها، فضلاً عن أن الثقافة تعتبر من الركائز الأساسية للتقدُّم والتنمية والحضارة، والأديب والمثقَّف عموماً في هذا المقام يمثل حجر الزاوية، بل ومهندس عمليتها الإنمائية، إضافة إلى أن المثقَّف الأديب ككاتب مبدع ومبتكِر، وصاحب فكر ورأي، يؤسِّس لبيئة ومجتمع واع وراق ومتحضر، الأمر الذي ينعكس بالضرورة على تطور الدولة، والوصول بها إلى مصاف الدرجات المتقدَّمة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تهدف إليها. إننا بحاجة إلى عضو ثقافي (أديب) فاعل يمثل الأدباء والمثقَّفين بصفته الأدبية في المجلس الوطني الاتحادي، كون أهل الأدب أدرى بشعابه في نقل آمالهم وطموحاتهم إلى أصحاب القرار، ويحدونا الأمل في أن تزخر كل تشكيلة جديدة للمجلس، باسم أديب أو اثنين في أقل تقدير، لتحقيق هدف تعزيز دور الثقافة في المجتمع، وتحفيز التنمية الثقافية في الدولة عموماً. أولويات الناس وبالنسبة للشاعرة شيخة المطيري، فإن التقدم للعمل من داخل المجلس الوطني الاتحادي لا يستلزم أن تكون أولوياتك ثقافية بالضرورة، وما يلزمك هو أن تتحلى بقدر كبير من الحس الاجتماعي وأن تعرف ما يحتاجه الناس حقيقة، وأن تحسن القيام بدورك في حلقات المشورة والرأي. لا تجد المطيري حرجاً في ضعف الاهتمام بالشواغل الثقافية لدى المرشحين، وهي تقول «الثقافي لا يمثل أولوية قياساً إلى الصحة والتعليم، مثلاً، والمرشح يفكر في ما يهم المجتمع وفي ما يمثل حاجة ملحة وضرورية..»، وتؤكد الشاعرة الإماراتية أن «الثقافة حاجة مهمة ولكن التعليم حاجة أهم..» وتضيف «لنكن واقعيين، لو كنت مرشحة لكنت فكرتُ بطريقتهم ذاتها». حظي المشهد الثقافي الإماراتي باهتمام دائم من قبل الدولة، تقول صاحبة « مراسي المداد»، وتضيف: المبدع الإماراتي على وجه الخصوص تيسرت أمامه كل الإمكانيات والمنابر واحتفت به الدوائر الرسمية على مختلف مسمياتها وكُرم وترجمت أعماله، كما أتيح له أن يتنقل بين البلدان والثقافات ممثلاً للدولة في محافل العالم». وتضيف المطيري، مشيرة إلى أن الدولة «لم تقصر في سائر المجالات الأخرى»، ولكن «يبقى من المهم أن تتابع ونتابع معها تعزيز مجالات التعليم والصحة على وجه التحديد، لأن التعليم، على سبيل المثال، يشكل ركيزة أساسية في التنمية والتطور لأية أمة ولا يمكنك أن تنتظر أي شكل من أشكال الثراء الثقافي ما لم توفر بنية تعليمية متينة ومواكبة وحديثة..». واقع إيجابي نحن لا نقرأ سوى العناوين، هكذا استهل المسرحي حميد سمبيج إفادته، مشيراً إلى أن تفاصيل برامج المرشحين «قد تتضمن بعض الشؤون والشجون الثقافية»، وهو لا يستبعد أن يكون من بين المرشحين من يهجس بأسئلة وموضوعات الساحة الثقافية، مبيناً أن القوائم الانتخابية تضم بعض الشعراء والكتّاب في إمارات الدولة كافة. ويؤكد سمبيج أن موقع الثقافة تراجع كثيراً في العالم «وصرنا في عصر مجتمع الاستهلاك السلعي»، ويستدرك: ولكنني أعتقد أن الحالة الثقافية في الإمارات تعيش ظروفاً أفضل قياساً إلى سواها، ومع ذلك لا بد من تدعيمها والحفاظ على مكاسبها، والدولة لم تقصر يوماً في هذا الجانب فشادت الصروح الفنية والمسارح والمتاحف كما دعمت كل أشكال النشاط الثقافي من مسرح إلى قصة ورواية، إلى جانب اهتمامها