الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الباليه..رقي الروح وارتقاء الجسد

الباليه..رقي الروح وارتقاء الجسد
30 سبتمبر 2015 22:09
خاضت الشعوب القديمة تجاربها الجمالية بالروح والجسد، أبدعت من إحساسها بحركة الكائنات وسكونها، تلك الفنون التي رافقتها في سيرورتها عبر العصور. وفي تلك السيرورة الضاجة بتحولات الفكر المجتمع، كانت الروح الإنسانية تبحث عن سبل جديدة لرقيها، والجسد الإنساني يغذ الخطى نحو الارتقاء من قاع الغريزة إلى ذرى الإرادة. وبهذا المعنى، كان الرقص من أقدم الفنون التي عبرت من خلاله الشعوب عن هواجسها وأحلامها، مخاوفها وأفراحها. وقد اتصل الرقص اتصالا وثيقاً بالموسيقى، فاستخدمت الأدوات الإيقاعية في تنظيم حركاته وتقويتها وظلت تلك الأدوات ملازمة له منذ النشأة، كذلك لم تعرف الشعوب الفطرية والمدنيات القديمة في بادئ عهدها الغناء إلا مقروناً بالرقص، لذلك كانت الموسيقى بعنصريها الأساسيين (الإيقاع والنغم) في خدمة الرقص. نرى في النقوش الحائطية والرُقم القديمة لحضارات منطقتنا، نساء يرقصن بشكل جماعي رقصاً بسيطاً يشابه في حركاته ما نراه اليوم في علم رقص الباليه، ولأن الإنسان هو الأداة الرئيسية الخالقة للحركة والتي تعتبر عماد هذا الفن والوسيلة الناقلة له. وقد اعتبر الرقص في حضاراتنا القديمة تعبيرا عن رغبات وتطلعات الإنسان في العلاقة مع المحيط والطبيعة، وتطور إلى طقوس، ثم أصبح الرقص ملازماً للكثير من أوجه الحياة التي واجهها الإنسان في الحياة والدين والسلطة. الباليه تعريفا (Ballet) هو رقص تمثيلي بأسلوب راق معبر يؤدى على المسرح بمصاحبة الأوركسترا، يسبقها افتتاحية قبل رفع الستار تصور أحداث القصة، ويقوم فن الباليه على امتزاج عناصر (الحكاية المسرحية، الرقص الحركي، رقص كلاسيكي، الملابس، الديكور، الإيماءات، الإخراج الرقصي) وبالتأكيد الموسيقى. ويشتمل الباليه على رقص فردي أو ثنائي أو ثلاثي من المجموعات، أو تقوم المجموعات بأداء تلك الحركات سوية. ويقوم على تصحيح تلك الرقصات أساتذة مختصون، ويسمى مصمم الباليه (كريوغراف Choreograph) وتصميم الباليه يسمى (كريوغرافي Choreography). وأغلب المقطوعات الموسيقية التي تكتب للباليه من الجودة بحيث تصلح للعزف مستقلة في برامج الحفلات الموسيقية للأوركسترا السيمفوني. وقد يتم أحياناً اختيار بعض المقطوعات الموسيقية لمشاهير الموسيقيين لتوضع لها الرقصات التعبيرية المناسبة، وقد يصاحب الباليه (في أحيان نادرة) الغناء كما هو في باليه (دافنيس وكلويه) لموريس رافييل. نقلة حضارية بدأ فن الباليه في القرن السادس عشر في فرنسا ثم انتقل إلى إيطاليا وروسيا ثم إلى باقي الدول المتحضرة في بداية القرن السابع عشر، وأنشأ الملك الفرنسي (لويس الرابع عشر) الأكاديمية الملكية للباليه عام (1661)، ودخل الباليه في الأوبرات الفرنسية ثم في الإيطالية في القرن التاسع عشر، وقد ارتقى فن الباليه في روسيا وأصبح له قواعده وأساليبه وأنشأت له المعاهد والفرق في جميع أنحاء العالم تقريباً. وفي العودة للأكاديمية الملكية للباليه، فقد بدأ الملك لويس الرابع عشر بتأليف وتنظيم التدريب لرقص الباليه وحددت له حركات الأيدي والأرجل واستمر العمل بهذا النظام حتى يومنا هذا، وفي النصف الثاني من القرن السابع عشر خرج الباليه من القصور وصعد إلى خشبات المسرح وأصبح فناً مسرحياً. وبفضل هذه المدرسة ظهرت أول دفعة من الراقصين المحترفين لعروض الباليه، وقد لعب كل الأدوار الراقصة وقتذاك (رجال)، واستمر الحال حتى عام (1681) حيث عرض باليه «صبر الحب» والذي ظهرت فيه لأول مرة (راقصة أنثى) على خشبة المسرح، وأصبحت