الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ثيودور هرتزل: بؤس اليهود.. القوة الدافعة لبناء آلتهم

17 يناير 2007 01:29
حلمي النمنم: قد يكون مفاجئا أن كتاب ''ثيودور هرتزل'' عن الدولة اليهودية لم يترجم على نطاق واسع إلى العربية، ولم نقرأه جيدا، وإن كنا قد قرأنا عنه الكثير حتى تحول الكتاب وصاحبه في الوعي العربي إلى ما يشبه الأسطورة، وفي ترجمة للكتاب صدرت مؤخرا في مصر قام بها محمد يوسف عدس، وراجعها أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس د· عادل غنيم، وهو متخصص في القضية الفلسطينية بحثا وتأليفا بالعربية والإنجليزية· ولد هرتزل في مدينة ''بودابست'' المجرية عام 1860 ودرس في فيينا حتى عام ،1884 ومنذ عام 1885 عمل بالصحافة، وفي عام 1891 وحتى 1895 عمل مراسلا في باريس لصحيفة ''الحرة الجديدة'' التي كانت تصدر في فيينا، وخلال تلك الفترة وضع مسرحية ''الجيتو الجديد'' حول الأوضاع الاجتماعية للطبقة اليهودية الأرستقراطية في فيينا، وكانت محاولة أولى للتعبير عن ميول وأفكار ''هرتزل'' في المسألة اليهودية، ومنذ 1895 بدأ يسجل يومياته، وقد التقى في الثاني من يونيو من ذلك العام مع واحد من أثرياء اليهود في العالم البارون ''دي هيرش''، حيث عرض عليه ''هرتزل'' خطة عمل لم يرحب بها واعتبر ''هرتزل'' هذا اللقاء بداية العمل من اجل الصهيونية، وخلال شهري يونيو ويوليو من ذلك العام كتب المسودة الأولى لهذا الكتاب باللغة الألمانية، وفور الانتهاء منه اتصل بناشر ألماني لطباعته، فرفض ذلك الناشر، فلجأ إلى ناشر في فيينا وتعاقد معه في التاسع عشر من يناير عام 1896 على طبع ثلاثة آلاف نسخة، وظهر الكتاب أول مرة في ذلك العام، ولم تكن ردود الفعل الأولى للكتاب مشجعة، فقد وصفه احد الكتاب بأنه نزوة عابرة لكن ''هرتزل'' كان لديه اعتقاد بأن الكتاب سوف يكون مقبولا فيما بعدُ من اليهود ومن أعدائهم على السواء، وبناء على دعوة هرتزل عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897 وظل هذا المؤتمر يعقد سنويا حتى وفاته في 3 يوليو ،1904 حيث دفن في فيينا وبعد إقامة دولة إسرائيل نُقل رفاته إلى مكان مجاور لمدينة القدس عام ·1949 دولة اليهود العنوان الأصلي للكتاب هو ''دولة اليهود'' لكن متن الكتاب يتحدث عن الدولة اليهودية، ولذا اختار المترجم العنوان الثاني ربما لأنه أدق بالنسبة لما يريده المؤلف، فالحديث عن دولة اليهود قد يحمل معنى أنها دولة بها أغلبية من اليهود أودولة منحازة لليهود، أما الدولة اليهودية فهي تحمل المعنى الذي تُعرف به إسرائيل اليوم· قد يكون مهما التنبيه إلى أن كتاب ''هرتزل'' لم يكن أول كتاب يتناول الفكر الصهيوني، فقد سبقته عدة كتب في نفس السياق، من بينها كتاب ''روما والقدس'' الصادر عام ،1862 ومؤلفه ''موي هي'' والذي يتناول القومية اليهودية كقضية، ويقدم تصورا لحلها· وبعده بعشرين عاما، أصدر ''ليون بنكر'' كتاب ''التحرر الذاتي''، وطرح فيه فكرة الوطن القومي اليهودي، واقترح أن يكون هذا الوطن على أرض فلسطين أوأرض الميعاد كما سماها· من يرجع إلى كتاب د· عبدالوهاب المسيري ''الأيديولوجية الصهيونية'' يجد به توثيقا كاملا بهذه الكتب التي سبقت كتاب ''هرتزل''، وإن