الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدانمارك.. تجربة في مواجهة التطرف!

23 أكتوبر 2014 00:12
أنطوني فيولا وسعاد مخينت مع بدايات طلوع ضوء الصباح، بدا بين جموع المتسوّقين «طلحة»، وهو رجل طويل القامة، نحيل الجسم في الحادية والعشرين من العمر، ويرتدي ملابس ريفية على سبيل التمويه، وقد أطلق لحيته الطويلة على طريقة السلفيين. كان يمشي بـ«زهو» في مركز التسوق «المول» المحلي لمدينة دنماركية، وكانت جموع المسلمين من صغار السن تقدم له التحية وكأنه «الملك العائد من المنفى». و«طلحة»، واحد من الشبان المتشددين الذين قاتلوا في سوريا والعراق ثم عادوا إلى أوطانهم في أوروبا. وفي بلدان أخرى، تمنع السلطات عودتهم أو تلقي بهم في السجون. ولكن الدنمارك هي البلد الذي استقبل من المقاتلين الأجانب العائدين أكثر من أي بلد آخر بالنسبة لعدد السكان، وقد عاد معظمهم إلى مدينة «آرهوس» تحديداً.ويقدم المسؤولون هناك العلاجات النفسية المجانية للمتطرفين ويعملون على تمويل مشاريع لتوظيف العائدين ويعيدون تسجيل بعضهم في الجامعات والمدارس. وقد عملوا أيضاً على بذل جهود إضافية لاستمالة مرتادي المساجد التي تشتهر بدعوتها الراديكالية المتطرفة وتوجيه أئمتها لنشر الوعي بمخاطر الذهاب للمشاركة في الحروب الدائرة في العراق وسوريا. وقال بعض السياسيين المحليين إن تجربة «آرهوس» يتعين أن يُنظر إليها باعتبارها نموذجاً يُحتذى في بقية الدول المتخوفة من عودة المقاتلين المتطرفين إليها كالولايات المتحدة وأوروبا، التي لا زالت تحاول البحث عن أفضل طريقة للتعامل معهم.وسواء إن كان الأمر سيئاً أم جيداً، فقد اختارت هذه المدينة أن تسمح لأمثال «طلحة» بالتجول في شوارعها وهي تتحسب لخطر التطرف بكل تأكيد وتسعى لإعادة تأهيلهم. و«طلحة» ابن زوجين مهاجرين من الشرق الأوسط من ذوي الميول الدينية المعتدلة، ولكنه هو انحاز إلى جانب التطرّف وقاتل في صفوف أحد التنظيمات المتطرفة في سوريا لمدة تسعة أشهر ثم عاد في شهر أكتوبر الماضي إلى الدنمارك. وقد هاجم سلوكيات «داعش» الوحشية عندما قطعت رؤوس رهائنها الأجانب، ولكنه رحّب بقتلها للجنود التابعين للنظام السوري.واختار «طلحة» هذا الاسم المستعار حتى يخفي هويته الحقيقية لأنه لم يخبر والده أبداً بأنه ذهب إلى مناطق الصراعات. وفي حديث مع إحدى الصحف الأميركية قال: «أنا أعرف كيف يفكر بعض الناس. فهم خائفون من المقاتلين العائدين. ولكن أنظر إليّ، فأنا أعتبر أنني لا أمثل في الحقيقة خطراً على أحد».ولم تسلم مدينة «آرهوس» من ألسنة المنتقدين الذي قالوا إن تعامل مسؤوليها بطريقة «اليد الناعمة» مع أمثال هؤلاء الإرهابيين ينطوي على خطر كبير. وسرعان ما أصبحت هذه الطريقة التي تتبعها مدينة «آرهوس» محلاً لجدل واسع النطاق في الدول الأوروبية التي تشنّ حملة حازمة على المتطرفين. وفي الدنمارك ذاتها، ارتفعت أصوات أخرى تطالب بتشريع قوانين جديدة لتجريم ومعاقبة العائدين بالسجن، وأيضاً لوقف الهجرة إلى الدنمارك من بعض الدول الإسلامية.وفي هذا البلد الذي يتذكر ولا ينسى الحملة التي تعرض لها في العالم الإسلامي بعد أن قامت صحيفة دنماركية بنشر صور كرتونية مسيئة في عام 2006، فإن الكثير من الناس هناك يعتقدون أن على مدينة «آرهوس» أن تعامل المتطرفين بصرامة بدلاً من احتوائهم واسترضائهم.وتعقيباً على ما يحدث في «آرهوس»، قالت «ماري كراروب» العضوة القوية في البرلمان عن «حزب الشعب الدنماركي» ثالث أكبر الأحزاب السياسية: «لقد أظهر مسؤولو المدينة ليونة مبالغاً فيها تجاه المتطرفين، ويبدو بوضوح أنهم فشلوا في تقييم حجم المشكلة».وتتعامل «آرهوس» مع المقاتلين المتطرفين العائدين باعتبارهم أحداثاً منحرفين قبل كونهم إرهابيين لأن الانحراف هو الظاهرة التي عانى منها معظمهم عندما بدأوا التفكير في القتال في الخارج. وكانت الغالبية العظمى منهم مثل «طلحة» شبّاناً صغار السن تتراوح أعمارهم بين 16 و28 عاماً. ومن بينهم العديد من ذوي السوابق الإجرامية وأعضاء العصابات الذين اكتشفوا فجأة ما توهموا أنه «الإسلام الحقيقي»! وأغلبهم انحدروا من عائلات مسلمة معتدلة أو من أبوين مطلّقين. وهم يعيشون في معسكر خاص في الدنمارك يدعى «غيتو جيلليروباركن».ويتألف هذا المعسكر المكتظّ بساكنيه، من مجموعة مبانٍ قليلة الارتفاع، وهو ملاذ للمهاجرين وعائلاتهم الذين تدفقوا إليه عبر موجة الهجرة التي بدأت في سنوات الستينيات. ويشكو هذا المجتمع المنعزل من ارتفاع معدل الجريمة حتى أن سيارات الإسعاف التي تدخله يجب أن تكون محمية بقوة خاصة من رجال الشرطة. وكانت هذه الظروف مثالية «لتفريخ» جحافل الشبّان الغاضبين المستعدين سلفاً للتحول إلى مقاتلين. وفي محاولة منها لتغيير هذا الواقع، عمدت سلطة مدينة «آرهوس» إلى إجراء إصلاحات جذرية على المعسكر. ومنها تحسين حالة البيوت وإصلاح الطرق المؤدية إلى الحي حتى يكون أكثر ارتباطاً بالمدينة ذاتها. وقال رئيس بلدية المدينة «جاكوب بوندسغارد»: «إنهم فتيان صغار انصرفوا إلى التديّن في وقت عصيب مروا به، وبدأوا يفكرون بالسفر للقتال دفاعاً عن معتقدات منحرفة آمنوا بها. ولا يمكننا أن نشرّع القوانين التي يمكنها أن تغيّر طريقتهم في التفكير. والشيء الذي يمكننا فعله هو أن نكون حازمين في التعامل والتحاور معهم». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©