الراقصة لاحقاً هي بطلة العرض. وفي العودة للتعريف الأساسي للباليه، فأصل الكلمة باللاتيني (balare) وتعني (رقص)، ويمكن أن نجد أصول الباليه في الطقوس ثم في الحفلات التنكرية التي أخذت تتبلور في أوروبا اعتباراً من القرنين الخامس والسادس عشر كأحد فنون البلاط الملكي. والباليه أقدم من الأوبرا لكن تطورها كان أبطأ، وهما مشتركان معاً في طابع الفخامة الذي يغلب على الأزياء والديكور. تعرف الباليه باسم مؤلف الموسيقى (وليس مؤلف القصة) رغم استناد الكثير من الباليهات على نصوص لكتاب معروفين، أما مصمم الرقصات الكريوغراف، فهو مخرج العمل ككل. والحركات في الباليه الكلاسيكي صعبة وعالية التقنية وتتطلب تدريباً طويلاً يبدأ منذ الطفولة المبكرة، وقد وثقت حركات الباليه واكتسبت أسماء محددة ودونت أيضاً اعتباراً من القرن الثامن عشر، وهذا هو المعنى الأول لكلمة (كريوغرافيا) أي تدوين حركات الجسد برموز. وتسمية الباليه الكلاسيكية لا ترتبط بالكلاسيكية كمدرسة، لأن بعض الباليهات التي تنتمي إلى هذا النوع يمكن أن تأخذ طابعاً رومانسياً، والواقع أن أشهر الباليهات الكلاسيكية المعروفة اليوم كتبت في القرن التاسع عشر أي في المرحلة الرومانتيكية من الموسيقا. عرف القرن العشرين ردة فعل ضد الباليه الأكاديمية التي تقوم على قواعد وحركات ثابتة، وقد تجلى التطور الحديث للباليه في اتجاهات متعددة أبرزها ذلك الذي دشنته الباليه الروسية بالذات، خاصة في جعل هذا الفن يجمع بين فنون متعددة مثل الرسم والموسيقى والأدب والرقص الفلكلوري. هناك أيضاً الباليه الحديث والذي تمثل في المدرستين الفرنسية والأمريكية، فهذا النوع من العروض الذي أراد أن يقدم نمطية جديدة يمحي من خلالها الحدود بين الرقص التعبيري وقواعد الباليه بمعناها الخالص. المدرسة الروسية وفي الحديث عن باليه القرن العشرين، لا يمكننا إلا أن نتطرق للباليه الروسية، تلك الفرقة التي أسسها (سيرغي دياغليف) في روسيا ثم انتقلت للعمل في فرنسا اعتباراً من عام (1909) حيث اكتسبت شهرتها العالمية. وتعتبر أعمال فرقة الباليه الروسية رائدة لأنها أرست أسس الرقص الحديث من خلال تطوير قواعد الباليه (الصارمة)، وأدخل مؤسس الفرقة (دياغليف) الغناء على عروضه الراقصة مما جعل لتطور هذا الفن (الباليه) يتجه إلى أشكال فنية مرغوبة عند الجماهير. كذلك يعود الفضل إلى مصمم رقصات الفرقة الكريوغراف (ميشيل فوكين) في تجديد اللغة التشكيلية للباليه من خلال تحقيق مساهمة الجسد بأكمله في الرقص والتعبير. وحاول (دياغليف) في عام (1917) إدخال تقاليد الرقص الفلكلوري أو التقليدي الروسي على الباليه، كما ربط فن الباليه بحركات الطليعة في الأدب والفنون آنذاك من خلال طلبه إلى أهم الرسامين والكتّاب والموسيقيين والمخرجين المسرحيين أن يساهموا في تحقيق عروضه، وتجلى ذلك من خلال أحد أهم عروض فرقة الباليه الروسية (استعراض 1917) والتي كتب قصتها (جان كوكتو) وألّف الموسيقى لها (اريك ساتيه) وقام بتصميم الملابس والديكور لهذا العرض الفنان الشهير (بيكاسو). ويعتبر إنتاج عرض الباليه مثله مثل بقية العروض الموسيقية والذي يبدأ بكتابة نص العمل (Lebreto)، ويتم تحويل هذا النص أو القصة إلى حركات موسيقية مسرحية تعبر عن المضمون ويعطى للمؤلف الموسيقي أولوية التصور العام الفني ثم تعرض المادة المنجزة على الكريوغراف (المصمم الراقص) لتصميم الحركات ودراسة التصورات الحركية على المسرح وتوضّع الراقصين، وبالتأكيد حركات الباليه الأساسية لكل راقص ومجموعة، ويتم التواصل بشكل دائم مع المؤلف الموسيقي بغية التعديلات النهائية على الموسيقا. وليس بالضرورة أن يكون مصمم