كان الأخير أكد بعد صدور كتابه، أنه لم يطالع أياً من هذه الكتب ولا سمع بها، وهو قول يصعب القبول به، ومن المهم أيضا القول: إن ''هرتزل'' ليس هو صاحب مصطلح ''الصهيونية''، فقد سبقه إليه ''ناثان ميرنبون''، ووجهت إلى كتاب ''الدولة اليهودية'' عدة انتقادات، من بينها غموض عباراته، وتسطيحه لبعض الأمور، والخروج عن الموضوع حينا، وهذا يمكن أن يكون صحيحا لو حاولنا التعامل مع ''هرتزل'' باعتباره فيلسوفا ومفكرا أو أديبا، لكن إذا فهمنا الأمر على منحى آخر وهو أننا بإزاء كتاب اقرب إلى برنامج عمل أوكتاب أيديولوجي، فإنه كتاب متميز جدا، كما أن هرتزل نفسه كان منتبها لذلك، فنراه يقول في الصفحات الأولى للكتاب: ''لابد لي بصفة مبدئية أن أجنب مشروعي أن يعامله النقاد السطحيون على أنه ''يوتوبيا'' فإنهم قد يرتكبون هذا الخطأ في التقدير ما لم أبادر إلى تحذيرهم، ومن الواضح أنني لن أكون قد فعلت شيئا اخجل منه لو أنني صورت هذه اليوتوبيا على أسس إنسانية''· يضيف أيضا ''كنت أستطيع على الأرجح أن احقق نجاحا أدبيا أكثر يُسرا، لو أنني قدمت مشروعي من خلال قصة رومانسية غير مسؤولة، ولكن مثل هذه اليوتوبيا ستكون اقل جاذبية بكثير من تلك اليوتوبيات التي كتبها ''توماس مور'' وكثيرون من سابقيه أو لاحقيه، كما أنني اعتقد أن أوضاع اليهود في كثير من البلاد من الخطورة بحيث لا تسمح بمثل هذه الصياغة العبثية''· ويشير هرتزل إلى كتاب ''الارض الحرة'' للمؤلف ''تيودور هرتسكا'' عن القضية اليهودية، وينتقده ثم يحدد معالم كتابه أومشروعه بقوله: ''المشروع الذي اطرحه الآن ينطوي على توظيف قوة دافعة موجودة بالفعل، وسوف اقتصر على الإشارة إلى التروس والعجلات الخاصة بالآلة التي نريد بناءها، وسوف اعتمد على المهندسين المهرة في تركيبها أكثر من اعتمادي على نفسي، إن كل شيء يعتمد على قوتنا الدافعة ولكن ما هي قوتنا الدافعة؟ إنها بؤس اليهود، فمن يجرؤ على إنكار وجوده؟''· ويقول هرتزل بوضوح وثقة زائدة: ''إن الدولة اليهودية ضرورية، ولذلك سوف تقوم ويفرض وجودها على العالم أن الخطة قد تبدو بطبيعة الحال غير معقولة إذا حاول معالجتها شخص بمفرده، ولكن إذا توفر لها عدد من اليهود المتعاونين فقد تبدو معقولة تماما، ولن ينطوي إنجازها على صعوبات تستحق الذكر، إن نجاح الفكرة يعتمد فقط على عدد مؤيديها، ولعل شبابنا الطموح قد أصبح كل طريق أمامه للتقدم مغلقا، يرى في هذه الدولة اليهودية مستقبلا مشرقا بالحرية والسعادة والشرف فيحرص على نشر الفكرة''· ويقول أيضا: ''إنني على يقين تام من أنني على حق، وإن كنت اشك فيما إذا كنت سأبقى حيا لأرى الأيام تبرهن على ذلك، أما أولئك الذين سيكونون أول من يفتح هذه الحركة فمن النادر أن يبقوا على قيد الحياة ليشهدوا نهايتها العظيمة، ولكن افتتاحها في حد ذاته يكفي لمنحهم الشعور بالفخر والسعادة بالتحرر الروحي''· الجيتو ويتحدث هرتزل في كتابه عن ''الجيتو الذي تحبسنا فيه أووربا''، ويتحدث عن الاستنارة الأوروبية وأفكارها، ورغم هذه الاستنارة يبقى اليهود في الجيتو وتلك مفارقة تاريخية ويقول: ''ونحن بسبيل حل هذه المشكلة لا نعمل لأنفسنا فحسب، وإنما نعمل أيضا لصالح كثير من المقهورين والمضطهدين في هذا العالم، إن المسألة