بالمورثات الشعبية حيث عملت على حفظها ونشرها والاحتفاء بها، كما أن الدولة اهتمت بالمواهب في المجالات الإبداعية شتى عبر برامج نوعية لتطويرهم وصقلهم وحفزهم للتطور والابتكار». وعن تطلعاته كمثقف ومبدع وما يأمل أن يسهم به مرشحو المجلس الوطني الاتحادي دعماً للثقافة، قال العضو التنفيذي بمسرح الشارقة الوطني: أتمنى أن يعملوا في اتجاه تخصيص موازنات أعلى للنشاط الثقافي، وأن يدعموا استقلالية وزارة الثقافة وألا تدمج مع أي وزارة أخرى فما تحقق للثقافة في الدولة يستحق وزارة تخصه..» ويتابع سمبيج: كما اتطلع إلى أن يسهموا، إلى جانب المؤسسات الخاصة بالكتاب والمسرحيين والسينمائيين والشعراء والمصورين، بدور ما في تمكين موقع الشأن الثقافي في الوسائل الإعلامية الرسمية، وأن يدفعوا باتجاه منح المبدع حصته من التفرغ والتمثيل الخارجي على نحو يعبر حقيقية عن المكانة المتقدمة التي بلغتها دولة الإمارات بين دول العالم..» الهم الثقافي وترى القاصة والإعلامية عائشة العاجل أن «ما يشغل المرشحين للمجلس الوطني هو الوضع الاجتماعي والاقتصادي وبعض الظواهر الدخيلة في محاولات لحلها لمزيد من الاستقرار والرفاه الذي ينشده الشعب الإماراتي..»، باعتبار أن تلك القضايا من بين أكثر ما يشغل عامة الناس، وتذكر العاجل «إن الهم الثقافي والعمل عليه هو المدماك الرئيس في عملية البناء خاصة أن بناء الذات بالثقافة والعلم والمعارف والفنون هو الأساس في تعزيز المواطنة وتكريس الهم الوطني باعتباره السبيل الحق نحو موضوعية الطرح والتعايش والاستقرار والتعامل برقي مع الآخر سواء في المجتمع أو خارجه. كما أن العمل الثقافي هو المعول الباني والرافع للإنسانية بشكل وافٍ». وتفسر العاجل غياب «الهم الثقافي» في البرامج المقترحة من طرف المرشحين إلى «ما تشهده الساحة من عزوف وعدم تنسيق للفعاليات والأنشطة الثقافية وغياب الدراسات المعنية بالقضايا والأسئلة الثقافية الراهنة والتي تحدد وعي الفرد واندماجه المتسق مع تطور المجتمع ومع ارتقاء فهمه للواقع والمأمول». تذليل الصعوبات من طرفه، يؤكد الشاعر محمد البريكي أن المشهد الثقافي الإماراتي حظي دائماً باهتمام الدولة، ويضيف: لكن، عطاء الدولة اللامحدود ينبغي أن يُعزز من قبل المبدعين والمثقفين بالرؤى والأفكار التي تسهم في ترسيخه وتمديد أثره وتمجيده». ويتابع مسؤول بيت الشعر، قائلا: غني عن القول أن حضور السؤال الثقافي على مستوى المجلس الوطني الاتحادي يؤشر على ثقة غالية من القيادة بدور المثقف كما يؤكد على تكامل الأدوار وتناغمها، بين روافع العمل الاجتماعي والتعليمي والصحي والثقافي كافة، وتلك هي الدعائم الأساسية لتقدم وتطور المجتمعات..». بأي شكل يمكن أن يتجلى الشاغل الثقافي في ذهن العضو المنتخب للمجلس؟، يجيب البريكي: اعتقد أن العضو يمكن أن يتواصل مع دوائر المثقفين والمبدعين ويتعرف على تطلعاته ولو كان هذا العضو شاعراً أو كاتباً ففي مقدوره أن يشارك أخوته في تذليل الصعوبات المتصلة، مثلاً، بإجراءات الإجازة للمبدع كما يمكنه أن يسهم في زيادة الدعم المادي ومخصصات الفعاليات والأنشطة الثقافية والإبداعية والترجمة والنشر والإعلام وسواها».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©