الرقصات (الكريوغراف) هو صاحب مقترح إنجاز عمل راقص (باليه) جديد فهناك الكثير من المؤلفين الموسيقيين الذين ترد لذهنهم أفكار إنتاج موسيقى راقصة تصلح لأن تكون فكرة بداية لباليه ما معين يطبق عليها لاحقاً القصة أو النص. هناك أيضاً من الأعمال الموسيقية التي كتبها المؤلفين ولم تكن معنونة للباليه، ثم يأتي (كريوغراف) ويبدأ العمل على هذه المادة الموسيقية مصنِّعاً منها عمل راقص متكامل يكاد يشك المشاهد والمطّلع بأن هذا العمل لم يكن بالأساس (باليه)، فعلى سبيل المثال العمل الأوركسترالي الشهير (شهرزاد) للمؤلف الموسيقي الروسي (ريمسكي كورساكوف)، والعمل الأوركسترالي الضخم (بوليرو) لمؤلفه الفرنسي المعروف (موريس رافييل)، وهناك حالة أخرى من عروض الباليه الحديث والممسرح والذي استخدمت فيه كل الإمكانيات السينوغرافية وقدم بأكثر من شكل ونمط وفي أكثر من تصميم وبلد، ألا وهو (كارمينا بورانا)، وكما هو معروف فالعمل هذا قد كتب للكورال والأوركسترا، لكنه ألهم مصممي الباليه لابتكارات جديدة على صعيد هذا النمط الفني وحداثته. وكما قلنا سابقاً، فالباليه فن صارم في حركاته وأسس بناءه، وهذا أيضاً ينطبق على نوعية الملابس بالنسبة للذكور والإناث، ونوعية الأحذية التي يلبسونها، زد على ذلك ترتيب شعر الراقص والراقصة، وكل تلك التفاصيل لها علاقة وثيقة بالحركات في الأيدي والأرجل والتي من المفترض إبرازها بشكل واضح. التجارب العربية كانت التجارب العربية على هذا الصعيد ليست بالكثيرة، ولكنها مهمة وقديمة بغية تأسيس عالم فني راق داخل هذه المجتمعات. وقد سعى الكثيرون منهم لتقديم فن الباليه بشكله التقني العالي، ومن أقدم تلك المدارس (أكاديمية الباليه) في القاهرة والتي أسست عام (1959) وبدأت بتدريس الأطفال وتهيئتهم وأنشأت فرق الباليه داخل الأكاديمية ثم توسع المشروع نحو مشاركة هؤلاء الراقصين في عروض دار الأوبرا المصرية، حتى أصبح هناك فرقة متكاملة (فرقة باليه دار الأوبرا المصرية) والتي استطاعت أن تقدم كبرى أعمال الباليه العالمية. المدرسة الثانية كانت في بغداد (مدرسة الموسيقا والباليه) والتي أنشأت عام (1969)، وتم رعايتها بشكل كبير، واستطاعت أن تهيأ كوادر كبيرة، ولكن نشاط هؤلاء الراقصين انحصر ضمن أعمال كانت تقدمها المدرسة، وقد كان من أبرزها باليه (الأجنحة السحرية) للمؤلف الموسيقي (عبد الأمير الصراف) واستطاعت بغداد وقتذاك أن تقدم عمل باليه بالكامل من كوادره العراقية (المؤلف، الكريوغراف، الراقصين، العازفين، السينوغرافيا). ومع تأسس المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق أواسط سبعينات القرن الماضي، تم تأسيس فرع داخلي لمدرسة باليه، وكانت تعنى بشؤون الأطفال فقط حتى المرحلة الدراسية الثانوية، ولكن سرعان ما تطورت هذه المدرسة حتى أصبح لها تتمة جامعية داخل المعهد (قسم الرقص التعبيري)، وقدمت الكثير من الأعمال والحفلات السنوية على مسارح دمشق وأهمها (دار الأوبرا). الباليه تعريفاً هو رقص تمثيلي يؤدى على المسرح بمصاحبة الأوركسترا هامش ص 11 أعلام وعناوين من أشهر راقصي الباليه الذين عرفهم تاريخ هذا الفن: ـ آنا بافلوفا ـ مايا بليسيتسكايا ـ غالينا أولانوفا ـ فاسلاف نيجينسكي ـ رودولف نورييف ومن أعمال الباليه التي خلدت في التاريخ الفني الإنساني نذكر: ـ بحيرة البجع (تشايكوفسكي) ـ كسارة البندق (تشايكوفسكي) ـ الأميرة النائمة (تشايكوفسكي) ـ روميو وجوليت (بروكوفييف) ـ جيزيل (آدام) ـ طقوس الربيع (سترافنسكي) ـ سبارتاكوس (خاجادوريان) ـ دون كيشوت (مينكوس) ـ حلم ليلة صيف (مندلسون)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©