اليهودية لا تزال قائمة، وهي إحدى مخلفات العصور الوسطى التي يبدو أن الشعوب المتحضرة ليست قادرة حتى الآن على التخلص منها''· ويصر على عالمية المشكلة ''إن المسألة اليهودية توجد حينما يوجد عدد ملحوظ من اليهود، وحيث تختفي هذه المشكلة فمعناها أن اليهود قد هاجروا وحملوها معهم، ومن الطبيعي أننا نرحل إلى الأماكن التي لا نلقى فيها الاضطهاد، وهذه هي الحالة الموجودة في كل بلد، وسنظل هكذا أبدا حتى في تلك الدول ذات المستوى الحضاري الرفيع، مثل فرنسا إلى أن تجد المسألة اليهودية حلا على المستوى السياسي''، ويضيف ''اعتقد أن المسألة اليهودية لم تعد مجرد مشكلة اجتماعية بقدر ما هي قضية دينية، ومع ذلك قد تتخذ أحيانا إشكالا أخرى، إنها قضية قومية يمكن حلها فقط عندما تعالج كقضية سياسية عالمية تناقشها شعوب العالم المتحضر في مجلس دولي، إننا شعب واحد''· وقبل فكرة الدولة اليهودية والى جوارها كانت هناك فكرة أخرى طرحت منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريبا لحل المسألة اليهودية، وتقوم على أن يخرج اليهود من الجيتوهات التي يعيشون فيها، وأن يتم العمل على دمجهم بالكامل في المجتمعات التي يعيشون بها كما هو واقع اليوم في أوروبا وأميركا، لكن هذه الفكرة رفضت في النهاية من جماعات الصهيونية لصالح فكرة هرتزل في إقامة الدولة اليهودية· ونجد ''هرتزل'' يعالج هذه الفكرة في كتابه ونلاحظ انه يقع في تناقض شديد، فيذكر أولا أن اليهود عملوا على الاندماج ولكن لم يسمح لهم بذلك، يقول: ''لقد حاولنا مخلصين في كل مكان أن نندمج في الحياة الاجتماعية للمجتمعات المحيطة بنا، وان نحافظ فقط على عقيدة آبائنا، ولكن لم يسمح لنا بذلك، إننا وطنيون مخلصون ولقد ذهبنا بإخلاصنا أحيانا إلى أقصى المدى ولكن بلا فائدة، نضحي بأرواحنا وأموالنا كما يفعل غيرنا من المواطنين ولكن بلا فائدة، نكدح في سبيل رفعة شأن البلاد التي نعيش فيها في مجالات العلوم والفنون والآداب، وفي مجالات إثرائها عن طريق التجارة وبلا فائدة''· وسوف نلاحظ انه لم يدلل على أقواله ولم يذكر لنا نموذجا واحدا يدعم رأيه· المهم أنه بعد ذلك يحاول أن يرفض فكرة الاندماج، هو بالطبع يريد أن يعرقل أي فكرة مضادة لفكرة الدولة، فيشرح أن الاندماج فيه خطورة حقيقية على اليهود، يقول: ''اعني بالاندماج ليس فقط مجرد التطابق الظاهري في الملبس والعادات والتقاليد واللغة، لكن أيضا في وحدة الشعوب والأخلاق واندماج اليهود بهذا المعنى لن يتم إلا عن طريق الزواج المختلط''· ويقوم بشرح ظروف ذلك الزواج وما يتعرض له اليهود فيه ويحكي واقعة عن زواج يهودي متنصر في المجر من يهودية أصيلة، ويرى أن ذلك الزواج يعد خطأ جسيما ويقول: ''إن الكفاح في سبيل إقرار الزواج المختلط قد حسم الخلافات بين اليهود والمسيحيين ومن ثم كان سببا في إعاقة امتزاج الأجناس أكثر مما ساعد على تحقيقه''· ويستعرض جانبا آخر للاندماج وهو القوة الاقتصادية كما حدث بالنسبة للطبقة العليا من اليهود، ولكن هذه الطبقة انقرضت بسبب الزواج المختلط ويخلص إلى القول: ''إنني واثق من أن اندماج اليهود مع غيرهم عن طريق إحراز مزيد من الرخاء الاقتصادي غير ممكن''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©